الطب > موسوعة الأمراض الشائعة

الحمى الرثوية Rheumatic fever

هل سمعت يوماً بأنّ طفلاً أجرى عمليّةً جراحيةً لأحد صمّامات قلبه بعد إصابته بحمّى والتهاب حلق أو لوز حنكية؟؟

نعم إنّها الحمّى الرثوية.. فلنتعرّف أكثر على هذا المرض وعلاقته بالاضطرابات القلبية في مقالنا هذا:

الحمّى الرثويةُ مرضٌ شائعٌ بين الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و15 سنةً وخاصّةً في البلدانِ الناميةِ، فقد كانت السببَ الرئيسَ في موت الكثيرِ من الأطفال حتى عام 1960، ولا تقتصر الإصابةُ بالحمّى الرثويةِ على الأطفال في هذه المرحلة العمريّة فقد تصيبُ الحمّى البالغينَ أيضاً، كما تصيب الأطفالَ دون عمرِ الخامسة.

السبب:

تنجم الحمّى الرثويةُ عن نوعٍ من الجراثيم تُسمّى العِقْدِيّات A (Streptococcus A)، فهي تظهر بعد التهاب الحلق بالعِقْدِيّات بحوالي أسبوعين أو أربعة أسابيع، وقد تحدث الحمّى الرثويةُ بشكلٍ أقلَّ شيوعاً بعد الحمى القرمزيةِ scarlet fever.

لكن ما الرابط بين الحمى الرثويةِ و جراثيم العِقْدِيّات؟

تقوم العِقديات A بخداع جهاز المناعة، فهي تحتوي بروتيناً على سطحها يسمّى البروتين M مشابهاً للبروتيناتِ الموجودةِ في العديد من أنسجة الجسمِ، كأنسجةِ القلب والمفاصلِ والجلدِ والجهاز العصبي، فقد تقوم الخلايا المناعيةُ بمهاجمة أنسجةِ الجسمِ عوضاً عن العِقديات مما يسبّب التهاباً في هذه الأنسجة.

فإذا ما عُولج الطفلُ علاجاً كاملاً بالصادّات المناسبةِ بعد إصابتِه بالجراثيم العِقدِيّة ستكون فرصةُ إصابتِه بالحمّى الرثويةِ شبهَ معدومةٍ، ولكن إذا ما أُهمِل العلاجُ فستزدادُ فرصُ إصابتِه بالحمّى الرثوية.

ما هي أعراضُ الحمّى الرثوية؟

تتنوّع أعراضُ الحمّى الرثويةِ وتختلف من شخصٍ لآخر، فقد تظهر الكثيرُ من الأعراض عند المصابِ وقد لا يظهر عليه إلا عَرَضٌ واحدٌ، كما أنّ هذه الأعراضَ قد تختلف عند المريضِ نفسِه حسب مرحلةِ مرضه.

تنجم أعراضُ الحمّى الرثويةِ عن التهابٍ في القلب أو المفاصل أو الجلد أو الجهاز العصبيِّ، وتتجلّى بما يلي:

• حرارة

• ألمٌ ومَضَضٌ في المفاصل (غالباً مفاصل الكاحلِ والركبةِ والمرفقِ والمِعصم) وبشكلٍ أقلّ في مِفْصلَي الكتفِ والورك

• احمرارٌ وتورّمٌ وحرارةٌ في المِفصل

• عُقَدٌ صغيرة غيرُ مؤلمةٍ تحت الجلد

• ألمٌ صدري

• نفخاتٌ قلبيّةٌ وهي أصواتٌ غالباً ما تدلّ على تدفّق الدم عبر صمامٍ متأذٍّ

• تعب

• طفحٌ جلدي غير مؤلم مُسطّحٌ أو مرتفعٌ قليلاً وحوافه غيرُ منتظمةٍ، وهذا ما يُعرف بالحُمامى الهامِشية Erythema marginatum

• حركاتٌ تشنّجيةٌ لا إراديةٌ (حركات رقصيّة) غالباً في اليدين والقدمين والوجه تسمّى داء سيدنهام (وهي أحد العلامات الكبرى للحمى الرثوية)

• هَيَجان وتصرفات غيرُ اعتياديّةٍ كالبكاءِ المفاجئِ أو الضحكِ من غير سبب.

لذلك يجب على الأهل استشارةُ الطبيبِ عند ملاحظةِ العلاماتِ التاليةِ على أطفالهم:

• التهابُ حلقٍ دون أعراضِ زُكام (كالسيلان الأنفي مثلاً)

• التهابُ حلقٍ مترافقٌ مع انتفاخِ وتورّمِ العقدِ اللمفية

• طَفَحٌ أحمرٌ يبدأ بالرأس والعنق ويمتدّ ليشملَ الجِّذع

• صعوبةٌ في البلع حتى بلعِ اللعاب

• سيلانٌ أنفيٌّ مدمّىً أو سميكٌ وخاصةً عند الأطفال الصغار (الذين تقلّ أعمارهم عن ثلاث سنوات)

• لسانٌ أحمرٌ متألّقٌ مُغطّىً بالنتوءات يُعرَف بـ لسان الفراولة Strawberry tongue.

عوامل الخطورة:

هناك بعضُ العواملِ التي تزيد من خطرِ الإصابةِ بالحمّى الرثويةِ منها:

• القصةُ العائليّةُ: فقد يحملُ بعضُ الناس مورّثاتٍ تجعلهم أكثرَ عرضةً للإصابة بالحمّى الرثوية.

