الموسيقا > موسيقا

المارياتشي... سحر المكسيك

المارياتشي هي أكثرُ مِن مُجرَّدِ مُوسيقى بَل هي نِتاجُ مراحلَ ثقافيَّةٍ مَرّت بِها المكسيك، أبطالُهَا مُوسيقيون ارتَدوا بدلات الـ"تشارو" التَّقليديَّة، لِيسَطّروا عَبرَ التَّاريخ أسعدَ أنواعِ المُوسيقى الفلكوريَّة، إذ لا نَستَطيعُ ذِكرَ المكسيك دونَ أن يُبادِرُنا صدى تلكَ المُوسيقى، فَهي روحُهَا.

المارياتشي فنٌّ موسيقيٌّ مكسيكيٌّ يعودُ بِجذورِهِ إلى مئات السّنين، إذ كانَت تلكَ هي موسيقى الرِّيفيّينَ التي احتَفَلُوا بِهَا في أوقاتِ فَرَحِهم، عزفوهَا في آلامِهِم، وفي انتصاراتهم.

المارياتشي: هي إصدارٌ مُحدَّثٌ مِن أوركسترا مسرحيَّة إسبانيَّة تَحوي كمنجات وجيتارات وقيثارة.

تَتَحدَّثُ أغانيهم عن الحُبِّ، والخيانةِ، والمَوتِ، والرُّجولةِ، والأبطالِ الشَّعبيين، وحتّى الحيوانات، إذ إنَّ هناك أغنيةً مشهورةً تُدعى “La Cucaracha” أي "الصرصار" انتشَرَت عَالميَّاً ولكن الكثيرُ يجهل مَاهيَّتها، حتّى أنّهُ قد تمَّت تأديتُهَا مِن قِبَلِ الكثير مِن المشاهير ومنهم الرّاحلُ "لويس آرومسترونغ".

قبل أنْ يصلَ إرنان كورتيس (الغازي الإسباني) إلى شواطئ المكسيك في بداياتِ القرنِ السَّادس عشر كانت تُعزَفُ المارياتشي بالخشخاشات، والمزامير القصبيَّة، الطُّبُول، والأبواق الصَّدفيَّة، وكانَت تُؤدّى في المُناسبات الدِّينيَّة، لَكِن مَع الغَزو الإسبانيّ تمَّ استبدالُ الآلاتِ الأخيرةِ بالكمنجات، والجيتارات، والقيثارة، والآلاتِ المُوسيقيَّةِ النُّحاسيَّةِ، وتعلَّمَ السُّكانُ الأصليّون كيفيَّةَ العزفِ عليها بَل أضَافُوا عليها تعديلاتٍ لِتُنَاسبَ مُوسِيقاهُم.

كانَت مجموعاتُها صغيرةً وغير مشهورةٍ إلَّا في المكانِ الذي خَرَجَت منهُ، واختَلَفَ الشَّكلُ المُوسيقيّ مِن إقليمٍ لآخر، وتطوَّرَت الفرقةُ المؤدِّية للمارياتشي.

بَدَأ شَكلُ الفرقةِ المُغنيَّةِ المألوفُ لنا يتَّخذُ منحاهُ في القرن التَّاسع عشر في ولاية "جاليسكو" في الجنوب المكسيكي ولكن في مناطق أُخرى كـ"فيراكروز" و"هواستيكا" في الإقليمِ الشَّمالي مِن الدَّولة فَقَد تطوّرت الفرقة بشكلٍ مُختَلِف.

تتألَّفُ الفرقةُ الكَامِلَةُ المُؤدِّية لموسيقى المارياتشي من 6 إلى 8 كمنجات، وآلتي ترومبيت، وجيتار يُضَافُ إليها جيتار يتألَّفُ من 5 أوتار، وخلفيَّةٍ مدوَّرةٍ تُدعى "فيهويلا"، وجيتار خاصّ مِن 6 أوتار يُعطِي صَوتاً عَميقاً ليأخذَ دورَ صوتِ الباص في الفرقة يُدعى "جيتارّون"، وقيثارة مكسيكيَّة تقليديَّة أخَذَ لاحقاً "الجيتارّون" مكانَهَا.

