الطب > السرطان

سرطان الثدي من الألف إلى الياء (الجزء الأول)

حقائق عن سرطان الثدي، أعراضه وتشخيصه والأسباب المحتمَلة..

يتكون نسيجُ الثديِ عند الأنثى البالغة من: الشحم والنسيج الضام والآلاف من الفصيصات، التي هي عبارة عن غدد صغيرة تنتج الحليب. كما يحتوي الثديُ ملياراتِ الخلايا التي تنقسم لفترة معينة ثم تموت لتُستبدَل بخلايا جديدة، وما يحدث في السرطان هو أن هذه الخلايا تخرج عن منظومة الموت الخلوي المُبرمَج، لتنقسم بشكل عشوائي غيرِ مضبوط وهكذا تتشكل كتلة الورم السرطاني.

هناك نوعان من السرطانات بشكل عام:

السرطانات الغازية والسرطانات غير الغازية، يُصنَّف السرطان على أنه غازٍ invasive عندما يتجاوز الورم حدود الفص أو المنطقة المصابة (وبشكل أدق عندما يتجاوز الغشاء القاعدي Basal membrane الذي ترتكز عليه الخلايا) وينتشر خارجها عبر الدم أو اللمف معطياً النقائل السرطانية إلى مختلف أعضاء الجسم كالعظام والكبد والرئتين والدماغ.

ويكون السرطان غيرَ غازٍ noninvasive عندما يبقى محصوراً في المكان الذي تكوّن فيه (دون أن يتجاوز الغشاء القاعدي).

يبدأ سرطان الثدي عادةً من الطبقة الداخلية المُبطِّنة لأقنية الحليب، ويسمى عندها بالسرطان القنيوي (ductal carcinoma) وهو الأشيع، أو من الفُصَيْصات التي تملأ القنياتِ بالحليب ويُدعى بالسرطان الفصيصي ( lobular carcinoma) وهو أقل شيوعاً من القنيوي.

سرطان الثدي أشيعُ عند النساء بنسبة أكبرَ بكثير من الرجال، فهو السرطان الغازيُ الأولُ الأكثرُ شيوعاً عند السيدات حول العالم، يحتل نسبة 16% من كل السرطانات التي تصيب الإناث، ونسبة 22،9 % من السرطانات الغازية عندهن.

إن معدلات سرطان الثدي في الدول المتقدمة أعلى من الدول النامية، ولذلك أسبابٌ عديدة منها كون السيدات في الدول الغنية يعشنَ لفترة أطول، لذلك يزداد خطر إصابتهن بسرطان الثدي، حيث تزداد خطورته كلما تقدمت الأنثى بالعمر، كما أن الاختلافات في نمط الحياة وعادات الغذاء عندهن تؤثر في ذلك أيضاً.

تبعاً لمعهد السرطان الدولي في الولايات المتحدة فإنّ حوالي 232 ألف امرأة و 2240 ذكراً يصابون بسرطان الثدي سنوياً في أميركا، وما يزيد عن 39 ألفاً يكون مصيرهم الوفاة.

سنتحدث أولاً عن الأعراض التي تكون إشارةً حمراءَ يجب التوقف عندها ومراجعة الطبيب فوراً عند ظهور أحدها:

1. أولُ أعراض سرطان الثدي عادة يكون منطقةً من النسيج السميك في ثدي المرأة أو ضخامة في العقد اللمفية.

2. أي ألم في الإبط أو الثدي خارج أوقات الدورة الشهرية (فالألم أو الاحتقان خلال الدورة يعتبر طبيعياً).

3. انكماشٌ واحمرارٌ في جلد الثدي تماماً كشكل قشر البرتقالة.

4. طفح حول الحلمة أو عليها.

5. تورمٌ في إحدى الحفرتين الإبطيتين.

6. منطقة قاسية أو كتلة في الثدي.

