الطبيعة والعلوم البيئية > الطاقات المتجددة

تكلفة الطاقة الكهرومائية... قد تكون كارثية!

تُعدّ الطاقة الكهرومائية Hydroelectric Power إحدى المصادر النظيفة واسعة الانتشار في العالم والتي تحلّ محلّ مصادر الطاقة التقليدية، وقلما يتمّ توصيف الآثار السلبية التي قد يسببها التوسع في مشاريعها على الأنظمة البيئية والسكان المحليين فيها.

أما في مياه القطب الشماليّ فقد عجز العلماء حتى وقتٍ قريبٍ عن تفسير سبب ارتفاع تراكيز ميثيل الزئبق Methylmercury في الأحياء البحرية رغمَ أنّه من السّموم العصبيّة القوية التي تهدد أشكال الحياة البحريّة والبشرية هناك.

لكن فريقاً من العلماء من كلية هارفارد بولسون للهندسة والعلوم التطبيقية (SEAS) وكلية هارفارد تشان للصحة العامة، توصّل من خلال بحثٍ جديدٍ نشر في مجلة PNAS إلى أن تلك المستويات العالية لميثيل الزئبق قد تكون نتيجةً ثانويةً لارتفاع درجة حرارة الأرض وذوبان الجليد البحري في المنطقة القطبية الشمالية والمناطق شبه القطبية، كما أن غمرَ الأنظمةِ البيئيةِ في مشاريع الطاقة الكهرومائية يمكن أن يضع في هذه النظم كمياتٍ من ميثيل الزئبق أكبرَ بكثيرٍ مما قد يسببه التغيرُ المناخي.

كانت منطقةُ الدراسة شلالاتِ موسكرات Muskrat Falls في كندا والتي تُستخدم لتوليدِ الطاقة الكهرومائية، حيث يتضمن هذا المشروع غمرَ منطقةٍ كبيرةٍ في العام 2017، عند منبع نهر تشرشل Churchill الذي ينتهي بمصبٍّ على مضيقٍ بحريٍ يدعى بحيرةَ ميلفيل Lake Melville والتي تعتبر مصدراً غذائياً رئيسيّاً للإسكيمو وهم السكان المحليون على طولِ البحيرة.

ورغم أن تقرير تقييم الأثرِ البيئي لم يتوقع آثاراً سلبيةً قد تنتج عن غمرِ المناطقِ عند منبع النهر على مصبّه عند البحيرة، إلا أن فريق البحث قام برحلات لبحيرة ميلفيل منذ عام 2012 وقاس مستويات ميثيل الزئبق فيها، وتوصّل إلى أن هذه المستويات أكبرُ بكثيرٍ مما قد يصلها من الأنهار المغذية ورواسب القاع، كما أنّ التركيز الأعظمي لميثيل الزئبق في العوالق البحرية "البلانكتون" يتواجد على عمقِ 1 إلى 10 أمتارٍ تحتَ سطح البحيرة، بشكلٍ مشابهٍ جداً لما هو موجود في المحيط المتجمد الشمالي المركزي Central Arctic Ocean.

فسّر الفريق ذلك بأنّه لدى اجتماع المياه العذبة مع المياه المالحة، سواءً في مصباتِ الأنهار أو عند ذوبان الجليد البحري في المحيطات، فإن تركيز الملوحة يقل عند السطح ويزداد مع العمق، مما يؤدي لحدوث تطبقٍ في البحيرة حيث تنقسم إلى عدة طبقاتٍ مختلفة الكثافة.

يسمح هذا التطبق بأن تصل طبقاتٌ رقيقةٌ من المادةِ العضويةِ تسمى بالثلجِ البحري (Marine Snow) إلى مرحلةِ الطفو المحايد فلا يصبحُ بمقدورها أن تطفوَ للأعلى أو تترسبَ للأسفل ضمن عمود الماء، وتتجمعُ معاً لتشكل منطقةَ تغذيةٍ للعوالقِ البحرية، حيث تؤدّي البكتيريا العالقة في هذه المنطقة عملياتٍ كيميائيةً معقدةً تحوّل خلالها الزئبقَ المتشكل طبيعياً إلى ميثيل الزئبق سريعِ التراكم والضار بالحياة البحرية.

تنجذب العوالق الحيوانية Zooplankton إلى هذه الطبقة وتتغذى عليها بشكلٍ كبيرٍ ولفترةٍ قد تمتدُّ أسابيعاً، مما يؤدي لتراكم ميثيل الزئبق فيها، والذي يتضاعف تركيزه على طول السلسلة الغذائية.

تُعتبرُ هذه الطريقة فعّالة بشكلٍ كبيرٍ في تراكمِ ميثيل الزئبق وارتفاع تراكيزه ضمن الأحياء، لكن ما أثرُ غمرِ الأنظمة البيئية عند منبع النهر بهدفِ توليد الطاقة الكهرومائية على تركيز ميثيل الزئبق في الأحياء؟

من أجل تحديد أثر ذلك جمع فريق البحث عيناتٍ ترابيةً من المناطق المقرر غمرها عام 2017، وتم إشباعُ هذه العينات بمياه النهر بعد أن أزالوا طبقةَ النباتات السطحية التي تخفض مستويات ميثيل الزئبق، وخلال خمسة أيامٍ ازدادت مستوياتُ ميثيل الزئبق في المياه التي تغمر العينات بمقدار 14 ضعفاً، حيث قدّر الفريق نسبةَ الزيادةِ في مدخلات ميثيل الزئبق من نهر تشرشل إلى المصب بين 25-200 % على أقلِّ تقدير.

وهذا يعني أن المجتمعات التي تعتمد على نظامٍ بيئيٍ للتغذية مشابهٍ لذلك الموجود على طولِ بحيرة ميلفيل، قد تواجه آثاراً مدمرةً بسبب مشاريع الطاقة الكهرومائية التنموية.

يؤكد فريق البحث على أنّ الطاقةَ النظيفةَ تفيدُ العالم بأسره لكنّ كلفتها غالباً ما تقع بالكاملِ على عاتقِ السكانِ المحليين الذين يقطنونَ بجانب هذه المشاريع التوسّعية لذلك يتوجب على العلماء فهمُ وتوضيحُ كيفية ردّ فعلِ الأنظمةِ البيئيةِ على محاولاتِ تعديلها لأنه حالما يقع الضرر لا يمكن إعادة الأمر إلى ما كان عليه.

المصادر:

هنا

هنا