الطبيعة والعلوم البيئية > الطاقات المتجددة

طحالب معدلة وراثيّاً لإنتاج خامات النفط

ما هو الإيثيلين؟

الإيثيلين هو مركبٌ عضويٌ من فصيلة الألكينات غير المُشبَعَة والتي تحوي رابطة مزدوجة بين ذرتي كربون، صيغته الجزيئية C2H4 فهو بالتالي أبسط هذه المركبات.

وهو مادة خامٌ للنفط ويستخدم في معظم الصناعات حول العالم من قمصان البوليستر وأباريق الحليب البلاستيكية وأنابيب الـPVC إلى إنتاج الإيتانول الصناعي عالي الجودة، كما يعد لبنة البناء الأساسية في صناعة البلاستيك والمركبات الكيميائية الأخرى.

يتم إنتاج الإيثيلين بتكلفةٍ رخيصةٍ في الصناعات البتروكيميائية ابتداءً من البترول والغاز الطبيعي، باستخدام طريقةٍ تدعى التكسير بالبخار steam cracking تعتمد على تكثيف الطاقة لتحطيم البتروكيميائيات إلى إيثيلين ومركباتٍ أخرى، لكنّ هذه الطريقة تُسبب إطلاق الكثير من غاز ثاني أوكسيد الكربون في الجو أكثر من أي عملية كيميائية أخرى. ونظراً لتزايد المخاوف حول مستويات هذا الغاز في الغلاف الجوي،كان من المُلِّح إيجاد طرقٍ أفضل بيئياً لإنتاج الإيثيلين.


كيف سيصبح إنتاج الإيثيلين أفضل بيئياً؟

وُلِدت منذ عشرة أعوام في اليابان لدى مجموعة من الباحثين فكرة استغلال البكتيريا الزرقاء cyanobacteria، أو الطحالب الخضراء المزرقة blue-green algae لإنتاج الإيثيلين، لكنهم لم ينجحوا بالوصول إلى إنتاجٍ موثوقٍ ومستقر.

بعد الاطلاع على ذلك، فكّر فريق من الباحثين برئاسة عالم الأبحاث في مجموعة البيولوجيا الضوئية جيانبينغ يو Jianping Yu من المختبر الوطني للطاقة المتجددة (NREL) التابع لوزارة الطاقة الأمريكية، بإجراء تعديلٍ وراثيٍّ على سلالةٍ مختلفةٍ من البكتريا الزرقاء وحيدة الخلية (Synechocystis sp. PCC6803) ليحققوا بذلك نجاحاً باهراً غير متوقّع في مجال إنتاج الإيثيلين بشكلٍ أفضل بيئياً وأكثر استقراراً، ومباشرةً من خلال طحالبٍ مُعدَّلةٍ وراثياً.

فقد تمكن العلماء عبر إدخال جينٍ مُشفِّرٍ للأنزيمات المُنتِجة للإيثيلين من تعديلِ عمليّة استقلاب البكتريا الزرقاء لتصبح قادرةً على تحويل بعض ثاني أوكسيد الكربون المستخدم عادةً في صناعة السكريات والنشويات خلال عملية التركيب الضوئي إلى غاز الإيثيلين الذي يمكن جمعُه بسهولة، ومن تخفيض متطلبات البكتيريا الزرقاء اللازمة لإنتاج الإيثيلين، والتي تحتاج مياهاً وبعض المعادن والضوء، ومصدراً كربونياً وافراً لأن الطّحالب تحتاج ثلاثةَ أطنانٍ من غاز ثاني أوكسيد الكربون لإنتاج طنٍ واحدٍ من الإيثيلين.

ويمكن الحصول على المصدر الكربوني من مصدر ثابتٍ كمحطات توليد الطاقة الكهربائية، لكن العلماء فكروا بإمكانية أن ترافق هذه العمليةُ طريقة التكسير بالبخار وتُحسِّنها من الناحية البيئية فالأخيرة تطلق ما بين 1.5 و3 أطنانٍ من ثاني أوكسيد الكربون لكل طنٍ تنتجه من الإيثيلين، وبالتالي يتم تحويل الكربون الناتج إلى شيءٍ مفيدٍ بدلاً من إطلاقه في الجو أو ضخه إلى جوف الأرض.

