كتاب > روايات ومقالات

الأدبُ المَسرحي يَسخرُ من البيروقراطيةِ وَالفساد.

المأساةُ الهزلية هيَ التَّصنيفُ الأكثرُ انطباقاً على هذا النَّصِ المسرحي الفَذ، الذي يَتناولُ واقعَ روسيا القَيصرية وما كان فيها من ظُلمٍ شَديد وبطشٍ هائِل على الطَّبقاتِ العامة من قبلِ الطبقاتِ الحَاكمة، لِدرجة أن أدنى موظفٍ في الدَّولة له الكَلمةُ العُليا على عامة الشَّعب مِن غَيرِ المُوظفين.

ولكن عزيزي القارئ، لا يقيدُ هذا الإطار الزماني المَسرحيةَ أبداً، فَهي صالحةٌ إلى هذا اليوم وَتُثيرُ في النَّاس كُلَما عُرِضَت الكَثيرَ مِنَ الضَحِك المُر الذي يقودُ إلى حُزنٍ عميق على واقعٍ بائسٍ افتُقِدَت كلُ سُبلِ الأَمل لِتَصحيحهِ وتغييرهِ.

يقولُ غوغول عن هذهِ المسرحية: "أردتُ أن أجمعَ فيها، في كَومةٍ واحدة كُلُ ما كُنتُ أعرف في روسيا من قبُحٍ وكُلُ ما كانَ يُمارس فيها مِن جَورٍ وظُلم."

تتناولُ الأحداث النِّظام الاجتماعي القَائم في الإمبراطورية الرُّوسية. تَجري أحداثُ المَسرحية في بَلدةٍ صَغيرةٍ نائيةٍ غَير محددةٍ بِاسم، يُمكنُ أن تكون أيَّ بَلدةٍ روسيةٍ صغيرة إِبَّانَ الحُكمِ القَيصري. وَقد تُمثلُ هَذهِ البَلدةُ نَموذجاً مُصغراً مِن هيكلية الحُكم القَيصري.

تبدأُ المسرحية بِحوارٍ يَجري بين العُمدة وأصحابِ المَناصبِ الحُكوميةِ في البَلدة حَولَ الخَبرِ الخَطير الذي وصلَ العُمدة من "بُطرسبورغ". مَفاد هذا الخبر أن مُفتشاً عاماً سَيصلُ البَلدة قريباً، ولكنَّ هذا المُفتِش سَيتنكرُ لِكي يُخفي شَخصيتَهُ الحقيقية وَيقومَ بِكتابة التَّقارير وإرسالها إلى العَاصِمة، ولمَّا كان كلٌ من العُمدة وهؤلاء المسؤولين قد طَغوا في طُولِ البَلدة وعَرضِها، بَدأ الرُّعب يَسري في نُفوسهم وبَدأت تتفجرُ أفكارٌ كثيرةٌ حَول أفضلِ السُّبل لِلتعامُلِ مع هذه المِحنة. يزور شابٌ وسيم عَليه علاماتُ الثَّراء هذه البَلدة ونكتشف بعد حين أن هذا الشاب موظفٌ حُكومي صغير، طائشٌ إلى أبعدِ الحُدود يَعتمدُ على أموالِ أبيه التي يرسلها إليه، يلعب القِمار ويخسر ولكنه لا يتأثر بذلك، يَدَعي الثَّقافة والعِلم، وبإمكانكَ أيّها القارئُ العزيز أن تضيف ما يحلو لك من صفاتٍ سيئة لهذه الشَّخصية ولا تنسَ أنَّها استغلالية إلى ابعد الحدود.

يُخيلُ للعُمدة والوجهاء بأنَّ هذا الشَّاب هو المُفتِش العام المُنتظر، فيقومون بين يَديه، يُقدمون فُروض الطَّاعة مُرفقةً بالهدايا والعطايا والأموال الكثيرة. ويَكبر شأنُ هذا الشاب ويُعرَفُ في كُلِّ البَلدة بأنّه المفتش العام، وهنا تَظهر قِصص الحَيف والجَور التي يرتكبها المسؤولون في البَلدة ضِدَّ الطَّبقة العامة والتُّجار، فالمسؤولون يحاولون أمامَ المُفتِش أن يُخفوا أفعالهم الشنيعة ويقدموا حُججاً وتبريراتٍ واهيةً لارتكابهم مثل هذه الأعمال، بَينما العامة تحاولُ جاهدةً الوصولَ للمُفتش لكي تخبره بواقعِ الأمر في هذه البَلدة. وبينَ هؤلاء وهؤلاء يجمع صاحِبنا الأموالَ والهدايا والعَطايا من الطَّرفين.

تتضمنُ المسرحية أحداثاً ثانويةً كثيرة، تتحدثُ عن طبيعة الشَّخصيات الحَاكمة وطموحاتِها اللاهثة وراءَ الرُّقيِّ الوظيفي (السُّلطة) وكلُ هذا لكي تَزداد قبضتهم بطشاً. ولعلَّ هذه الأحداث الثَّانوية تَرمُز للضعفِ الإنسانيِّ الموجودِ في نفسِ كُلِّ واحدٍ فينا. فالسلطةُ تُغري وقد تدفعُ الأنفسَ في سبيلِها.

السُّؤال الذي يتبادرُ للذهن هل سَيكتَشفُ أمرُ هذا المُدعي؟ أم سَيقعُ أهلُ البَلدة أسرى تخميناتِهم الخاطئة؟ وهل سَيظهرُ المُفتِش العام الحقيقي؟ وبِفرضِ ظهور هذه الشَّخصية هل ستكون قادرةً على إصلاح الأوضاع في البلدة؟ بل هل هي آتيةٌ بِهدف الإِصلاح أم الثَّراء وَبسط الهَيمنة؟ سَتِجدونَ الأجوبةَ لهذه الأسئلة مع نِهاية الفصل الأخير من هذه المسرحيةِ المُشوقة.

وإذا كُنتَ عَزيزي القَارئ قَد تَفَاجأتَ بِاسمِ نيقولاي غوغول، فَأرجوكَ أن تَتذكرَ إِشادةَ المُعلم "دوستوفيسكي" عندما قال:

"كُلنا خَرجنا مِن مِعطَفِ غوغول".

كتبَ نيقولاي غوغول الذي يُعتبر من آباء الأدبِ الروسي هذه المسرحية في سِن السَّادسة والعشرين عام 1835، وبِها ظهرت موهبة غوغول كَكاتبٍ مسرحيِ مَرموق.

تعتبرُ هذه المسرحية واحدةً من عُيون التُّراث الأدبي الرّوسي التي تبقى خالدةً على مَرِّ الأجيال، وتكاد لا تُعَدُ ولا تُحصى المَرات التي تمَّ تمثيل هذه المسرحية على خَشبات المسارحِ العالمية وبِمختلف اللُغات.

يَضمُ الكِتاب بِالإضافةِ إلى مَسرحية المُفتِش العام مَسرحيتين: (الخُطوبَة) و(بعدَ عَرضِ مَسرحيةٍ جَديدة).

كما تضم مؤلفات غوغول القِصصية: المِعطَف، الأَنف، شارع نيفسكي، الصُّورة، مُذكرات مَجنون، عَربة، ملاك وأيام زمان.

---------------------------------

مَعلومات الكتاب:

الكِتاب: المُفَتِش العام.

المؤلف: نيقولاي غوغول.

التَّرجمة: غائب طعمة فرمان، د. أبو بكر يوسف.

دار النَّشر: المَدى.

عدد الصفحات: 540 قَطع مُتوسِط.