كتاب > الكتب الأدبية والفكرية

كتاب "فلسفة العلم".. العلم الحديث ليس إلا تمازج العلوم

يبحر بنا فيليب فرانك بين صفحات كتابه الرصين طارحاً السؤال التالي: ما الفائدة من فلسفة العلم ؟.

يستعرض آراء أعظم مبدعي العلوم في القرن العشرين كآينشتاين مثلاً، ويعرض علينا تأكديهم على وجود رابطة وثيقة حتمية بين العلم والفلسفة. يقول أن التغيرات الأساسية في العلم كانت دائماً مقترنةً بمزيد من التعمق في الأسس الفلسفية، كما ويسلط الضوء على الهوة بين التقدم العلمي والفشل في تفهم المشاكل الإنسانية، والتي تُعتبر من أهم المشكلات والتي لم يُوجد لها حل بعد. ومن أجل ألّا يقتصر فهمنا على العلوم نفسها فحسب، بل أن يمتد إلى فهم موضع العلم في حضارتنا وعلاقته بالأدب والسياسة والدّين فإننا نحتاج إلى نظامٍ متماسكٍ من الأفكار والنظريات، تستطيع العلوم الطبيعية وكذلك الفلسفة والإنسانيات أن تجد مكاناً لها في هذا النظام وهذا النظام هو فلسفة العلم. صُنف الكتاب من أحد الكتب المهمة والفريدة في تناول هذا الموضوع الحسّاس، والذي كان لفيليب فرانك الجرأة في تناوله مع التشابك المعقد فيه. تطرّق فيه إلى نظرية الكم والنظرية النسبية والحتمية والسببية، كما قد وأشار إلى نيوتن وباسكال وآينشتاين وغيرهم، كل ذلك بحرفية بالغة وسردِ متقن.

فلسفة العلم كتاب يؤكد على التمازج بين العلوم التطيبقية العملية والعلوم النظرية. ويؤكد الكتاب كذلك على الصلة بينهما، فالعلاقة بينهما تبادلية وليست تناحرية كما يتبادر لنا. وفي مطلعه يقول الكاتب فيليب فرانك أن كلما زاد تعمقنا في العلوم الحقيقية، زادت الصلة بين العلم والفلسفة. فيعتبر فرانك أنّ فلسفة العلم هي الحلقة المفقودة التي يجب أن نبحث عنها.

يشير فرانك إلى الصدع العميق بين العلوم والإنسانيات، ويستشهد بقوله أنّ من ينظر إلى التاريخ في العصور القديمة والوسطى، يرى أن العلم والفلسفة كانا جزءاً من سلسلة فكرية واحدة، ولم يكن أحدهما يتمايز عن الآخر. يُشبه ذلك بقوله: "كان أحد طرفي السلسلة يمس سطح الأرض والطرف الآخر يرتبط بالمبادئ والقواعد الجلية"، ويضيف قائلاً بأن العلماء يعتقدون في كثير من الأحيان أن الفلاسفة هم مجرد متحدّثين وما يقولونه ليس إلا الهراء، أما الفيلسوف يرى العالِم رجلًا ضيق الأفق محدود المدارك في مجال صغير جدًا بينما الكون بأجمعه هو مجال اهتمام الفيلسوف، وإنّ الصحيح أن الفلسفة والعلم ما هما إلا طرفان لسلسلة واحدة.

ثم يأتي هوايتهد -وهو أعظم فلاسفة القرن العشرين- ليقول أنّ التعاون كان ضئيلًا بين الفلسفة والعلم سابقًا، وأن ّ العلم الحديث قد وُلد عندما بدأ مثل هذا التعاون. وأن وجود شخص يجمع بين الحقائق والأفكار يخلق الإبداع في المجتمع. العلم الجديد تألّف من رابطة من الأفكار العامة والاستنتاجات المنطقية والفحص التجريبي، والعلم ليس جمع حقائق، فلا يكون لدينا علم إلا إذا وضعنا مبادئ نستطيع استنباط منها ما يحدث مستقبلًا. يضيف الكتاب متحدثًا عن العلاقة الوثيقة بين الهندسة والفلسفة تاريخيًا، فيشير إلى أفلاطون الذي لم يكن يسمح بقبول أي طالبٍ في أكاديميته مالم يتلقَ تدريباً في الهندسة. وقد شرح رينيه ديكارت الدور الذي تعمل به الهندسة كمرشد للفلسفة في مؤلفه (Discourse on Methode ). باسكال كذلك، وكانط الذي ذهب أبعد ممن سبقوه وقال بإمكانية تأسيس فلسفة في الميتافيزيقية.

ومنذ أن أتت النظرية النسبية، حتى أصبحت مهيأةً لأن تصبح مثلًا للتفسيرات الفلسفية أو الميتافيزيقية للعلم. من هنا يمكن فهم المضامين الفلسفية للنسبية. تمت المحاولة بعدها لإيجاد تفسيرات ميتافيزيقية للكون الذري واكتشاف العنصر الروحي في الفيزياء الذرية. فقد فُسرت النظرية النسبية على أنها دعم للإيمان والقضاء والقدر، أي مذهب الحتمية. كما اعتبرت نظرية الكم دعما لمذهب الإرادة الحرة. لم يحدث قط أن اقتصر العلم اقتصارًا تامًا على التكنولوجيا النظرية النهائية إذ يجب أن تتفق اتفاقًا مناسبًا مع الوقائع المرئية. والنظرة العلمية هي أداة تخدم غرضًا محدداً يجب أن تساعد على التنبؤ بالوقائع المرئية المستقبلية على أساس الوقائع التي شوهدت في الماضي والحاضر، كما يجب أن تساعد في توفير الوقت والجهد.

وهناك غرضان مفترضان أساسيان للنظريات:

- الاستخدام في بناء الأجهزة والتدابير (أغراض التكنولوجيا).

- الاستخدام في التوجيه المباشر للسلوك البشري.

والقبول الفعلي للنظريات دائماً هو تسوية بين القيمة التكنولوجية والاجتماعية للنظرية وخدمة العلم من خلال تفسيراته الميتافيزيقية للسلوك البشري واعتباره موجهًا له فيما يسمى بالهندسة الإنسانية. فلسفة العلم تؤدي في النهاية إلى البحث في ذرائعية العلم التي تتخيل نظامًا يشمل العلوم الفيزيائية والبيولوجية كما يشمل علوم السلوك البشري على حد سواء.

ويحث فرانك في كتابه فلسفة العلم على أن يهتم رجل العلم في عالم اليوم بأفكار العلوم أكثر من أن يكتفي بالحقائق و يؤكد على أهمية التحقق من أن العلم ليس إلا جزءا من المجال العريض للسعي البشري، ويقدم الحلقة المفقودة بين العلوم والإنسانيات. وقد تتبع تاريخ العلوم منذ أرسطو حتى اينشتاين لكي يظهر كيف كانت الفلسفة أبدًا جزءا من العملية العلمية.

معلومات الكتاب:

اسم الكتاب: فلسفة العلم

القطع المتوسط

440 صفحة

الكاتب: فيليب فرانك

ترجمة د.علي علي ناصيف

دار النشر : المؤسسة العربية للدراسات والنشر – بيروت