البيولوجيا والتطوّر > علم المورثات والوراثة

المثلية الجنسية وراثياً | عرض لثلاثة أبحاث حول العلاقات المحتملة بين المثلية والوراثيات

تثير قضايا السلوك الجنسي جدلاً شديداً في مختلف المجتمعات لما تمسه من طيف واسع من المعتقدات الفرديّة والعادات والتقاليد الجمعيّة؛ وعلى اختلاف الأحكام الّتي تطلقها مختلف الأنظمة الحاكمة دينية كانت أم مدنية، نسعى كغيرنا من المواقع والمصادر العلميّة إلى توخّي الحياد والموضوعية في نقل الأبحاث الّتي تتعلق بهذا الشأن إليكم.

يشير مصطلح المثليّة الجنسيّة إلى انجذاب الفرد وميوله جنسيّاً وعاطفياً إلى فرد آخر من الجنس نفسه؛ مع ملاحظة أن هذا الفرد قد ينجذب بصورة ضئيلة أو معدومة إلى أفراد الجنس الآخر. وسنتطرق في هذا المقال إلى محتوى مجموعة من الأوراق العلمية الّتي بحثت في العلاقة بين المثلة الجنسية وبعض العوامل الوراثية وفوقِ الوراثية*.

فقد أظهرت إحدى الدراسات على التوائم الحقيقية، أنّ وجودَ أخٍ مثلي من التوأم يمنح الآخر احتمالاً بأن يكون مثليا أيضا بنسبة 20 %، ولأن البحث لم ينتهِ باحتمال 100% لميول الأخ التوأم اعتقد الباحثون بأن للعوامل البيئية دوراً في ذلك، وهذا ما دفعهم لدراسة ما يسمى بتأثير "الأخ الأكبر": و الذي يفترض أن كل ابن مثلي في عائلة ما يرفع احتمال أن يكون أخوه الأصغر منه مثلياً بنسبة 33 %، أما عن تفسير هذه النتيجة فما يزال مجهولاً، إلا أنّ إحدى الفرضيات تقول: بأن الجهاز المناعي للأم يتصدى لمستضدات (جزيئات تحرض المناعة) عند الذكور و يغير بالنتيجة من تطور الجنين.

وللتأكد من إمكانية تأثير البيئة بالمورثات، قام الباحث Vilain بدراسة المواقع الفوق وراثية (وهي مواقع من المادة الوراثية DNA، قادرة على إحداث تغيير في عمل المورثة والنمط الظاهري لها، من دون أن تحدث أي تغيير في تسلسل النكليوتيدات والمعلومات التي تحملها المورثة). حيث يمكن لهذه العوامل فوق الوراثية أن تنتقل إلى الأبناء، لكنها قابلة للتغير بتأثير العوامل البيئية كالتدخين، وليس بالضرورة أن تكون مشتركة بين التوائم الحقيقية.

جمع الباحثون عينات الDNA من لعاب 10 توائم حقيقية كلا الأخوين فيها مثلي و37 توأم حقيقي أحد الأخوين فقط فيها مثلي، فكانت النتيجة: وجود 5 مواقع فوق مورثية مشتركة وشائعة بين المثليين، وهذا ما يرجح وجود علاقة بين السلوك الجنسي والوراثة الفوقية، لكن الباحث Vilain يؤكد أن هذه الدراسات ما تزال قاصرة عن إعطاء إثبات علمي كافٍ لعلاقة مباشرة بين المواقع فوق الوراثية والتعرض لعوامل بيئية معينة مما ينتهي بسلوك مثلي.

كما تختلف المواقع الفوق وراثية بين نسج الجسم المختلفة، ويعتقد أن تلك الموجودة في خلايا الدماغ هي على الأرجح ذات الصلة بالسلوك الجنسي للفرد.

أما الإحصائي المختص بالوراثة Tuck Ngun فقد طور خوارزمية تتتبع تكرار المواقع فوق المورثية الخمس للتأكد من أثرها على السلوك الجنسي، لكن هذه الدراسة يجب أن تطبق على الكثير من التوائم في مجتمعات مختلفة حتى يتم التأكد منها؛ إذ إن الارتباطات المكتشفة عبر دراساتٍ صغيرة التعداد غالباً ما تندثر عند اختبارها على نطاقاتٍ أوسع.

وتجدر الإشارة إلى أنّ هذه الخوارزمية استطاعت توقّع الميول المثلية بشكل جيد لحوالي 67% من الرجال في الدراسة. ويذكر أن هذه الدراسة نوقشت في اجتماع الجمعية الأمريكية للوراثيات البشرية سابقاً في الشهر الجاري**.

من جهة أخرى وبحسب رأي باحثين فإن هذا الارتباط الوراثي بالسلوك الجنسي والذي يقدم نظرة ضحلة عن آلية السلوك الجنسي لا يجعلنا نستنبط الكثير من المواقع الفوق وراثية، فقد وجدوا أن إحدى المواقع الخمس اقترن بالجهاز المناعي والثاني بتطور الدماغ والثلاث المتبقية غير مقترنة بأي مورثة.

ومن جانب ثالث، يقول اختصاصي الوراثة والتطور William Rice بأننا لا نعلم بوجود مورثة معينة مسؤولة عن السلوك الجنسي المثلي، و لو كانت موجودة لنالت دراسات مكثفة من خضم الدراسات التي تبحث في الذخيرة الوراثية (الجينوم) لإبراز التباينات التي يشترك فيها المثليين، أبرز هذه الدراسات أجراها باحث الوراثيات Alan Sandres، تناولت هذه الدراسة 409 توأم مثلي منهم توائم حقيقية و منهم توائم كاذبة، و كانت النتيجة بأن هؤلاء المثليين يشتركون بمنطقتين من الجينوم في الصبغي X و الصبغي الثامن، و ما تزال الدراسات قائمة لتحديد أي المواقع من هذين الصبغيين هي المسؤولة عن السلوك الجنسي.

وتستمر دراسات العلماء، للبحث عن فهم أفضل للسلوك المثلي وأصوله الوراثية والتطورية.

*فيديو تعريفي بالوراثة الفوقية: هنا

** الجمعية الأميركية للوراثيات البشرية – الموقع المخصص لاجتماع هذا العام، للمهتمين: هنا

المصادر:

البحث الأصلي: هنا

تعريف المثلية: هنا