الطبيعة والعلوم البيئية > علم البيئة

البكتريا؛ سلاحنا الأخير ربما، ضد التغير المناخي!

حذرتِ الأمم المتحدة مؤخراً من نقصٍ عالميٍ في المياه قد يصل إلى 40% بحلولِ العام 2030 ما لم يخفّض البشر استهلاكهم الكبير لها وخاصّةً في الزراعة التي تستهلكُ 70% من مياه العالم العذبة ما يوجب علينا تغييرَ أساليبنا الزراعية للهربِ من ندرة المياه خاصةً وأن هذه الأزمةَ تحمل طابعاً عالمياً وتمتد على مناطقَ واسعةٍ من كوكبنا وليست كينيا وأواسط كاليفورنيا إلا مثالاً على ذلك.

يكمن الحلّ الواعد الذي عادةً ما يتم تجاهله في ملياراتِ البكتريا القابعة في التربة قربَ جذور النباتات والتي تنتشرُ عالمياً في كل مكان. يحفِرُ العلماءُ التربة في القارات الخمسِ بحثاً عن البكتريا النافعة حول جذورِ محاصيلَ عدّةٍ كالذّرة والقطن والبندورة والفليفلة، فالجذور تفرزُ عادةً سوائلَ غنيةً بالكربون تتغذى عليها الميكروبات كما تفرز أيضاً مواد مختلفةً تتعلق بما تتعرض له هذه النباتات من إجهاداتٍ وأمراضٍ تستشعرها بكتريا التربة لتُنَشِّط في النبات دفاعاتٍ معقدة. مثلاً؛ يساهم تطبيق البكتريا النافعة على بذور الأرُزّ في تعزيزِ النبات فيما بعد ضدَّ اليرقة المسببةِ لالتفاف أوراقِ الأرُز كما تعزز بكتريا أخرى توفر الفوسفور والمغذيات الأخرى للنبات وتزيد بكتريا ثالثة إنتاجَ محصول الكسافا Cassava لـ 20% (الكسافا أو البــَـفـْـرة هو محصول ذو درناتٍ شبيهةٍ بالبطاطا). تنتمي العديدُ من السُّلالات البكتيرية إلى ما يسمّى البكتريا المعززة للنمو Plant Growth Promoting Rhizosphere Bacteria أو PGRP والتي تضمُّ أجناساً مثل Actinobacteria وBacillus اللتين وُجِدتا متعايشتين مع جذورِ الفليفلة وساهمتا في قدرة هذا المحصول على العيش في ظروفٍ جافةٍ لا يَقوى على تحمُّلها عادةً. كذلك كان الأمر مع بكتريا Pseudomonas syringae التي تَحُدُ من فَقد البندورة للماء بالنتح والأمثلةُ كثيرة.

استطاعت نباتاتٌ كالذُرة والبندورة المعاملةِ بالبكتريا تشكيلَ جذورٍ أكبرَ بـ 3 أضعاف من تلك التي لم تعامل كما انتصبت بثباتٍ بعد تعطيشها لـ 5 أيام في حين ذَبُلَت تلك التي لم تعامل وذَوَتْ بسرعة. تشير الدراساتُ في الآونة الأخيرة إلى دور البكتريا في حماية المحاصيل من الجفاف وفي تحسين نموّها وقدرتها على امتصاص العناصر الغذائيّة وتحمُّلها لدرجاتِ الحرارة المرتفعة والمنخفضة لكنّ مشكلة الإجهادِ المائيِّ تتربّع على رأس المشاكل التي تواجهها محاصيلنا الغذائية وهنا يمكن تفسير دور البكتريا بقدرتها على حثِّ النبات على إغلاق مساماتِ أوراقهِ سريعاً لتقليلِ المفقود بالنتح ناهيكَ عن دورِ ذلك في منع البكتريا الممرضةِ للنباتِ من الدّخول عبر المسام أثناء ضعفِ النبات لوجوده تحت ظروفٍ إجهادية.

بناءً على ذلك كلِّه، تتسابق الشركاتُ الناشطة في مجالات علومِ المحاصيل لاستكشاف بكتريا يمكن استخدامها تجارياً ولو أنّ الأبحاث رغم كثرتها في هذا المجال لاتزال تخطو خطواتها الأولى.

ويكافح المزارعون اليوم وفي مقدمتهم صغار الفلاحين ذوي الحيازات المحدودة لمواجهة تحدّيات تغير المناخ وسيحصل هؤلاء على فرصٍ جمّةٍ فيما لو أتيح لهم تطبيق تقنياتٍ زراعيةٍ "ذكيةٍ مناخياً" إن جاز التعبير بشكلٍ يحافظُ على المياه والتربة على نحوٍ مستدام.

إن استخدام ميكروبات التربة جزءٌ هامٌ في التغييرات المعقدةِ والمتشابكة اللازمة لضمان استدامة الموارد الطبيعية وإنتاجيةِ النظمِ الغذائية، وقد يصبحُ استخدام الميكروبات وسيلةً مبتكرةً وأساسيةً في علوم النبات المعاصرة ووسيلةً لمواجهة تحديات تغير المناخ وتحقيق الأمن الغذائي العالمي.

المصادر:

هنا

Marasco R., Rolli E., Ettoumi B., Vigani G., Mapelli F., Borin S., Abou-Hadid A. F., El-Behairy U. A., Sorlini C., Cherif A., Zocchi G. and Daffonchio D. (2012). A Drought Resistance-Promoting Microbiome Is Selected by Root System under Desert Farming. PLoS ONE, 7(10): e48479. هنا. هنا

Kumar A. S., Lakshmanan V., Caplan J. L., Powell D., Czymmek K. J., Levia D. F. and Bais H. P. (2012). Rhizobacteria Bacillus subtilis restricts foliar pathogen entry through stomata. The Plant Journal, 72(4): 694-706. هنا هنا