الهندسة والآليات > التكنولوجيا

الحقل الكهرومغناطيسي لصد هجمات القرش: لا خوف من أسماك القرش بعد اليوم

هناك ما يزيدُ على 400 نوعٍ من أسماك القرش حول العالم. ويصلُ متوسط عددِ الأشخاص الذين ماتوا بسبب هجماتِ القرش في العقدِ الأخير إلى 6.3 أشخاص لكل سنة، في حين بلغَ متوسطُ عددِ أسماك القرش التي يصطادها الإنسان سنوياً إلى 32 مليون سمكة.

بعيداً عن لغةِ الأرقام و الإحصائيات، لا أحدٌ مِنَّا يستطيع أنْ يُنْكِرَ مدى الخوفِ الذي يعتريه عند رؤيته لزعنفةَ القرشِ وهي تَتَّجِه نحوه، فطالما كان الخوفُ من هذه السمكةِ أمراً فطرياً. ولكن ليس بعد الآن، فقد استطاع العلماءُ بناءَ جهازٍ بحجم الكفِّ يُسمى طارد أسماك القرش (Shark Attack Repellent). يستطيع هذا الجهازُ أنْ يُكِّون درعاً غيرَ مرئيٍّ على شكلِ فقاعةٍ حول جسمِ الإنسان. هذه الفقاعةَ التي لا تَعْدُو عن كونها حقلاً كهرومغناطيسياً يطردُ القرشَ بعيداً إذا ما اقترب منها. ولكي نشرح آليةَ عملِ هذا الجهاز لابُد أنْ نتعرفَ ولو بشكل مبسط على مفهوم الحقلِ الكهرومغناطيسي وعلى الطبيعةِ التركيبيةِ لأحد الأجهزةِ البيولوجيةِ لدى سمكِ القرش.

أولاً ما هو الحقل الكهرومغناطيسي؟

لن نتكلم بإسهابٍ عن موضوعِ الحقل الكهرومغناطيسي بالرغم من جمالِ هذا الموضوعِ وروعته، وإنما سنتحدث فقط عن الفكرةِ التي ستساعدنا على فهمِ مبدأ جهازِ "طارد أسماك القرش". قبل الحديث عن الحقلِ الكهرومغناطيسي لدينا مصطلحين أساسيين يجب أنْ يُفهما بشكلٍ كامل وهما: فرقُ الجهدِ الكهربائي (Voltage) والتيارُ الكهربائي (Current).

فَـ فرق الجهد الكهربائي هو القوةُ المسؤولة عن تحريك الإلكتروناتِ من مكانٍ لِآخر داخلَ الموادِ الناقلة. في حين أنَّ التيار الكهربائي هو عبارة عن حركةِ الإلكترونات من مكانٍ لآخر داخلَ الموادِ الناقلة - هذان المصطلحان يكافئان القوة و الحركة في علم الميكانيك.

مما سبق نستطيع أن نلاحظ أنّه لدينا حالتان:

1- إذا وُجِدَتْ قوة (فرق جهد) تُحرك الإلكترونات، فإن الإلكترونات ستتحرك داخل المواد الناقلة لِتُشَكِّلَ تياراً كهربائياً.

2- إذا وُجِدَتْ حركةٍ لِلإلكترونات (تيار كهربائي) داخلَ مادةٍ ناقلة، فإنها ستُولّدُ قوة (فرق جهد).

ولكن في الحالة الثانية كيف تحرّكت الإلكترونات من دونَ قوةٍ ابتدائيةٍ تقومُ بتحريكها؟ الجواب هو أن الحقل الكهرومغناطيسي هو من فعل ذلك.

إذأ سنعيد صياغة ما سبق على الشكل التالي:

إذا ما طبّقنا فرق جهدٍ على مادةٍ ناقلةٍ، فإن هذا سيؤدي إلى مرور تيار كهربائي داخل هذه المادة وبالتالي ظهور حقلٌ كهرومغناطيسي حول المادة الناقلة. والعكس أيضاً صحيح، فإذا ما وضعنا مادةً ناقلةً داخلَ حقلٍ كهرومغناطيسيٍّ، فإن تياراً كهربائياً سيجري داخلها مما يؤدي إلى ظهورِ فرقِ جهدٍ كهربائيٍّ على طرفي هذه المادة.