7. خروج مفرزات من الحلمة، وقد يخرج دمٌ أحياناً.

8. تغير مظهر حلمة الثدي حيث قد تبدو غائرة.

9. تغير في حجم أو شكل الثدي، إذ يجب أن تكون السيدة معتادة على شكل ثدييها وفحصهما باستمرار أمام المرآة، عندها ستلاحظ مباشرة أي تغير فيه.

10. شحوب أو تقشر في جلد الثدي أو جلد الحلمة.

ماهي الأسباب المحتمَلة وراء الإصابة بهذا السرطان؟

لا تزال الأسبابُ الرئيسية غيرَ معروفة بدقة.

ولكن هناك ما يمكن تسميته بعواملَ خطورةٍ Risk Factors للإصابة به، وتشمل:

1. التقدم في العمر: كلما تقدمت المرأة في العمر زاد احتمال إصابتها، فأكثر من 80% من الحالات تحدث فوق عمر الـ50 سنة (بعد سن الإياس).

2. الجينات أو المورثات: النساء اللواتي لديهن قريبة مصابة بسرطان المبيض أكثرُ عرضة للإصابة بسرطان الثدي، ولكن الوراثة غير مُتهَمة بشكل رئيسي في هذا المرض، فهو بطبيعة الأحوال شائع وغالبية الحالات كانت غير موروثة (أي فرادية Sporadic).

إلا أن النساء اللائي يمتلكن طفراتٍ في مورثات (BRCA1) و (BRCA2) وهي مورثات كابحة للورم، لديهن خطر أعلى للإصابة بسرطان الثدي أو المبيض، وهذه المورثات الطافرة يمكن أن تُورَّث، كما أن الطفرات التي تصيب مورثة TP53 (وهي مورثة تقوم بإنتاج بروتين P53 وهو بروتين كابح للورم) ومورثات أخرى قد تكون متورِّطة.

3. وجود سوابق سرطان ثدي عند السيدة: المرأة المصابة بسرطان الثدي (حتى السرطان غير الغازي) أكثرُ عرضةً للنكس مرة أخرى من إصابة السيدات غير المصابات به سابقاً.

4. كثافة نسيج الثدي: النساء الممتلِكات لنسيجِ ثديٍ كثيفٍ أيضاً معرضات للإصابة به بشكل أكبر.

5. التعرض لهرمون الإستروجين: النساء اللاتي بدأت عندهن الدورة الطمثية بشكل مبكر أو اللاتي تأخر سن الضهي لديهن يكون الخطر عندهن أكبر عادة ، وذلك بسبب تعرض أجسادهن لهرمون الأستروجين لفترات طويلة، ومن الحالات الأخرى التي يزداد فيها التعرض للإستروجين: عدم الإنجاب، تأخر الحمل الأول بعد سن الثلاثين، العلاج الهرموني المعيض بعد سن الإياس.

6. البدانة: البدانة المكتسَبة بعد سن الضهي والنساء زائدات الوزن معرَّضات بشكل أكبر للإصابة، وذلك بسبب المستويات العالية من الأستروجين عند السيدات البدينات.

7. الطول: النساء الطويلات فوق المعدل الطبيعي لديهن خطر أعلى من السيدات القصيرات، ولا يدري العلماء السبب وراء ذلك!!

8. فرط استهلاك الكحول: تُعتبر كثرة شرب الكحول عامل خطورة، وحسب الـ Myoclinic في حال رغبت السيدات بالشرب، فلا يجب أن تتجاوز الكمية كوباً واحداً في اليوم.

9. العلاج بالمعيضات الهرمونية HRT: بكلا نوعيه، العلاج بالأستروجين فقط والعلاج المشترك.

10. بعض المهن: بينت أبحاث فرنسية أن السيدات اللاتي يعملن في فترة الليل قبل حملهن الأول قد يكنّ معرضات للإصابة.