تَجتَمِعُ هذه الآلاتُ جَميعُهَا لِتخلَقَ الحيويَّةَ والابتكارَ تماماً كالـ"سيراب" ذلك الرِّداء التَّقليديَ المُلّوَّن في المكسيك.

في نهايةِ القَرنِ التَّاسِعِ عشر كانَت "الكوكولا" أو "الفيهويلا" أسماءً لِأشكَال فرَقٍ تتألَّفُ مِن كمانين و"جيتارّون"، وبِحلُولِ الخمسينيات بَدَأَت فرقُ المارياتشي تَتّخذُ شكلاً مَرِنَاً وأوركيسترالياً دونَ أنْ تخسَرَ قاعدتَهَا التَّقليديَّة، فَتَمَّت إضِافَةُ جيتار كلاسيكي، وآلتي ترومبيت، والمَزيدِ مِن الكَمَنجات لِتصبِحَ الفِرق قَادِرَةً على عزفِ أساليبٍ مُتنوِّعةٍ بِخِلافِ المَاضِي.

ظَلَّت المارياتشي ترسُمُ البَهجَةَ في احتفالاتِ المَكسيكييّن، وكانت أحدُ رسائلِهِ "السيريناتا" والتي تَعنِي التَّواصل بينَ المُحبِّين بالمُغازلَةِ، وهي رِسالةُ حُبٍّ مُوسيقيَّة يُوصِلها المارياتشي. كَمَا أنَّهُ مِن الدَّارجِ أنْ تَستيقِظَ على أنغامِ "لاس مانانيتاس" في الصَّباح البَاكِرِ، وهذه هي الأغنيةُ التَّقليديَّةُ التي تُستخدَمُ للاحتفَالِ بأعيادِ المِيلَادِ.

يُعتَبَرُ المارياتشي أحدُ أسَاليب التَّسليةِ أثناءَ التَّعميدِ، والأعراسِ، والعُطَلِ، والجنازاتِ، واستُمدَّ ذلكَ مِن الإسبان إذ كانَت المُوسِيقى فضلاً عن الرَّقص جزءاً مُهمَّاً في المسرحِ الإسباني، الذي كانَ مَشهُورَاً جدَّاً آنذاك بِسبَبِ الثَّقافَةِ الإسبانيَّةِ المُنتشِرَةِ في العَالَم في الفَترَةِ الاستعماريَّة.

اختلفَ عُلماءُ المُوسيقى والفلكور في سَبَبِ تَسميةِ المارياتشي بِهذَا الاسم، فَهُناكَ نظريَّةٌ تقولُ إنَّها تَعُود إلى كلمة Mariage بالفرنسيَّة أي "زفاف" في عَصرِ إمبراطور المكسيك الفرنسي "ماكسيميليان" في القرن التَّاسع عشر، ونظريَّةٌ أُخرَى تقول إنَّ المارياتشي هو الاسمُ الَّذي يُطلِقُهُ السُّكّان الأصليّون على خشبِ المنصَّةِ الذي يرقصُ عليه المُحتَفِلُون.

استَمَرَّت المارياتشي لِتَكونَ مَصدَرَاً مهمَّاً للتَّرفِيهِ في المكسيك حتّى يومنا هذا، فقد أصبحت إحدى أكثر أنماطِ المُوسيقى تَشويقَاً وسعادةً في العَالَم، تُعزَفُ في اليابان وأوروبا، ويُحتفَلُ بِهَا كلَّ شهرِ أيلول في ولاية "جاليسكو" في المَكَان التي خرَجَت منهُ إلى العَالَم.

مختارات من المارياتشي:

المصادر:

هنا

هنا

هنا