الغذاء والتغذية > مدخل إلى علم التغذية

مكملات فيتامين A قد تقود جهاز المناعة "لنسيان" الالتهابات السابقة

يعتبر الجهاز المناعي مسؤولاً عن حماية الجسم من الالتهابات والأمراض، وهو عبارةٌ عن مجموعةٍ من الخلايا، النسج والأعضاء التي تمتلك وظائف متخصّصة في محاربة الأجسام الغريبة والكائنات الدقيقة المسببة للأمراض كالبكتيريا، والفيروسات والفطريات؛ كما يلعب دوراً في الوقاية من تطور السرطانات. وللقيام بوظائفه على أكمل وجه فإن الجهاز المناعي يتّبع آليات معينة للتعرف على الغزاة والخلايا غير الطبيعية وتمييزها عن خلايا الجسم.

وترتبط الحالة التغذوية ارتباطاً وثيقاً بأداء النظام المناعي، لذا ترتبط علوم التغذية بشدةٍ مع علم المناعة. ويعتبر سوء التغذية السبب الأكثر شيوعاً لنقص المناعة في العالم، كما يعتبر سوء التغذية المزمن عامل خطرٍ رئيسيٍ للأمراض والوفيات في العالم. ويقدر عدد الأشخاص الذين يعانون من نقص التغذية في العالم بأكثر من 800 مليون شخصاً معظمهم من البلدان النامية؛ كما أنه ينتشر في الدول الصناعية، وخاصة عند الأشخاص ذوي الحالات الصحية الخاصة وكبار السن.

وتعتبر التغذية الفقيرة سبباً في نقص الطاقة والمواد الغذائية الرئيسية، فضلاً عن النقص في بعض المغذيات الدقيقة المطلوبة من أجل الوظيفة المناعية. ويمكن أن يؤدي نقص هذه المواد الغذائية إلى تثبيط المناعة أو تقليل الاستجابات المناعية؛ وعلى وجه الخصوص، وظيفة البلعمة phagocytic function الخاصة بالمناعة الطبيعية بالإضافة إلى العديد من وظائف المناعة المكتسبة كإنتاج السيتوكينات cytokines -وهو نوع من البروتينات يلعب دوراً في نقل الإشارة بين الخلايا كما يلعب دوراً في النظام المناعي ويساعد في صد الميكروبات- والأجسام المضادة antibodies.

كما يعتبر الإفراط في الغذاء شكلاً آخراً من أشكال سوء التغذية أيضاً، حيث أن تناول كمياتٍ زائدةٍ أو مفرطةٍ من الأغذية والعناصر الغذائية -خاصةً الرئيسية منها- ينعكس سلباً أيضاً على وظائف الجهاز المناعي.

ويعدّ فيتامين A من العناصر الغذائية التي تتدخل بعمل الجهاز المناعي، حيث يلعب دوراً هاماً في كلا نوعي المناعة الطبيعية والمكتسبة؛ وكثيراً ما بيّنت دراساتٌ سابقةٌ دور مكملات فيتامين A في تحسين الجهاز المناعي ولكنّها حذّرت دوماً من تناول كمياتٍ زائدةٍ منه لما له من تأثير عكسيٍ سلبي.

فعلى الرغم من أن مكملات فيتامين A قد يكون لها فوائداً صحيةً هامةً عند الأشخاص الذين يعانون من نقص هذا الفيتامين، إلا أن أدلةً جديدةً أظهرت أن تناول هذه المكملات بجرعات أعلى من الحدود الطبيعية والمسموح بها (هنا) قد يكون لها عواقباً سلبيةً على الصحة؛ حيث أن فرط هذا الفيتامين A قد يسبب تثبيطاً في قدرة المناعة المكتسب، ويفتح الباب للعدوى.

وفي هذا المجال أشارت دراسة جديدة نُشرت في the Journal of Leukocyte Biology أنّه من الممكن للكميات الزائدة من فيتامين A أن تثبط المناعة المكتسبة (المُدَرَّبة) مما يؤدي لتغيير استجابة خلايا المناعة الطبيعية وإضعاف فعاليتها عبر خفض قابليتها للتحفز بالبروتينات الخاصة كمولدات الضد antigens أو مركبات الميتوجين mitogens - وهي موادٌ كيمائيةٌ تلعب دوراً في عملية انقسام الخلايا.

ولدراسة الآثار المحتملة لزيادة فيتامين A على الجهاز المناعي قام الباحثون المشاركون في هذه الدّراسة بعزل خلايا مناعية من متطوعين ثم قامو بتحفيزها باستخدام فيتامين A ولاحظوا كنتيجةٍ أوليةٍ أنّ الخلايا المناعيّة تفرز كمياتٍ أقل من السيتوكينات عند تحفيزها بمولدات الضد والميتوجينات. وكخطوةٍ ثانيةٍ قام الباحثون بتحفيز خلايا مناعية باستخدام مجموعاتٍ ميكروبيةٍ متنوعةٍ مما أكسبها نوعاً من المناعة المكتسبة على المدى الطويل تساعدها على مقاومة هذا النوع من الميكروبات عند الإصابة بها لاحقاً عن طريق التعرف على الميكروبات الممرضة؛ لكن عند تكرار نفس التجربة بوجود فيتامين A أظهر أنّ هذه المجموعة الميكروبية لم تستطع تحفيز الخلايا المناعية كما يجب.

وكنتيجة لهذه الدّراسة التي نشرت في شهر تموز من العام الحالي فإنّ الكميات الزائدة من الفيتامين A قد توقف عمل الجهاز المناعي المكتسب (المُدَرَّب) مما يفتح المجال للإصابة بالتهابات قد نكون محصنين ضدها في الأصل.

وأكّد القائمون على هذا البحث على أهمية العلاقة بين التّغذية والمناعة، خاصة في المراحل العمريّة التي يكون فيها استهلاك مكملات الفيتامينات شائعاً، وهذا ما يؤكّد على دور الحمية الغذائية المتكاملة والصحيّة في المحافظة على صحّة الجهاز المناعي. ومن المحتمل أنّ هذه الدّراسة ستفتح طرقاً جديدة لتعديل استجابة الجهاز المناعي وإعادة تخزين وظائفه في الحالات التي يفقد بها قدرته على التّعرف على الكائنات المسببة للمرض.

المصادر:

هنا

هنا

الدراسة الأصلية تجدها

هنا