كما وجدت أبحاثٌ كندية أن العمل في مهن معينة، وخاصة تلك التي تتعرض فيها العاملات لموادَّ مسرطنةٍ، مرتبطٌ بخطر إصابة أعلى أيضاً، مثل: الملاهي الليلية، صناعة البلاستيك، تعليب الطعام، الصناعات المعدنية والزراعة.

11. التعرض للإشعاعات: التعرض المستمر وبكميات كبيرة للأشعة السينية والتصوير الطبقي المحوري يمكن أن يزيد خطر الإصابة قليلاً، حيث وجد العلماء ازديادَ خطرِ الإصابة لدى السيدات اللاتي خضعن لعلاج شعاعي في منطقة الصدر في مرحلة الطفولة.

تشخيص سرطان الثدي:

يتم تشخيص النساء عادةً بعد مسح روتيني لسرطان الثدي، أو بعد كشف أعراض وعلامات محددة ومعاينتهن من قبل الطبيب .

إذا كشفتِ المرأة أياً من علامات أو أعراض سرطان الثدي المذكورة سابقاً، وجب عليها إخبار طبيبها فوراً. سيقوم الطبيب - الذي غالباً ما يكون طبيب رعاية أولية (طبيباً عاماً) - في البداية بإجراء فحص سريري، ومن ثم يحوّل المريضةَ إلى اختصاصيٍّ في حال الحاجة إلى مزيد من التقييم.

فيما يلي أمثلةٌ عن اختبارات وإجراءات مشخّصة لسرطان الثدي:

1. فحص الثدي: يقوم الطبيب بفحص كلٍّ من ثديي المريضة باحثاً عن كتل وشذوذات أخرى محتملة كَـ ( غؤور حلمة، مفرزات من الحلمة، أو تغيرٍ في شكل الثدي)، حيث يُطلب من المريضة أن تجلس أو تقف وذراعاها أعلى رأسها أو على خاصرتيها.

2. الأشعة السينية (الماموغرام): يُستخدم بشكل شائع في المسح عن سرطان الثدي. إذا وُجد شيء غير اعتيادي قد يقوم عندها الطبيب بطلب ماموغرام مشخِّص .

لم يتمكن الخبراء والهيئات المهنية من الاتفاق حالياً على وقت البدء بإجراء تصوير الماموغرام، وكم مرة يجب أن يُجرى. يقول البعض أنه يجب البدء بالمسح الروتيني عندما تصبح المرأة في الـ 40 من العمر، بينما يصر آخرون على أن الـ 50 هو العمر الأفضل، ويعتقد البعض أن المجموعات عالية الخطورة فقط هم من يجب أن يجروا المسح الروتيني .

في تموز 2012 قالت الجمعية الطبية الأميركية أنه يجب أن تكون النساءُ مؤهلاتٍ للمسح بالماموغرام بدءاً من عمر الـ40، كما ينبغي أن يغطيه التأمين.

في تقرير خاص في مجلة The Lancet عدد 30 تشرين الأول 2012 شرح مجموعة من الاختصاصيين أن المسح عن سرطان الثدي يقلل من خطر الوفاة، لكنهم أضافوا أنه مع ذلك ينتج حالات أخرى من النتائج الإيجابية الكاذبة، حيث تخضع النساء في نهاية المطاف لخزعات لا لزوم لها واستئصال جراحي لأورام غيرِ مؤذية.

وجد الباحثون في دراسة أخرى أُجرِيت من قبل علماء في معهد دارتموث The Dartmouth للسياسة الصحية والممارسة السريرية في لبنان بولاية نيوهامبشر ونُشرت في مجلة نيو إنغلند للطب (عدد تشرين الثاني 2012) أن فحوصات الماموغرام لم تنقص معدلات الوفيات بسرطان الثدي!!

