كتاب > روايات ومقالات

آخر أسرار الهيكل: لغزٌ تاريخي آخر يبحث عن مفاتيحه.

أولُّ مسرحٍ لهذه الرواية هو تلكَ البقعةُ التي يشكلُ العنفُ فيها حلقةً مفرغةً، حيث يبقى الماضي علقةً تمتصُّ الدماءَ و تستفزُّ ساكنيه، هنا في هذا الموقعِ سيغير السرُّ الذي أُعطيَ لصبيٍّ صغيرٍ عام 70 للميلاد مجرى حياتِه أولاً ومن ثم مجرى التاريخ، و لن يختفي عبرَ الأجيالِ بل سيبقى حلماً وهدفاً للجميع.

تبدأُ الروايةُ برغبةِ الضابطِ المصريِّ خليفة بتصحيحِ خطأٍ حصل منذُ أعوامٍ عديدة بعد أن ظنَّ الجميعُ أنه نُسيَ للأبد تحت ميراثٍ ثقيلٍ من الكراهيةِ والتعصب، ولكن خليفة الذي يهوى الآثارَ والتاريخَ يجدُ نفسَه أمام إرثٍ ثقيلٍ من الغموضِ والفساد تركه المتهمُ الحقيقيُّ بالجريمةِ التي سيعيدُ خليفة البحثَ عن سرِّ غموضِها. فيضطرُّه التحقيقُ مكرهاً للتعاونِ مع الضابط الإسرائيلي بن روي الذي يقوده تحقيقُهُ الخاص لكشفِ البعضِ من غموضِ معتقلات أوشفيتز النازية وما حصل لمن كان فيها من مآسٍ لم تستثنِ حتى الأطفال.

بن روي نفسُه هو المالكُ الفخورُ لحملٍ كبيرٍ من الأحكامِ العنصريةِ المسبقة بعد أن فقدَ خطيبتَه في أحد التفجيرات، ليلقى نفسَه أثناءَ التحقيق يخوضُ صراعاً نفسياً غيرَ متوقعٍ نتيجة دفاع والدة طفل فلسطيني متهمٍ عن هذا الشرطي وحمايتِه في مشهدٍ إنسانيٍّ لم يتصور نفسَه يتعرضُ له في حياتِه.

ننتقلُ بعدها للبطولةِ النسائية المتمثلة في الصحفيةِ الفلسطينيةِ الشرسةِ ليلى والتي تقودها رسالةٌ غامضةٌ إلى بريطانيا وفرنسا لسبر غموض ما حصل عام 1155 في كاستيلومبر المحاطةِ بآلافِ الأساطيرِ ومئاتِ الطبقاتِ من الأسرار، أسرارٌ أدت لتدميرِ هذه المنطقة في الفترة التاريخية نفسها ثم غزوِها من قبلِ النازيين عام 1943، مقحمةً نفسَها بشكلٍ غير مقصودٍ في التحقيقٍ الأكثر غرابة على وجه الأرض مع كل من خليفة وبن روي، مدفوعةَ بحبِها لشعبِها وعذاباته. فكشفُ هذا السرِّ سيقدمُ لهم دفعاً كبيراً في دوامة العنف التي يعيشونها والتي تغرقهم حتى رؤوسِهم في الدماء.

لكن هذا التحقيقَ يبدو وكأنك تحاولُ جمعَ أحجيةٍ فقدت نصفها منذُ عصورٍ ودُفن هذا النصف مع الجيوش المندحرة وهياكل السجّانِ والسُّجناء، وكأن ذلكَ لا يكفي فأنت تحاولُ أيضاً حلَّ هذا اللغزِ الداكنِ معصوبَ العينين!

ولا تخلو هذه الرواية من المشاهد التي قد تبدو بدايةً دخيلةً على الرواية، بل وقد يشعرُ القارئ أحياناً بالعجز أمام الشبكةِ الهائلةِ من العلاقات بين الشخصيات والأحداث لتتحول تجربةُ القراءة هنا إلى رحلةٍ يمسكُ بها الكاتب بيد القارئِ فيطيرُ به بين جبال أوروبا المُثلجةِ وبيوتِ القدسِ العتيقة وصولاً إلى وادي الملوك المُهيبِ وشوراعِ القاهرةِ المُغرَقةِ في الصخب.

في هذه الرواية يتمثلُ الصراعُ العربي الإسرائيلي بشكلٍ جديدٍ، بعيداً عما نشاهده من بيوتنا البعيدة ويُفاجأُ القارئُ بأسلوبِ حياةٍ قد يبدو للوهلة الأولى غريباً وشاذاً عنِ المتوقع، فعلى الرغمِ من الحقد الذي يرسخه فقهاءُ التطرفِ من الجانبين، يبقى هناك رجالٌ حقيقيون رفضوا القتل وحاولوا التطهر من العنف للوصول إلى السلام الحقيقي، فالمستقبل يبنيه السلام ورد الحقوق لا التطرف في بقعةٍ من العالم لم يكتب لها سوى المزيدُ والمزيدُ من الحروب وإراقةِ الدماء.

يُغني عالمُ الآثار بول سوسمان روايتَه بسردٍ ممتعٍ و أسلوبٍ بوليسيٍّ شيقٍ خلطَ به الواقع بالتاريخ وأساطيرِه وأحلامِه. مقدماً شخصياتِ الرواية وصراعاتِها النفسية و ماضي كل منها وتأثير هذا الماضي على واقعِها بشكلٍ يجعلُنا أقربَ إلى تلك الشخصيات و إلى التعاطفِ معها ومع تصرفاتها. وتتوزع أحداث هذه الرواية كما ذكرنا بين دولٍ مختلفةٍ من مصر إلى ألمانيا وبريطانية وفرنسا والأراضي المحتلة في فلسطين.

ومن الجدير بالذكر بأن هذه الرواية تعدُّ من الكتبِ الممنوعةِ التي تناولناها سابقاً فمُنعت من قبل الحكومة الإسرائيلية مُدعين بأنها تقدم معلوماتٍ ومفاهيمَ خاطئةً لا تناسب في الحقيقة سياساتِهم العنصرية.

الكتاب: آخر أسرار الهيكل

تأليف: بول سوسمان

ترجمة: زينة جابر إدريس

دار النشر: الدار العربية للعلوم ناشرون. بيروت

نوعية الكتاب: 415 صفحة قطع متوسط.