علم النفس > المنوعات وعلم النفس الحديث

العنف و صحة الأطفال النفسية- الجزء الأول

وجدَ بحثٌ جديد من جامعة واشنطن أنّ السلوكيات المُقلقة التي يُظهرها الأطفال الذين تعرّضوا للإساءة في التعامل أو التعنيف الجسدي والنفسي بإمكانها أنْ تتنَبّأ بنشاطاتٍ إجرامية فيما بعد، إلا أنّ هذه المؤشرات تختلف بين الذكور والإناث.

نُشرَت هذه الدراسة في الحادي عشر من شهر آب في مجلة (Interpersonal Violence) حيث وَجدت أنّ الذكور في عمر المرحلة الابتدائية الذين يُظهرون سلوكيات سلبية خارجية كالجدال المتكرّر أوالعصيان أوالقتال أكبر احتمالاً لارتكاب الجرائم في الكِبَر، إلا أنّ هذا لا ينطبق على الإناث اللواتي يُبدين السلوكيات ذاتها. بل على النقيض من ذلك، فإنّ الإناث في المرحلة ذاتها اللواتي يُبدين سلوكيات سلبية داخلية، ككبت المشاعر، و الاكتئاب والانطوائية أكثر عرضةً لارتكاب الجرائم.

وقد قال البروفيسور المشارك في الدراسة 'Todd Herrenkohl' أن العلاقة بين السلوكيات الداخلية المخفيّة في الصغر، و السلوكيات الإجرامية في الكبر غيرُ مدروسةٍ بشكل دقيق، ولكن يُمكننا القول بأنّ الأطفالَ الذين تعرضوا لسوء المعاملة في صغرهم وخاصّة الإناث، معرّضون لخطر تكرار هذا العنف في جميع مراحل حياتهم. فالإناث اللواتي يُخفينَ مشاعرَهنَّ مراراً قد يَصلْنَ إلى مرحلةٍ تتحوّل فيها المشاعر المكبوتة إلى العدوانية، وربّما دفعهنّ ذلك إلى حدّ السلوك الإجرامي.

ذلك أنّ المرأة التي تعرّضت للإساءة أكبر احتمالاً لأن تتشارك مع شخصٍ ما منخرطٍ في الأعمال الإجراميّة، وفي سبيل تقوية تلك العلاقة قد تندفع للقيام بأنواعٍ أخرى من السلوكيات لم تكنْ ظاهرةً في البداية.

كما أكّدَ عالم الأبحاث القائم على مجموعةِ أبحاثِ التنميةِ الاجتماعية في جامعة واشنطن 'Hyunzee Jung' على خطورة التغاضي عن تلك العلامات التي تظهر على الإناث المُعنّفات في الصغر، حيث قد يعتقد البعضُ أنّ هالهدوء هو علامة إيجابية ، إلا أنّ هذه السلوكيات الداخلية تحتاج حقّاً للانتباه والحَذر.

وبينما وجدت دراساتٌ سابقة أنّ الفتيان والفتيات يُظهرون مشاكلَ سلوكيةً مختلفة؛ فإنّ دراسة جامعة واشنطن أفادت بأنّ العنف يرتبط بالسلوكيات الظاهرة والباطنة لدى طلاب المرحلة الابتدائية بغضِّ النّظر عن الجنس.

وبينما اعتبرت دراساتٌ أخرى أيضاً أنّ سلوكياتِ المراهقين تُعدُّ مؤشّراً للجرائم لاحقاً؛ فإنّ دراسة جامعة واشنطن استبعدت علاقةَ سلوكِ المراهقين بالجريمة وإنّما اعتبرت السلوكيات في المرحلة الابتدائية هي المؤشّر الأقوى للسلوكيات الجُرميّة على المدى البعيد.

"قد يتخيل البعض أن المراهقين المُشتركين في السلوك الإجرامي سيزدادون إجراماً مع التقدم بالعمر، ولكن نحن حقاً بحاجة للنّظر إلى ما كانوا عليه في طفولتهم لنفهم طبيعة سلوكياتهم بشكل أكبر" كما قال يونغ.

يعود أصلُ تلك النتائج إلى الدراسة الطويلة التي بدأت عام (1976) حيث تتبّعت الأطفالَ المُعنّفين في مقاطعتين من ولاية بنسلفانيا وذلك من عُمرِ السنة والنصف وحتى عمرِ الثمانية عشرة عاماً، وذلك ضمن ثلاثةِ تقييماتٍ منفصلة، حيث تمّ سؤالُ أهل كلِّ طفلٍ عن سلوكيّاته وعن أساليب التأديب الجسدي والعاطفي التي استخدموها معه (والتي تراوحت من التهديد بطرد الطفل حتى اللطم والركل) كما شمل الاستطلاعُ أيضاً سلوك أولئك الأطفال في مرحلة المراهقة.

وفي عام (2010) تعقّب الباحثون في جامعة واشنطن حوالي (80)% من مشاركي الدراسة المذكورة آنفاً، حيث أصبح أولئك الأطفال المشاركون في عمر (36) سنةً وسطياً، ووجدوا أنّ أكثرَ من ربع المشاركين كانت لديهم جرائمٌ في السنوات السابقة، والجرائم الأكثرُ شيوعاً هي العنف الجسدي ضد الآخرين، أو التهديد به، أو سرقة المال أو غير ذلك من الجرائم.

وقال هيرنكول " إنّ الدراسات والنتائج المُتباينة تؤكّد الحاجةَ لإجراء بحوثٍ إضافيّةٍ لكشف المسار المُعقّد لمشاكل السلوك عند المُعنّفين، وليس بالضرورة اعتبار كلِّ الأطفال الذين يصابون بالاكتئاب والانعزال عن الآخرين في خطر الانخراط في عملٍ إجراميّ فيما بعد، ولكن نحن بحاجةٍ لإيجاد طريقةٍ لتحديد أولئك الأطفال ومراقبَتهم وتقديم الخدمات لهم ولأسرهم من أجل تخفيضِ احتمالية أن تزداد تصرّفاتهم سوءاً مع مرور الوقت.

المصادر:

هنا

هنا

هنا