ثانياً ما هو الجهاز البيولوجي الذي يستخدمه القرش في إدراك الوسط المحيط؟

يمتلكُ سمكُ القرشِ مجموعةً من الحواس التي يتعرَّفُ بها على محيطه، فـ بالإضافةِ إلى حاسةِ الرؤيةِ والشمِّ والسمعِ فإنَّ لديه حاسةً أخرى تُمكِّنهُ من الإحساس بالكمون الكهربائي لِلأجسام القريبةِ منه مما يساعده على الملاحة والتنقل. ويعود ذلك إلى تحركهِ ضمن الحقل المغناطيسي للأرض بين القطبين الشماليِّ و الجنوبيِّ.

يُطلق على هذا الجهاز البيولوجي اسم المستقبل الكهربائي (Electroreception System)، المكون من حساساتِ كهربائيةِ قنويةٍ. وهي عبارةٌ عن مجموعةٍ كبيرةٍ من المسام التي تصلُ بين السطح الخارجي للجلد (البشرة) - عَبر قنواتٍ ضيقةٍ (بقطر نحو 1 ملم) - والحجرة الأمبولية المتوضعة داخل الأدمة.

نلاحظ في الشكل التالي توزع الحساسات داخلَ جسمه:

تتمركزُ هذه القنوات في مقدمةِ جسمهِ حيثُ تَظهرُ على شكلِ مجموعةٌ كبيرةٌ من النقاطِ السوداء كما في الشكل التالي:

تكونُ الحجرةُ و القنواتُ مملوءةً بمادةِ Mucopolysaccharide Hydrogel وهي مادةٌ ناقلة لِلكهرباء، تقوم بتأمين الاتصال الكهربائي مع الفتحات الخارجية. تُشكل الخلايا المبطنة للقناةِ والحجرة جدارِاً عازلاً ذو مقاومة عالية يسمح بمرور التيار فقط عبر غشاء الخلية المستقبلة ويمنعُ تسرُّبهُ خارجَ القناة. فعندما يصل التيار إلى الخلايا المستقبلةِ، تقومُ الأخيرةُ بتضخيمِ فرقِ الجهدِ بين داخل وخارج الحجرة، وبمقارنة فرق الجهد هذا مع إحدى القنوات الأخرى يصبحُ موقعَ الجسم الذي سبب فرقَ الجهدِ (الفريسة) واضحٌ جداً.

يوضح الشكل التالي استخدام القرش لحواسه تبعاً للمسافات:

والأن كيف يقوم جهاز طارد أسماك القرش بحماية الإنسان من القرش؟

كما تحدثنا سابقاً فإن سمكَ القرش يعتمدُ على مستقبلاتهِ الكهربائية لتحديد موقع فريستهِ، حيث أن الحقل الكهرومغناطيسي لِلفريسةِ يقوم بإنتاج تيارٍ كهربائي داخل المادة الناقلة الموجودة في قنوات سمك القرش، فيندفعُ سمك القرش إليها ويقومُ بافتراسها. فَـ سمكُ القرشِ يستطيعُ أنْ يشعرَ بفرقِ جهدٍ قدره 1 ميلي فولت لِفريسةٍ تقعُ على بُعدِ نصفِ متر فقط. لذلك استفادَ العلماءُ من هذه الحساسيةِ العاليةِ، وخرجوا بِتصميمِ جهازِ "طارد أسماك القرش". حيثُ يقومُ هذا الجهازُ بإنشاءِ حقلٍ كهربائي حولَ الشخصِ الذي يحملهُ، الحقل الذي يطبقُ جهداً قدرهُ 10 mv/cm بشكل متساوٍ على طول القناة (بفرض أن طول القناة لدى القرش هو 10 سم) والذي يقومُ بِدورِه بإنتاجِ تيارٍ كهربائي أعلى من المعتادِ داخلَ المادةِ الناقلة في قنوات القرش، عندها يُشْعِرُ سمكَ القرشِ بالهلعِ وعدمِ الارتياح ويهرب تاركاً الفريسةَ وشأنها.

الفيديو التالي يوضح ألية عمل هذا الجهاز:

وهكذا نرى أنَّ جهازاً بهذهِ الكفاءةِ يستطيعُ أنْ يحلَّ المشكلة بينَ الغواصين وسمك القرش، فلا خوفَ من أسماكِ القرشِ بعد اليوم بعد أن اكتشفَ الإنسان التقنيةَ اللازمة لمواجهتها. وهيَ مناسبةٌ جديدةٌ يثبت فيها الإنسان مرةً أخُرى أنهُ أذكى الكائنات الحية !

المصادر:

هنا

هنا

هنا

هنا