الكيمياء والصيدلة > كيمياء

هل يمكن أن يكون للميلاتونين دورٌ في علاج التصلب المتعدد؟

أظهرت دراسة جديدة أن الميلاتونين - هرمون ينظّم ساعة الجسم الداخلية - ويدعى هرمون النوم، قد يساعد أيضاً مرضى التصلب المتعدد Multiple Sclerosis، وهو اضطراب عصبي يمكن أن يتحول خلال فترة قصيرة من حالة الهدأة إلى هجمات قد تستمر أياماً، أو شهوراً، أو حتى سنوات.

إن التصلب المتعدد مرضٌ نادر تهاجم خلاله الخلايا المناعية للجسم العصبونات بإحداث نخر في طبقة الدسم الحامية لها. تعزل هذه الطبقة، والتي تدعى بغمد المايلين، الجزء الناقل للإشارات من العصبون، بشكل شبيه بالبلاستيك المرن الذي يحمي أسلاك الهاتف. عند مرضى التصلب المتعدد، يعطّل الغمد المتأذي التواصل بين الخلايا، مما يؤذي البصر والتوازن والتنسيق العضلي ويعطل التفكير والذاكرة. لكن السبب الرئيسي للمرض غير معروف حتى الآن، ويشتبه العلماء بأن العوامل البيئية كنقص فيتامين د والسمنة والعدوى الفيروسية قد تساهم بحدوثه.

بالإضافة إلى ذلك، قد يساهم عامل بيئي آخر في إحداث هذا المرض وهو التغيرات الفصلية، والتي تم الاشتباه بها من قبل طبيب الأعصاب موريسيو فاريز، من معهد Raúl Carrea لأبحاث الأمراض العصبية في بوينوس آيريس في الأرجنتين، وزملاء له عندما لاحظوا هجمات أقل للتصلب المتعدد في فصلي الخريف والشتاء، وهو الوقت الذي يكون فيه إنتاج الميلاتونين في ذروته.

تعتمد مستويات الميلاتونين على مقدار التعرض لأشعة الشمس، لذا فإن التغيّرات الفصلية تسبّب تذبذباً في مستويات هذا الهرمون، حيث أن قلة التعرض لأشعة الشمس في الخريف والشتاء تزيد مستويات الميلاتونين، في حين أن زيادة التعرض لها في الربيع والصيف تنقص مستوياته.

لاختبار تأثير التغير الفصلي للميلاتونين على مرضى التصلب المتعدد، راقب الباحثون 139 مريضاً لمدة سنة، وتتبعوا معدلات الانتكاس ومستويات جزيئة صغيرة في الميلاتونين تدعى 6-SM. ولاحظوا أن معدلات الانتكاس في فصلي الخريف والشتاء كانت أقل بنسبة 32% من بقية فصول العام، والتي تتراجع مستويات الميلاتونين خلالها بشكل طبيعي.

لقد افترض الباحثون أن زيادة الميلاتونين تؤدي إلى زيادة في الأجسام الدفاعية التي تُعرف بالخلايا التائيّة المنظّمة، والتي تعمل من خلال إفراز بروتينات تجعل الخلايا المناعية الضارة تحت المراقبة المستمرة. وفي الوقت ذاته، يُنشّط الميلاتونين بروتيناً يعمل على تثبيط إنتاج الخلايا التائية المؤذية. أكد الباحثون لاحقاً فرضيتهم هذه من خلال تجاربهم على الفئران، حيث زاد إنتاج الخلايا التائيّة الواقية عندما تم إعطاؤها جرعات من الميلاتونين، ونقصت في الوقت نفسه تراكيز الخلايا التائيّة المؤذية. لوحظت أيضاً تأثيراتٌ مشابهة في الخلايا البشرية التي تم إجراء التجارب عليها في المختبر، ونشرت مجلة Cell على لسان فريق البحث، ممثلاً بطبيب الأعصاب في مركز Ann Romney للأمراض العصبية في بريغهام ومستشفى النساء في بوسطن، الدكتور فرانسيسكو غينتانا قوله: "تُفسّر دراستنا هذه شيئاً لم يكن معروفاً من قبل عن تأثير البيئة المحيطة على التصلب المتعدد".

لكن رغم أن هذه النتائج تشكل خطوةً في الاتجاه الصحيح، فإن الرابط بين الميلاتونين والجهاز المناعي يبقى مفتقداً لبعض التفاصيل الهامة التي يجب على الباحثين تحديدها بدقة، على سبيل المثال، الكيفية التي تحمي بها الخلايا التائيّة المساعدة غمد المايلين من الهجمات المناعية المضلّلة. بالإضافة إلى ذلك، فإن التركيز على آلية واحدة فقط ضمن آليات كثيرة لحدوث مرض معقد كالتصلب المتعدد لا يعد فكرة صائبة. كما يؤخذ على الدراسة أنها ضمّت مرضى من مدينة واحدة، إذ أنّ التنوع الجغرافي قد يكون هاماً لضمان أن الميلاتونين له التأثيرات نفسها على المرضى في أماكن تتعرض لكميات مختلفة من ضوء الشمس.

وهنالك أمر آخر يخشاه الباحثون، فالميلاتونين يتوفر كدواء مساعد على النوم يمكن صرفه دون وصفة طبية، ومن الوارد أن تحدث إساءة فهم لنتائج هذه الأبحاث من قِبَل مرضى التصلب المتعدد، ويمكن أن يقوموا على إثر ذلك باستخدامه كعلاج مكمّل. وختاماً، يقول الدكتور فاريز: "إنها دراسةٌ منظّمة ولدينا بيانات هامة، لكن يتوجب علينا عمل المزيد ومتابعة البحث".

المصدر

هنا