الفيزياء والفلك > فيزياء

الأجسام السوداء والمادة المظلمة، ما الفرق بينهما ؟

نعلم جميعاً أن الألوان المرئية الرئيسة هي ثلاثة، الأحمر والأزرق والأخضر، وتتدرج بينها بقية الألوان التي نراها كمزيج من هذه الألوان الثلاثة. ومن بين الألوان التي نراها الأسود والأبيض، ولكن لا يمكن استخدام مصطلح "اللون" مع الأسود والأبيض في الفيزياء، فالأبيض يعني وجود الألوان الثلاثة مجتمعة، ولفهم ذلك جرب أن تضع تلك الألوان على قرص دوار واجعله يدور بسرعة، ستشاهد أن القرص قد أصبح أبيض. ولعل مفهوم الأسود قد أصبح واضحاً أكثر، فالأسود يعني انعدام الألوان الثلاثة الرئيسة. ولكن، لِم لا نعتبر الأبيض والأسود ألواناً؟

إن لكل لونٍ تواتراً * يميزه عن غيره، بمعنى أن إشعاعاً بتواترٍ معينٍ سوف يعطي العين إحساساً برؤية لونٍ واحد. والأبيض كما ذكرنا يعني وجود الألوان الثلاثة معا، وهذا يعني تداخل أنواعٍ مختلفةٍ من الأمواج الضوئية، ولهذا لا يمكن اعتباره لوناُ. أما الأسود فهو حالة انعدام الألوان، بمعنى أننا نرى اللون الأسود حين لا يتواجد أي لون؛ أي لا توجد موجة ضوئية تتحسس لها أعيننا، ولهذا لا يعتبر لوناً.

إذاُ لكل شعاع وحيد اللون تواتر معين وبالتالي طاقةً محددة، تُعرفها العلاقة الكمية الشهيرة E=hf، حيث تعبر E عن طاقة الإشعاع، وتعبر h عن ثابت بلانك الشهير، وتعبر f عن تواتر الإشعاع الضوئي (باعتباره موجة ضوئية منتشرة). تميل كافة الأجسام إلى امتصاص قدرٍ من الطاقة تختلف عن الطاقة الصادرة عنها، فمثلاً إذا سلطت ضوءاً أبيضاً على قطعة قماش خضراء اللون، ستجد أن القطعة قد تلونت باللون الأخضر، أي أنها عكست اللون الأخضر، وهذا سببه أن قطعة القماش قد امتصت جميع ألوان الضوء الأبيض الذي يُعد مُركباً من كافة الألوان، عدا اللون المميز لها، ألا وهو الأخضر. أما عند تسليط الضوء الأبيض على قطعة لونها أسود، فإنها لن تعكس أي لون، لأنها عديمة اللون، بمعنى أنها ستمتص الإشعاع بأكمله، وهذا ما يفسر أن الأجسام سوداء اللون تسخن بسرعة أكبر من غيرها.

إذا عممنا مفاهيم الامتصاص والإصدار لتشمل كامل المجال الكهرطيسي وليس فقط المجال المرئي، فإن مفهومي الأبيض والأسود يخرجان من نطاق الألوان ليصبحا مفهومين فيزيائيين يعبران عن حالة فيزيائية معينة. فالجسم الأسود في الفيزياء (وهو مختلف عن الجسم أسود اللون. تَذكّر أننا أصبحنا نتحدث عن كامل الطيف الكهرطيسي، المرئي وغير المرئي ) هو الجسم الذي يمتص كل الأشعة الساقطة عليه ولا يعكس أياً منها. و يصح العكس لمفهوم الجسم الأبيض في الفيزياء، فهو الجسم الذي يعكس أي شعاع يصطدم به. ويتضح أن هذين المفهومين نظريان وغير موجودين على أرض الواقع إلاّ ببعض التقريبات. وفي حالة توازن الجسم الأسود حراريا مع الوسط فلا يقوم بإصدار أي طاقة.

وقد وضع العالم ماكس بلانك "Max Planck" ما يسمى بقانون "إشعاع الجسم الأسود" أو "BlackBody Radiation"، وأظهر هذا القانون أن الطاقة تَصدر وتُمتص على شكل كمات منفصلة من الطاقة، معلناً ظهور نظرية الكم، لتتطور على يد علماء لاحقين أمثال بور و شرودنغر و هايزنبرغ وغيرهم إلى فرع كامل من الفيزياء يدعى ميكانيك الكم.

إذاً بشكل عام ليس كل ما هو أسود اللون يمكن اعتباره جسماً أسود فيزيائيا، فكما ذكرنا مسبقاً، تُعتبر الأجسام السوداء ممتصات ومصدرات مثالية. للتوضيح أكثر، نفترض أن لدينا جسماً مصنوعاً من التنغستين. تبين التجارب أنه عند تسخين التنغستين إلى الدرجة 2177 سيلزيوس، فإن التنغستين يبدأ بإصدار طاقة تعادل 500 واط لكل متر مربع من مساحة سطحه، وهذا ما يُعرف باسم الإثارة الإشعاعية، وعند الدرجة 2477 سيلزيوس، يقوم بامتصاص ما يقارب 25% من الطاقة المقدمة له، و هذا ما يدعى الامتصاصية، لذا لا يمكننا اعتبار التنغستين جسماً أسود، لأنه لا يصدر كامل الطاقة التي امتصها.

ولنأخذ مثالاً آخر عن جسم أسود اللون وهو في الوقت ذاته جسمٌ أسود فيزيائي، ألا وهو البلاتين الأسود، فهو ممتص ومصدر مثالي، أي أنه يمتص كل ما يقدّم إليه من طاقة، ثم يقوم بإصدار كامل هذه الطاقة.

نعلم ماهية الأجسام السوداء، فما الفرق بينها وبين المادة المظلمة "Dark Matter"؟

إن الفرق بين الجسم الأسود والمادة المظلمة هو فرق شاسع، فالمادة المظلمة وضعت كفرضية في نظرية التوسع الكوني، ولكن لم يكشف العلم حتى يومنا هذا عن ماهيتها، وهي تُشكّل كما تُبين الحسابات نحو 27% من كوننا المرئي، فالمادة المظلمة ليست بشيء يمكننا رؤيته حقاً، فهي ليست نجماً أو كوكباً يشع بالأشعة غير المرئية، ولا مادةً مضادةً، أو سحابات من الباريونات "Baryons"، ولا ثقباً أسود، لأنها لا تتصرف بالطريقة التي تتصرف بها المواد المضادة أو الثقوب السوداء أو السحب الباريونية، إلاّ أن احتمال أن تكون سُحباً باريونيةً يكون مقبولاً في حالات خاصة.

* التواتر: هو مقدار فيزيائي يميز الاهتزازات عن بعضها، ومن ضمنها الاهتزازات الضوئية. وهو عدد الاهتزازات المنجزة في الثانية الواحدة. بالنسبة للاهتزازات الضوئية فهي اهتزازات طاقة وليست اهتزازات مادية.

للتعرف أكثر على المادة المظلمة: هنا

المصادر:

أسس انتقال الحرارة، الاستاذ الدكتور قدري أحمد فتحي/ الأستاذ الدكتور ابراهيم شفيع طه/ الأستاذ الدكتور سمير السيد علي/ الدكتور عادل محمد خليفة، منشورات جامعة الملك عبد العزيز.

Heat And Thermodynamics، Ph.D Richard Dettman\ Ph.D Mark Zemansky

هنا

هنا

هنا

هنا