الطبيعة والعلوم البيئية > علم البيئة

لغز اليورانيوم المفقود

تعتمد المفاعلات النووية المصنّعة من قبل البشر على خواص عنصر اليورانيوم. يمتلك اليورانيوم نظيرين طبيعيين يختلفان عن بعضهما برقم نترونات النواة. النظير الأول هو U238 وهو الأكثر انتشاراً بالطبيعة بينما يشكل U235 حوالي 0.72% فقط من ذرات اليورانيوم. إنّ هذه النسبة بين النظيرين ثابتةٌ في كل مكان على سطح الكرة الأرضية وتعتمد عمليات "تخصيب اليورانيوم" على زيادة نسبة U235 في الوقود النووي وذلك بهدف الحصول على تفاعلٍ متسلسلٍ متحكمٍ به، ضمن وعاء تفاعلي هو المفاعل النووي. تنشطر أثناء التفاعل المتسلسل نواة U235 بفعل النيترونات البطيئة وتصدُرُ عنها طاقةٌ حراريةٌ هائلة، بالإضافة إلى المزيد من النترونات.

إن النترونات الناتجة عن الانشطار النووي سريعةٌ جداً وبالتالي فهي غير قادرة على شطر نوى يورانيوم جديدة وبالتالي لا يستمر التفاعل المتسلسل ويتوقف في مرحلة مبكرة. تم حل هذه المشكلة في المفاعلات النووية عن طريق تزويد المفاعل بمواد مهدئة (الماء الثقيل أو الكادميوم) تقوم بامتصاص طاقة النترونات السريعة وتحويلها إلى نتروناتٍ حراريةٍ قادرةٍ على شطر نوى يورانيوم جديدة وبالتالي يستمر التفاعل النووي ويستمر معه إنتاج الطاقة الحرارية التي يتم تحويلها إلى طاقة كهربائية بالوسائل التقليدية.

مما سبق تتضح حاجتنا إلى ثلاثة شروط لتحقيق التفاعل النووي الانشطاري المستمر وبالتالي الحصول على مفاعل نووي. هذه الشروط هي:

- وجود كمية كافية من اليورانيوم 235

- مصدر للنترونات وهو اليورانيوم 235 نفسه حيث أن النترونات السريعة تمثل إحدى نواتج انشطاره

- مادة مهدئة تقوم بامتصاص طاقة هذه النترونات السريعة وتحويلها الى نترونات حرارية

لكن هل يمكن أن تجتمع هذه الشروط في مكانٍ ما في الطبيعة؟! الجواب هو نعم... فهذا ما حصلَ في المفاعل النووي الطبيعي الذي تحدثنا عنه في بداية المقال والواقع في منجم الغابون. فقد تحقق الشرط الأول نتيجة وجود كميات كبيرة من اليورانيوم الطبيعي الذي يحتوى حكماً على النظير 235. أما الشرط الثاني فهو متحقق حكماً بوجود اليورانيوم 235 والذي يصدر النترونات بشكل طبيعي. بينما الشرط الثالث وهو الأصعب (وجود المادة المهدئة) فقد تحقق من خلال توافر المياه الجوفية التي عملت كمهدئ طبيعي تبطئ سرعة النترونات وتضمن استمرار التفاعل المتسلسل لفترة من الزمن هي الفترة اللازمة لغليان وتبخر المياه. حينها، يتوقف هذا التفاعل ومن ثم يعود ليبدأ من جديد حين تعود المياه الجوفة ليتوقف ثانيةً وهكذا دواليك.

كيف عرف العلماء أن كل هذا قد حدث؟

استنتج العلماء ذلك من خلال النسبة المختلفة لليورانيوم 235 في صخور هذا المنجم فقد وجدوا أن هذه النسبة أقل من مثيلاتها في أي صخور أخرى تمت دراستها ولا تزيد عن 0.717. فقدت صخور المنجم حوالي 200 كلغ وهذا الفقدان ما هو إلا كمية النظير 235 التي كانت موجودة واستهلكت في أول مفاعلٍ نوويٍ طبيعيٍ في العالم متحولةً إلى حرارةٍ وعناصرَ أخرى منذ بلايين السنين.

للأسف فإن الأخبار الجيدة لا تدوم طويلاً فمستويات اليورانيوم 235 استهلكت وانخفض مستواها إلى الحد الذي لم يعد كافياً للحفاظ على تفاعلٍ واضح، مما أدى إلى تباطؤ المفاعل وتوقفه في النهاية جاعلاً من هذا المفاعل أشبه بلغز اليورانيوم المفقود.

المصدر:

هنا

هنا