البيولوجيا والتطوّر > التطور

تناقصٌ ملحوظٌ في حجم الجينوم مترافق مع تطوُّر الأنواع البشرية| أسلافنا القدماء لديهم DNA أكثر مما لدينا نحن اليوم!

في دراسةٍ نُشرت في شهر آب من العام الحالي في مجلة Science، وجد الباحثون أنَّ الإنسان المعاصر قد فقد من محتوى الـ DNA لديه منذ تطوره وانفصاله تطورياً عن القِرَدة حتى الآن؛ إذْ كان أسلافنا القدماء من البشر المبكرين يمتلكون بياناتٍ وراثية أكثر بكثير مما نحن عليه اليوم. ويثير هذا الاكتشاف العديد من التساؤلات، أبرزها: ما سبب فقداننا لهذه المعلومات الوراثية؟ وهل من أثر يترتب على هذا الفقدان؟ والجواب المتاح حالياً هو: لا نعلم ذلك بعد!

قام الفريق البحثي، الذي يقوده البروفسور ايفان ايشلر Evan Eichler – وهو عالِم وراثة في قسم علوم الجينوم – جامعة واشنطن، قام الفريق بعملِ تتابع Sequencing لجينومِ 236 فرداً من 125 مجتمعاً متفرِّقاً، ووجدوا أن النوع Homo sapiens (الإنسان العاقل) قد تخلَّص مما يقارب من 40.7 مليون زوج من القواعد التي تُشكِّل الـ DNA بعد الانفصال التطوري من أقرب الأحياء صلة بنا وهو الشمبانزي قبل ما يُقارب 13 مليون عام.

يحتوي جينوم الإنسان المعاصر على 3 مليارات من أزواج القواعد النتروجينية التي تُشكِّل الـ DNA، وتحمل كافة المعلومات الوراثية التي تلزم لبناء وإصلاح الكائن الحي، فهي بمثابة "وحدات البناء" للحياة. ولكن هذه المليارات الثلاث ليست كلها فعَّالة وذات وظيفة حقيقية، بل إنَّ جزءاً كبيراً منها لا يقوم بأي وظيفة معروفة الى الآن (هناك عدَّة فرضيات بخصوص مدى أهمية هذه الأجزاء من ال DNA ولكن لا شي منها مؤكد بعد)، وهذا ما يُسمَّى " الحامض النووي الخردة Junk DNA" . لا يعرف العلماء بشكل مؤكد كم تبلغ نسبة ما يسمى الحامض النووي الخردة Junk DNA من مجموع الجينوم، ولكنهم يجزمون أن ما لا يقل عن 27.96 مليون من الأزواج القاعدية المفقودة كانت فعّالة وفريدة من نوعها.

- إذاً، هل تَخلَّصَ الإنسان المعاصر من فائض الـ DNA على نحوٍ مفيد؟ أم أنَّنا فقدنا شيئاً مفيداً خلال رحلة تطورنا عبر الأجيال؟

يقترح ايشلر أن هجرة النوع البشري خارج أفريقيا أدت إلى اختزال المجتمعات البشرية في المناطق الجديدة، ولعبت دوراً في فقدان الـDNA. وقد كتب القائمون على الدراسة أنَّ "الحجم الكبير للبيانات قد سَمحَ لنا بإعادة هيكلة تركيب ومحتوى جينوم أسلاف البشر قبل الهجرة البشرية من أفريقيا والفقدان الجيني اللذي تبعها.

وكما هو متوقع، فإنَّ المشاركين في الدراسة من الأفارقة كانو أقرب من غيرهم من تتابعات الأسلاف، نظراً لتعرض المجتمعات غير الأفريقية إلى ظروف أدت إلى تغير محتواهم الوراثي عما كان في أسلاف الإنسان". وهذا يعني أنَّ الأفراد الأكثر صلة بالمجتمعات الأفريقية قد حافظوا على الـ DNA أكثر من الأفراد المنحدرين من المجتمعات المهاجرة.

وإذا علِمنا أن جينوم الإنسان يحتوي على ما يقرُب من 3 مليارات زوج قاعدي متوزعة على 23 كروموسوم، وأنَّ متوسط طول الجين البشري الواحد يبلغ حوالي 765 زوجاً قاعدياً، فإنَّ بعض التقارير تشير إلى فقداننا ما يعادل أكثر من 37000 جيناً منذ انفصال جنسنا من مجموعة القِرَدة في الشجرة التطورية.

وتُظْهِر الدراسات أن الدينيسوفيون* والنياندرتاليون لديهم حوالي 104.000 زوج قاعدي غير موجود عند الإنسان المعاصر، ومع ذلك فقد وُجِدَ أيضاً أنَّهم فقدوا من جينومهم عند مقارنتهم مع الأسلاف الأقدم للإنسان.

وتشير تقارير أخرى إلى أنَّه على الرغم من فقدان البشرية لمحتوى يقدر بالملايين من أزواج قواعد الـ DNA عند هجرتهم من افريقيا وتوزعهم في قارات الكرة الأرضية الأخرى، فإنَّ هناك مجتمعات اكتسبت محتوى DNA إضافياً، ويُعتَقد أنَّ ذلك حدث نتيجة تضاعُف المادة الوراثية، أي عندما يتضاعف جزء من الشفرة الوراثية عن طريق الصدفة ويمرَّرُ إلى الأجيال التالية.

وفي الوقت الذي يُعتقدُ فيه أنَّ عمليات فقدان جزء من الجينوم ضرورية لإيصال الجنس البشري إلى الكمال التطوري، فإنَّ العلماء يؤكدون على أنَّ التغيرات لم تكن جميعها ذات فائدة؛ فعلى سبيل المثال، هنالك دراسة تقترح أنَّ أيدينا اليوم أكثر بدائية من أيادي أسلافنا، على الرغم من تكيفنا لاستخدام الأدوات.

إنها المرة الأولى التي يوثِّقُ فيها العلماء فقدان (واكتساب) كُتَلاً كبيرة من الجينوم عبر التطور، ولربما تسلِّط هذه الدراسة الضوء على التساؤلات التي تدور حول كيفية تطور الإنسان المعاصر وبقاءه، بينما انقرضت الأنواع الأخرى الشبيهة بالبشر Huminin.

ويأمل العلماء في معرفة دلالة هذه النتائج، وبمزيد من الأبحاث فإننا نستطيع ملئ الفجوات الموجودة في "قصة تطوّر نوعنا البشريّ".

الحاشية:

* الدينيسوفيون Denisovans: نوع منقرض من الإنسان يعود للجنس Homo، عاش قبل 41.000 عام، وسمي بهذا الاسم نسبةً إلى مكان اكتشافه (كهف Denisova) ويقع في منطقة جبال إلتاي في سايبيريا – روسيا.

المصدر: هنا

البحث الأصلي: هنا