البيولوجيا والتطوّر > التقانات الحيوية

خارج أو داخل الخلايا... هل سيستطيع فيروس HIV الاختباء بعد الآن؟

- مجهر جزيئيٌّ جديدٌ قادرٌ على تتبع أثر الفيروس أينما كان ضمن النسيج.

في عمل جديد تمكَّن من خلالهِ الباحثون تطوير تقنية جديدة مكنتهم من اكتشاف أماكن اختباء فيروس نقص المناعة المكتسبة HIV المسبب لمرض الآيدز سواء في داخل أو خارج الخلايا.

قديماً، وباستخدام الواسمات التألُّقية أو المشعَّة (تقانات التحليل في المكان in situ analysis)، واجهت العلماء عقبات جمَّة أثناء عملهم على كشف مواقع الفيروس في العينات النسيجيَّة، وذلك بسبب صعوبة تمييز المادة الوراثية له متمثلة بالـ RNA (كونه فيروس RNA من النمط القهقري Retrovirus) وDNA (الناتج بعد عملية النسخ العكسي للـ RNA Retrotranscription) عن المكونات الخلوية المحيطة، فيحدثُ ذلك تلوثاً تألقياً يودي بنتائج التحليل إلى سلّة المهملات.

ولكي نفهم الامتيازات التي قدَّمتها التقنية الجديدة، علينا أن نتعرف على الآلية التي تعمل بها الطرق التقليدية للكشف عن المادة الوراثية الخاصة بفيروس نقص المناعة المكتسبة.

إذ يتم فيها استخدام سلسلة طويلة من نكليوتيدات موسومة تقوم بالبحث عن سلاسل متممة لها من المادة الوراثية لفيروس الآيدز والارتباط بها، وبالتالي الاستدلال على مكان وجوده في العينة النسيجيّة، من أجل إنتاج خرائط المادة الوراثية لفيروس نقص المناعة، سامحةً للباحثين بخلق صورة دقيقة نوعاً ما حول موقع انتشارها في كافة أنحاء العينة النسيجية. إلا أنّ سلاسل النكليوتيدات تلك ضخمة و "خرقاء" إن صحَّ التعبير، حيث ترتبط من حين لآخر بالمكونات الخلوية بدلاً عن التسلسل الهدف.

أما تقنية Estes الجديدة، على نقيض ذلك، تستخدم مسباراً أكثر تعقيداً قادر على تجاوز هذه العقبات التي واجهت الطرق التقليدية أظهرت حساسية ونوعية رائعة بالمقارنة مع نتائج قياس مستويات الفيروس في الجسم. وتقوم التقنية على تقطيع سلسلة نكليوتيدات موسومة إلى جزأين وإضافتها للعينة النسيجية بغية إيجاد التسلسل الهدف. وعند ارتباطهما بشكل متجاور عليه، يتمكن الجزء الواصل بينهما من الارتباط في مكانه، فتضيء هذه الواسمات دالةً على موقع الفيروس مع احتمال ضئيل للغاية لارتباط تلك التسلسلات على تسلسل مغاير للهدف.

وصرح عالم المناعة Richard Koup معبِّراً عن رأيه بهذه التقانة الفريدة من نوعها قائلاً: "إنها تقنية رائعة ستسمح لنا برؤية الفيروس في النسج كما لو لم نره من قبل".

ومن هنا جاءت أهمية هذه التقانة التي تسبِّبُ فقط القليل من التلوُّث التألُّقي وفقاً لمطوِّرها عالم المناعة Jake Estes الذي قدّم نتاجه كصورة عالية الدقة "HD" لفيروس الآيدز في عِدَّة نُسج لقرد (كما تُظهر الصورة) في المؤتمر سالف الذكر.

وقام Estes بتطوير هذه التقانة مستخدماً آليات التشخيص الخلوي المتطوَّرة في Hayward، California، من خلال إجراء بعض التعديلات على مجهر الـ RNA الموجود مسبقاً في الشركة التي يعمل بها بغيةَ أن يصبح قادراً على الكشف عن RNA الفيروس، الـDNA أو كليهما في نفس الوقت.

وقدم مطوّرو هذا المجهر الجزيئي عالي القدرة، في مؤتمر الإيدز الدولي في تموزَ المنصرم، وعوداً حول إمكانيّة تخليص الجسم من الفيروس.

بالإضافة لتعديلاته بالغة الأهمية على مجهر الـ RNA، فقد طوّر Estes بالتعاون مع عالم الفيروسات Jeffrey Lifson مجهر DNA قادر على كشف فيروس نقص المناعة المكتسبة الأولي Provirus، والذي يتواجد في النسج ضمن الخلايا، وقد يبقى فيها كامناً لعقود دون أن يستطيع الجهاز المناعي أو الأدوية المضادة للفيروسات القهقرية Antiretroviral (ARV) drugs. مهاجمته، وهذا هو السبب الرئيسي لقصور العلاجات المضادة للفيروسات القهقرية في استئصال الفيروس ومعالجة المصابين.

ختاماً، تستطيع هذه المجاهر مساعدة باحثي الآيدز على مواجهة العديد من الصعوبات على طريق إيجاد العلاج، من أهمها عدم وجود مستوى قابل للكشف من الفيروس في الدم أو البلازما لدى مريض خاضع لعلاج ARV ، مما يجعل من الصعوبة تقييم فعالية التداخل العلاجي، كما تسهم التقنية في الكشف بدقة عن مكان اختباء طليعة الفيروس أو الفيروس الأولي في الجسم في محاولة للتقليل من مخازنه.

المصدر: هنا

- تم عرض هذا البحث في مؤتمر الجمعية الدولية للإيدز في فانكوفر: هنا