علم النفس > المنوعات وعلم النفس الحديث

لماذا نصاب بالاكتئاب؟ المورثات قيد التحقيق

اكتشف العلماء اثنَين من المتغيرات الجينية (الوراثية) تجعل الإنسان أكثر عُرضة للإصابة بالاضطراب الاكتئابي Major depressive disorder (MDD) وهو أحد أكثر الاضطرابات النفسية شيوعاً في جميع أنحاء العالم. وقد شملت الدراسة 5303 امرأة من الأصول الصينية.

هذه الدراسة تُعطي أملاً بتوجيه الباحثين إلى الاتجاه الأفضل في تشخيص وعلاج اضطرابات الاكتئاب في المستقبل، وتؤكد على أنَّ الاكتئاب هو مرض حقيقي وليس مجرد حالة نفسية، كما يمكن أن يكون الإنسان مُعرَّضاً له من الصغر.

يقول الدكتور Kenneth Kendler، أحد الباحثين في هذه الدراسة وهو طبيب نفسي وعالم وراثة بشرية في أمريكا: "إننا الآن أمام تجربة يمكن أن توضح لنا الماهية البيولوجية الأساسية للاكتئاب، مما يفتح لنا آفاقاً جديدة للعلاج الذي مازال حتى يومنا هذا ضرباً من المستحيل".

لهذا الاكتشاف أهمية كبيرة؛ ليس فقط لأنَّه يُغيِّر فهمنا العام للاكتئاب، بل لأنَّ الخبراء في هذا المجال لم يكونوا واثقين من تدخل الجينات في حدوث الاكتئاب بعد، ولم يتأكدو مسبقاً من وجود أي متغيرات وراثية ذات صلة بحدوث الاكتئاب. وفقاً لمجلة Nature، فقد أجريت سابقاً دراسة على 9000 مصاب بالاكتئاب للتعرف على آليته لكن الدراسة لم تُثمر شيئاً، إضافة لتحليل منفصل شمل 17000 شخص.

ولكننا اليوم على ثقة تامة بوجود هذه الجينات (المورثات)، وذلك على الأقل في النساء الصينيات اللاتي تم اختيارهنّ للتقليل من التباين الحاصل بالنتائج. شملت الدراسة 5303 امرأة صينية مصابة بالاكتئاب بالإضافة إلى5337 شخص طبيعي. وتبيّن من خلال الدراسة الجينية للمجموعتين أنّ المصابات بالاكتئاب يحملن متغيرين وراثيَّين على الصبغي رقم 10، حيث يقع المتغير الأول على قطعة من الحمض النووي DNA والذي يقوم بترميز أنزيم معين لا زالت وظيفته غير معروفة تماماً، بينما يقع الآخر بمحاذاة المورثة SIRT1 والذي يلعب دوراً في وظيفة وآلية عمل الميتوكوندريا (المُتقدرات أو مصانع الطاقة في الخلية). مما يشير ربما لتأثير هذا المتغير على فعالية الميتوكوندريا، ويفسر على حد قول فريق الدراسة حالة الإرهاق والتثبيط التي يعاني منها مريض الاكتئاب.

هذا وقد تم إعادة البحث مرة اخرى على 3000 امرأة صينية أخرى، إضافة ل3000 متطوع طبيعي ووجد الباحثون المُتغيِّرَين ذاتهما لدى المصابات بالاكتئاب مما يؤكد نتائج الدراسة الأولى.

لكن ما يثير الاستغراب أنه عندما أجرى الباحثون هذا التحليل الجيني (الوراثي) على مجموعة كبيرة من الأوروبيين المصابين بالاكتئاب الشديد، لم يجدوا ارتباطاً بين المرض والمُتغيِّرَين الوراثيّيَن آنفي الذكر، ويفسر أحد الباحثين المسؤولين عن الدراسة هذه النتائج بأنَّ القسم الحامل من الجينوم (الذخيرة الوراثية) لهذين المتغيرين عند الأشخاص الذين من أصول شرق آسيوية تختلف بشكل ملحوظ عن نظيرتها لدى الأوروبيين.

رغم الجدل الواسع القائم بين العلماء حول هذا الاكتشاف، إلا أنَّ الباحثين ما زالوا يأملون بأنه لدى توسيع هذه الدراسة لتشمل مجموعات ضخمة ومتنوعة من المصابين بالاكتئاب من كافة أنحاء العالم، فإنَّنا سنتمكن من اكتشاف مزيد من الارتباطات الجينية والتي نعلم بوجودها، وعندما يتم تحديدها سيصبح بالإمكان ربطها بالبروتينات المعطلة الناتجة عنها وبالتالي استهدافها مباشرة لعلاج المرض.

جميع أدوية الاكتئاب المنتشرة في يومنا هذا مبنية على فرضيات عمرها 50 عام، ومن خلال اكتشاف الرابط بين تطور الاكتئاب ومورثاتٍ معينة، يمكن للدراسات الوراثية الكشف عن طرق حيوية جديدة لخيارات علاجية أكثر دقة وفعالية في علاج الاكتئاب.

المصادر:

هنا