كيف تمت هندسة الجينات لامتصاص الكربون؟

إن الطفرة التي أحدثها فريق الباحثين والذي بدأ العمل عليها منذ عام 2010، تُصيب جزءاً من عملية الاستقلاب في الطحالب الخضراء المزرقة تدعى حلقة حمض ثلاثي الكربوكسيل (tricarboxylic acid TCA) (أو حلقة حمض الليمون) والتي تمثل جزءاً أساسيّاً في عملية التركيب الحيوي وإنتاج الطاقة، والتي تحدث فقط في جزء صغير لا يتعدى 13% من أصل 2-3 % من ثاني أوكسيد الكربون المثبت في هذه الطحالب غير المعدلة وراثياً، لتصبح الطحالب بفضل هذه الطفرة قادرةً على إرسال ثلاثة أضعاف زيادة من الكربون إلى حلقة TCA، وإصدار 10% من ثاني أوكسيد الكربون المُثَبَّت بشكل إيثيلين، وبمعدّل 35 ميليغرام في اللتر كل ساعة، بزيادةٍ تفوق ألف ضعفٍ من إنتاجها الأولي، حيث يسعى فريق الباحثين لرفعها في نهاية هذا العام إلى 50 ميليغراماً في اللتر كل ساعة، ويؤكدون أن هدفهم النهائي تحويل 90% من الكربون المثبت في الطحالب إلى إيثيلين.

لكنّ ما أدهش الفريق هو عدم حدوث اضطراب في النمو لدى الطحالب مع زيادة إنتاجها الكبير من الإيثيلين، مما يؤكّد أن عملية الاستقلاب في البكتريا الزرقاء هي أكثر مرونة مما كان يُعتقَد سابقاً، وأن الطفرة المُحدَثة التي مكنت من زيادة إنتاج الإيثيلين، حَفَّزَت أيضاً عملية التركيب الضوئي.

وهذا ما يعطي الباحثين الأمل في القدرة على زيادة نشاط التركيب الضوئي وفهم المسارات الاستقلابية في النباتات بشكلٍ أفضل وحتى في البشر لأن حلقة TCA فعّالةٌ في المتقدرات الخلوية للبشر mitochondria أيضاً.


إنتاج الإيثيلين لأغراضٍ تجاريةٍ

رغم النتائج المذهلة التي حققها الباحثون، لكنهم يعتقدون أن الحديث عن إنتاج الطحالب للإيثيلين في نطاقٍ تجاريٍّ مازال مبكراً، وقد يستغرق رفعُ الكفاءة لتحويل 50% من الكربون إلى إيثيلين أكثر من عشر سنوات.

وهناك أمرٌ هامٌ آخر يتعلق بالنتائج الحالية والتي تتوافق مع بيئة المختبر وليس البيئات الحقيقية للطحالب، لذلك يُخطّط الباحثون في العامِ القادم لنقل تجاربهم من المختبر إلى بيئاتٍ واقعيّةٍ تُمكّنهم من تقدير الكميات الحقيقية للإيثيلين الناتج بواسطة هذه الطحالب.

ويتصور الباحثون أن هذه الطّحالب من الممكن أن تنمو ضمن المستنقعات والبرك والبحيرات، أو بشكل عموديٍ على صفائحٍ تشبه أوراق الصحف، وفي كلتا الحالتين يجب أن يكون الوسطين مغلقين تماماً لالتقاط الايثيلين، كما يؤكّد الباحثون ضرورة وضع احتياطات سلامةٍ معينةٍ في الموقع لجمع الإيثيلين بأمان، لاسيّما أن إنتاجه يترافق بإنتاج هيدروكربوناتٍ وأوكسجين وكلاهما قابلٌ للاشتعال.

يُظهِر التحليل الاقتصادي الحالي الذي أجراه الباحثون، أنّ نجاح عمليّة إنتاج الطحالب للإيثيلين لن يكون بالأمر السهل اقتصادياً حتى لو كانت الكميات الناتجة كبيرةً، وذلك لأن الإيثيلين الناتج من العمليات البتروكيميائية رخيصٌ ومتوفّرٌ بكثرة، ولا يكلّف الطن الواحد منه أكثر من 600-1300 $، مقابل 3240 $ للطن الواحد من الإيثيلين الناتج عن هذه الطحالب، ومع ذلك ترى شركات الطاقة العالمية في هذا المشروع بدايةً للتركيز على الجانب التنموي لإنتاج الإيثيلين.

المصدر:

هنا