علم النفس > المنوعات وعلم النفس الحديث

مئة تجربة في علم النفس: ما مدى صحة النتائج؟

حدث يوما أن قررت مجموعة من العلماء من مختلف أنحاء العالم أن تقوم بإعادة مئة تجربة علمية نفسية نشرت نتائجها في العام 2008 في مجلات علمية ذات تصنيف عالي عالمياً، أي تلك المجلات التي يصعب لأي كان الحصول على فرصة النشر عن طريقها. إن ما يدعو إلى القلق هو أن 36% فقط من هذه التجارب كانت قد أعطت نتائج مماثلة لتلك التي ظهرت عند إجراء التجارب في المرة الأولى. على الرغم من قيام العلماء في المرة الثانية باتباع نفس المنهجية المتبعة في الدراسات الأولى، وعلى الرغم من استخدام موارد زودها أصحاب تلك التجارب ووجود تنقيح مسبق للدقة العلمية، وعلى الرغم من اللجوء إلى إحصاءات دقيقة لتحديد الحجم الحقيقي للتأثير، فضلاً عن إتاحة إمكانية التواصل مع القائمين على التجارب الاولى لتكوين نظرة أكثر وضوحا عن كيفية سيرها؛ إلا أن نسبة 64% من هذه التجارب كانت قد فشلت في إعطاء نتائج مماثلة لنتائج التجارب الأولى. هذا وقد تم اختيار التجارب من مجلات ذات أهمية كبيرة، ولو كانت الدراسات المختارة من جميع مجلات علم النفس المتاحة لكان الأمر أكثر سوءا.

علينا أن نعي أن هذا لا يعني كون ثلثي الدراسات المنشورة في تلك المجالات في عام 2008 كانت غير صحيحة. فكون النتائج غير قابلة للإعادة لا يعني أن النتائج الأولى كانت خالية من الصحة. لكن كما ينطبق على جميع الدراسات التي لم تخضع للتنقيح والإعادة؛ علينا أن ننظر لتلك النتائج ببعض الشك.

من المعروف عن نتائج دراسات علم النفس الاجتماعي -الذي يبحث في تأثير عوامل معينة على السلوك البشري أنها أقل قابلية للإعادة مقارنة بنتائج تجارب علم النفس المعرفي -الذي يبحث في عمل الدماغ عندما يقوم بخزن الذكريات والتعلم.. إلخ-، لكنه ليس الحقل العلمي الوحيد الذي يواجه الصعوبات عندما يتعلق الأمر بإعادة التجارب. فعند استعراض واحدة من مجلات المشككين بأثر النشاط البشري في تغير المناخ؛ وُجِد أنها مليئة بالأخطاء المنهجية، مما جعل من نتائجها غير قابلة للإعادة. وفي دراسة أخرى، اتضح أن نسبة انتشار نتائج الأبحاث قبل السريرية غير القابلة للإعادة تتعدى 50 %، أي إنفاق 28 مليار دولار سنويا في الولايات المتحدة وحدها على نتائج غير قابلة للإعادة.

لذا؛ لا ينبغي أخذ هذه الدراسة على أنها مؤشر يجعل من علم النفس أقل موثوقية من غيره، فرغم أن العلم في الأساس هو الافتراض الذي تختبره التجربة ويتم دعمه عند التحقق من صحته ومن ثم الحصول على نتائج مماثلة عند إعادة التجربة، ورغم وجوب تطبيق ذلك في التجارب التي أجريت في العام 2008؛ لكن هذه النتائج تبقى أفضل من لا شيء. بل أن قيام الباحثين بهذه المحاولة لتحليل مصداقية تجاربهم هو بحد ذاته دلالة على مدى الالتزام بالدقة العلمية.

إن السبب وراء نشر هذه الدراسات بدون إعادتها هو أمر معقد بشكل كبير، والبشر يبحثون عن الأجوبة والعلم مجبر على إعطائها. دائما ما يسعى البشر نحو اليقين والعلم يزودهم بذلك مرارا وتكرارا. ومهما كانت الرغبة ملحة في الحصول على نتائج قطعية؛ فلا يمكن لدراسة واحدة أن تعطي أجوبة حاسمة ونهائية، فيبقى البحث العلمي المتكرر هو الوسيلة الأفضل للحصول على نتائج مرضية.

المصادر:

هنا