البيولوجيا والتطوّر > الأحياء الدقيقة

اختيار الحمية الغذائية تبعاً لطبيعة الفلورا المعوية

يحتوي الجهاز الهضمي عند الإنسان على أكثر من 1000 نوع مختلف من الجراثيم والعضيات الدقيقة التي تلعب دوراً هاماً في استقلاب المواد الغذائية، وتعرف هذه العضيات مجتمعةً باسم الفلورا المعوية Gut flora، ويختلف تركيب هذه الفلورا بشكل كبير من شخص لآخر، وقد يُعزى ذلك لأسباب عديدة، إلا أن معظمها لا يزال مجهول الآلية حتى يومنا هذا.

تزايد منذ فترة لا بأس بها اهتمام العلماء بتأثير هذه الفلورا على العديد من النواحي، فأُجريت الكثير من الدراسات للتعرف على دورها الدقيق في مساعدة الجسم في استقلاب الأغذية التي نتناولها، كما بينت أبحاث أخرى ارتباط طبيعة الفلورا المعوية بالعديد من الأمراض المختلفة وتأثيرها على نسب الإصابة أو الوقاية من هذه الأمراض، ويُذكر هنا ما وضّحه الدكتور Jens Nielson حول تأكيد العديد من الأبحاث لوجود علاقة بين طبيعة الفلورا والإصابة بالسكري من النوع الثاني وتصلب الشرايين والبدانة على سبيل العدّ لا الحصر، كما أن النتائج تشير إلى احتمال وجود ارتباط مع الإصابة بالاكتئاب والاستجابة لبعض علاجات السرطان.

وسيراً على خطا العلماء السابقين، قامت مجموعة من الباحثين من جامعة Chalmers University of Technology باستطلاع دور هذه الفلورا في تحديد الحمية الأنسب لتخفيض الوزن لدى كل شخص.

ولتحقيق ذلك، قاموا بتطوير طريقة حساب رياضية مكّنتهم من التنبؤ باستجابة مختلف الأشخاص إلى الحمية الغذائية تبعاً لاختلاف تركيب الفلورا المعوية لديهم. وعلى الرغم من أن تأثير الفلورا المعوية على الطعام ما زال يوصف بالمعقّد، إلا أن نتائج هذا البحث الذي نُشر في مجلة Cell Metabolism تعتبر واعدةً في هذا المجال.

في هذه الدراسة قام العلماء في البداية بتحديد طبيعة الفلورا المعوية عند مجموعة من المتطوعين الذين يعانون من البدانة، ثم تمّ وضعهم على حمية غذائية خاصة بتخفيض الوزن، تميزت بأنها منخفضة المحتوى من الطاقة وعالية المحتوى من البروتينات، وطبعاً فإن النتيجة المؤكدة لهذه الحمية هي انخفاض وزن كافة المتطوعين. إلا أن اهتمام العلماء كان منصبّاً على مدى اختلاف الفلورا المعوية بين الأفراد المتطوعين، فوجدوا بنتيجة الفحوصات أن عوامل الخطورة التي تمت دراستها في الدم والبراز قد انخفضت بشكل أكبر لدى الأشخاص الذين كانوا يملكون تنوعاً قليلاً في الفلورا المعوية مقارنةً بالأشخاص الذين كانت الفلورا المعوية لديهم أكثر تنوعاً.

وفي تفسير الاستجابة المختلفة لدى المجموعتين تجاه الحمية المتّبعة، اقترح الباحثون أن التنوع القليل في طبيعة الفلورا المعوية أدى إلى تشكل كميات أقل من الحموض الأمينية بعد تناول الطعام، مما سبب تحسناً في تراكيز بعض المواد الكيميائية في الدم.

ويؤكد الدكتور Jens Nielson أن التأثير قصير الأمد لنتائج هذا البحث سوف يمكّن الأخصائيين من تحديد قابلية إصابة المرضى البدينين بالأمراض القلبية الاستقلابية بسهولة شديدة، ومن شأن ذلك أن يحسّن من وضعهم الصحي ويساعد في اختيار الحمية الغذائية الأنسب لتخفيض الوزن لديهم بطريقة صحية. وعليه، فإنه يمكن أن يتم وضع توصيات غذائية تأخذ طبيعة الفلورا المعوية بعين الاعتبار، حيث يقوم الباحثون حالياً بتصميم دراسات سريرية مناسبة لمتابعة الموضوع.

أما على المدى البعيد، فقد تصبح إضافة أنواع محددة من الجراثيم إلى أمعاء الأشخاص الذين يعانون من اضطراب في الاستقلاب أمراً ممكناً ومطبّقاً بشكل عملي، علماً أن مكملات البروبيوتيك تقوم مبدئياً بمهمة شبيهة لذلك من خلال دورها في تحسين الفلورا المعوية بشكل عام، إلا أن الهدف المستقبلي يكمن في استعمال مكملات جديدة قادرة على إضافة أنواع محددة من الجراثيم إلى الأمعاء بحيث تعمل على وإحداث تغيرات إيجابية، ومرغوبة، وطويلة الأمد في طبيعة الفلورا المعوية.

المصدر: هنا

البحث الأصلي: هنا