الاقتصاد والعلوم الإدارية > اقتصاد

لحظة مينسكي و أزمة الاقتصاد الصيني

هيمان مينسكي هو عالم اقتصاد امريكي (1919 – 1996) اهملت مساهماته العلمية حتى أزمة عام 2008 حيث ظهرت للعلن و فسرت الكثير من أسباب هذه الأزمة.

بينما يعتقد الكثير من الاقتصاديين أن أهم أسباب الاخفاقات الاقتصادية تحدث بسبب صدمات خارجية، يرى مينسكي أن النظام الرأسمالي يولد صدمات داخلية تسبب الأزمة وتعود إلى عدم الاستقرار المتأصل في الرأسمالية المالية. وأن الآلية الرئيسية التي تدفع الاقتصاد إلى أزمة لا مفر منها، هي تفشي المضاربات و تراكم ديون القطاع الخاص (مستثمرون، بنوك، شركات). يوضح مينسكي أنه في أوقات الازدهار، حيث تزيد التدفقات النقدية للشركات عن الكمية المطلوبة لسداد ديونها، تزداد الرغبة في تحمل مخاطر المضاربة و تبدأ معدلات المضاربة بالازدياد، وعندها تتجاوز الديون قدرة المدينين على السداد (وخاصة في فترات التقنين المالي) مما يؤدي بدوره إلى حدوث الأزمة. هذا التحرك ،البطئ نسبياً، للنظام المالي من الاستقرار إلى الهشاشة المتبوع بانهيار مفاجيء يعرف بما يسمى "لحظة مينسكي".

يقول مينسكي : "المسلمة الأولى الدالة على عدم الاستقرار المالي هي أن الاقتصاد يملك مؤسسات تمويل يحقق بمساعدتها الاستقرار، بينما المؤسسات المحققة للاستقرار هي نفسها غير مستقرة، أي أن هذه المؤسسات تقوم في فترات الاستقرار و الازدهار بتسويق المنتجات المالية المبتكرة التي تساهم في زيادة الإقراض ومنح تسهيلات ائتمانية مبالغ بها تساهم في زيادة نسبة الأرباح وفي الوقت نفسه تضاعف من حجم المخاطرة. والمسلمة الثانية هي أنه بعد مرور فترات الازدهار يبدأ الاقتصاد بالتحول من نظام العلاقات المالية التي تؤمن استقرار الاقتصاد إلى العلاقات المالية التي تقوض هذا الاستقرار وذلك كنتيجة لارتفاع نسبة المديونية ودخول عدد كبير من المستثمرين الجدد الراغبين بتحقيق ارباح سريعة وخروج المستثمرين ذوي الخبرة من السوق بأرباحهم المحققة. أي أن الاقتصادات الرأسمالية بمرور الزمن تتحول من البنية المالية المحكومة بوحدات التمويل المتحوطة (Hedge funding units) إلى بنية جديدة تميل الكفة فيها إلى وحدات التمويل بالمضاربة و تمويل هرم بونزي (Ponzi). وإذا كان الاقتصاد يعاني من ضغوط تضخمية، يتم مكافحة التضخم بفرض قيود نقدية، عندها حتى وحدات المضاربة سوف تتحول إلى وحدات بونزي و قيمة وحدات بونزي السابقة سوف تتبخر. و بالتالي فإن الوحدات الاستثمارية ستعاني من نقص في التدفقات النقدية و بالتالي ستجبر على تقديم تنازلات و التخلص من الأصول الأمنة لمقابلة التزاماتها، مما يؤدي إلى انهيار في قيمة الموجودات"

الائتمان الرخيص وقلة مجالات الاستثمار الأخرى في الصين أدت إلى ازدهار اسواق الاسهم والعقارات، حيث يمكن تحقيق عوائد جيدة، وانعكس ذلك بارتفاع حصة أسواق الملكية في الصين إلى 15% من الناتج المحلي الاجمالي و 28% من الاستثمار في الموجودات الثابتة. و بحسب ماكينزي فإن 50% من إجمالي المديونية في الصين هي قروض عقارية. و منذ عام 2007 ازداد حجم سوق أسهم الرهن العقاري بمقدار 21% و في الربع الاخير من عام 2014 تضاعف بمقدار 4 مرات. و هو تماماً ما تحدث عنه مينسكي "تحول الوحدات الاستثمارية إلى وحدات مضاربة و بونزي".

إن "لحظة مينسكي" تحدث الآن في الصين، ولكن التركيز لايجب أن ينصب على ما يحدث في أسواق الاسهم الصينية الآن وليست الصين هي المكان الأول أو الأخير الذي شهد و سيشهد هذه اللحظة، و إنما يجب أن نركز على الادبيات الاقتصادية و الاجتماعية التي أشارت إلى التناقض الداخلي المدمر في نظام الرأسمالية المالية و الليبرالية الجديدة.

هرم بونزي: نسبة إلى تشارلز بونزي الذي استخدم طريقة احتيالية لجمع أموال المستثمرين ودفع أرباح كبيرة من أموال المستثمرين الجدد. و تستمر هذه العملية حتى تبدأ الأزمة و ينخفض عدد المستثمرين الجدد و تمتنع الشركة عن السداد أو إعادة الأموال.

المصادر:

-The Financial Instability Hypothesis، 1992، Hyman Minsky

- Captalist financial processes and the instability of Capitalism، Hyman Minsky

- Debt and (not much) deleveraging، Mckinsey economic studies