• نوع العِقْدِيّاتِ المسبِّبةِ: فبعض الذراري (أو السُّلالات) من العِقديات أكثرُ قدرةً على إحداث الحمّى الرثويةِ من غيرها.

• العوامل البيئيّةُ: لعلّ الخطرَ الأكبرَ يكون في الازدحام إضافةً إلى الصرفِ الصحيِّ السيّءِ، والعديدِ من العوامل الأخرى التي تزيد من الانتشار السّريعِ للجراثيم.

ما هي الاختلاطاتُ والمضاعفاتُ التي قد تنجم عن الإصابة بالحمّى الرثويّة؟

قد يستمرّ الالتهابُ الناجمُ عن الحمّى الرثويةِ لعدّة أسابيع وربّما لعدّة أشهر، وفي بعض هذه الحالات قد يسبب الالتهابُ مضاعفاتٍ طويلةَ الأمدِ حيث يسبّب أذيةً دائمةً في القلب وخاصّةً على مستوى الصِّمَامات، فقد يسبّب:

o تضيّقَ الصِّمَام: مما يؤدي إلى صعوبةِ خروجِ الدم منه وانخفاضِ كمية الدمِ الخارجةِ من القلب.

وتشمَلُ الإصابةُ الصِّمَامَ التاجيَّ بنسبة 90-95% ، والصِّمَام الأبهريَّ بنسبة 20-25% ، وتُعتبر إصابةُ الصِّمَامَين الرئويِّ ومثلّثِ الشُّرَفِ أقلَّ شيوعاً

o أذيّةَ العضلةِ القلبيةِ؛ فالالتهابُ المصاحب للحمّى الرثويةِ يُضعف العضلةَ القلبيةَ وقدرتَها على ضخّ الدم

o كما أنها قد تُسبّب مشاكلَ قلبيّةً أخرى تظهر لاحقاً في حياة المريضِ، كالرجفانِ الأُذَيْنِيِّ والقصورِ القلبي.

كيف يتم تشخيصُ الحمّى الرثوية ؟

يقوم الطبيب بتشخيص الحمّى الرثويةِ اعتماداً على الفحص السريريِّ وعلى نتائج بعضِ الاختبارات.

ويشمل الفحصُ السريريُّ الذي يقوم الطبيبُ بإجرائه: فحصَ المفاصلِ بحثاً عن العلامات الالتهابيةِ، وقياسَ درجة الحرارةِ، وفحصَ الجلدِ بحثاً عن العقدِ تحت الجلد وعن الطفح الظاهر، والاستماعَ إلى دقّاتِ القلبِ بحثاً عن وجود النّبَضانِ غيرِ المنتظمِ أو النفخاتِ القلبيةِ، وإجراءَ سلسلةٍ من الحركاتِ البسيطةِ لكشفِ وجودِ أيّ التهابٍ في الجملة العصبية.

كما يمكن للطبيب أن يطلبَ تحليل دمٍ للبحث عن الأضدادِ الموجّهة ضدَّ جراثيم العِقديات الجوّالة في الدوران الدموي، كما يمكن أن يُطلبَ تخطيطُ قلبٍ كهربائي ECG.

المعالجة:

تهدف معالجةُ الحمّى الرثويةِ إلى القضاء على ما تبقّى من جراثيم العِقْدِيّات وإلى التخفيفِ من الأعراض والتحكّمِ بالالتهاب لمنعِ تكرارِ الإصابةِ بالحمّى الرثوية، حيث يمكن أن يُعطى المريض:

• الصادّاتِ الحيويةَ كالبنسلين وغيرِه للقضاء على العِقديات المتبقيّة وكما يجب إكمالُ المعالجةِ بالصادّات حتى عمر الواحد والعشرين، أما فيما يتعلق بالأطفال الذين ترافقت عندهُمُ الحمى مع مضاعفاتٍ قلبّيةٍ فيُوصَفُ لهم العلاجُ بالصادات لمدّةٍ أطولَ أو ربما مدى الحياة.

• مضاداتِ الالتهاب اللا ستيروئيدية (NSAIDs) كالأسبرين، وذلك لتخفيف الألمِ والحرارةِ والالتهابِ، كما قد توصف بعضُ الستيروئيدات القشريةِ كالكورتيزول (التي تُعتبر مثبطاتٍ مناعيةً) في الحالات الأشد خطورةً أو عند عدم استجابة الطفل لمضادات الالتهاب.

• الأدويةَ المضادةَ للاختلاج (أو مضادات الصرع): وذلك عند اشتداد الحركات الرقصيّة.

ويحتاج مريض الحمى الرثويةِ عموماً إلى الراحة، حتى ولو كانت حالتُه العامّةُ جيّدةً، كذلك لا ينبغي له استئنافُ أعمالِه اليوميّةِ حتى شفاءِ علاماتِ الالتهابِ وزوالِ الألم.

لذا يجب الانتباهُ عند إصابة الأطفالِ بالتهاب الحلق بالعِقديات أو التهابِ اللوَزِ الحنكيّة، وعدمُ إهمالِ علاجِهم بالصادّاتِ المناسبةِ خشيةَ الإصابةِ بالحمّى الرثوية.

المصادر :

هنا

هنا

حقوق الصورة:

www.bigstockphoto.com