3. ماموغرام ثنائي الأبعاد مدمج مع ثلاثي الأبعاد: تُستخدم صور ماموغرام ثلاثية الأبعاد مع صور ماموغرام ثنائية الأبعاد بشكل نظاميّ، حيث تم إيجاد هذه التقنية للتقليل من الحصولِ على نتائجَ إيجابيةٍ كاذبة، وقام باحثون من كلية الصحة العامة في جامعة سيدني بأستراليا بنشر تقريرهم في مجلة The Lancet Oncology

قام الباحثون بفحص 7292 أنثى بالغة متوسطُ أعمارهن 58 سنة. تم فحصهم الأولي بواسطة الماموغرام ثنائي الأبعاد، ثم خضعن لفحص بواسطة ماموغرام ثنائي الأبعاد مدمج مع ثلاثي الأبعاد .

وجد البروفسور Nehmat Houssami وفريقه 59 سرطاناً في 57 مريضة. 66% من السرطانات تم كشفها في كلا الفحصين ثنائي الأبعاد والمدمج ولكن 33% منها تم كشفها بواسطة الفحص المدمج فقط.

وجد الفريق أيضاً أن الفحص المدمج ارتبط بعدد أقلَّ بكثير من النتائج الإيجابية الكاذبة، حيث وُجِد باستخدام الفحص ثنائي الأبعاد 141 نتيجةً إيجابيةً كاذبةً مقارنة بـ 73 نتيجة باستخدام الفحص المدمج.

قال البروفسور Houssami "إن الفحص بالماموغرام - وعلى الرغم من إثارته للجدل - هو الاستراتيجية الوحيدة في الكشف المبكر على المستوى الشعبي التي تم استعراضها للتقليل من الوفيات بسرطان الثدي في التجارب العشوائية، وينبغي بذل الجهود لتحري الأساليب التي تعزز جودة التصوير الإشعاعي للثدي، وبالتالي فائدته المحتملة بغض النظر عن أي جانب من الجدال حول الفحص بالماموغرام قد يدعمه الشخص.

لقد أثبتنا أن فحصَ الماموغرام المدمج 2D/3D في المسح الشعبي عن سرطان الثدي قد زاد الكشفَ عنه ويمكنه أن يخفض النتائج الإيجابية الكاذبة اعتماداً على recall strategy. إن نتائجنا لا تستدعي تغييراً فورياً في ممارسات فحص الثدي، بل على العكس فإنها تظهر الحاجة الملحة للنتائج العشوائية المضبوطة للفحص المدمج 2D/3D في مواجهة ثنائي الأبعاد .

4. فحص الثدي بالأمواج فوق الصوتية: قد يساعد هذا النوعُ من الفحص الأطباءَ في تقرير ما إذا كانت الكتل أو الشذوذات هي كتلٌ صلبة أو كيساتٌ مملوءةٌ بالسائل.

5. الخزعة: هي عينةٌ نسيجيةٌ من شذوذ ظاهر ككتلة مثلاً، يتم استئصالها جراحياً وإرسالها إلى المخبر للتحليل. إذا كانت الخلايا سرطانيةً فإن المخبر سيحدد أيضاً نوعَ سرطان الثدي ودرجتَه (عدوانيته). وقد وجد العلماء في الجامعة التقنية في ميونخ أنه يجب أخذ الخزعات من مواقع الأورام المتعددة لوضع تشخيص دقيق.

6. فحص الثدي بالرنين المغناطيسي مع حقن مادة ظليلة: يساعد هذا النوعُ من الفحصِ الأطباءَ في تحديد انتشار وامتداد السرطان، ووجد باحثون من جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو أن الرنين المغناطيسي يوفر مؤشراً مفيداً في استجابة سرطان الثدي للعلاج الكيميائي السابق للجراحة في وقت أبكرَ بكثيرٍ مما هو ممكن عن طريق الفحص السريري.

المصدر:

هنا

حقوق الصورة:

مبادرة "الباحثون السوريون"

(المصمم كنان المصري)