الطبيعة والعلوم البيئية > علم البيئة

أين تذهب المياه التي لا تصل إلى المحيطات؟

يصل أكثر من ربع المياه الهاطلة فوق قارات العالم إلى المحيطات بشكل جريانات سطحية، أما القسم الباقي منها فيتوزع وفقاً لدراسة جديدة إلى ثلثين يتحرران ثانية إلى الجو عن طريق النباتات وأكثر من الربع يسقط على الأوراق ويتبخر مباشرة، أما ما تبقى يتبخر مجدداً بعد وصوله إلى التربة أو البحيرات أو الأنهار والمجاري المتنوعة.

حيث تطرح الدراسة الصادرة عن جامعة يوتاه التساؤل التالي: أين تذهب المياه بعد أن تسقط على اليابسة؟

تؤمِّن المياه استمرار حياة النباتات والمزروعات والبشر والنظم البيئية المتنوعة، إلا أن نسبة المياه في كل من هذه الأجزاء بقيت على الدوام غير معروفة. وقَدّرت بعض الدراسات السابقة أن كمية المياه التي يستخدمها النباتات أكبر مما وجدته هذه الدراسة الأخيرة، مما يعني وحداً من أمرين: إما أن تكون النباتات أقل وفرةً في العالم أو أنها أكثر كفاءة في استخدام المياه مما نعتقد.

ويقول الهيدرولوجي "ستيفين غود" Stephen Good الكاتب الرئيسي للمقال: "لقد قمنا بتحليل المسارات التي قد تتبعها المياه في حركتها من هطولات مطرية أو ثلجية عبر التربة والنباتات والأنهار وتوصلنا بالنتيجة إلى نسبة المياه التي تعود مجدداً إلى الغلاف الجوي عبر النباتات أو التربة أو المسطحات المائية المكشوفة".

واستخدمت الدراسة نسبة نظائر الهيدروجين في مياه الأمطار والأنهار والرطوبة الجوية عبر تحليل عينات وقياسات بالأقمار الصناعية واستنتجت أنه من كل الهطولات فوق اليابسة (باستثناء ما تحمله الأنهار في جريانها إلى المحيط) فإن النسب والكميات يمكن إجمالها بما يلي:

- 64% يتم إطلاقه بواسطة النباتات عبر النتح... 55 ألف كم مكعب وهذه النسبة أقل من النسبة التي وضعتها الدراسات السابقة والتي تصل إلى 80%.

- 6% يتبخر عبر التربة ... 5 آلاف كم مكعب.

- 3 % أو ألفا كم مكعب يتبخر عبر المسطحات المائية من بحيرات وأنهار ومجارٍ مختلفة.

- فيما قدر أحد الأبحاث السابقة نسبة 27% ... ما يقارب 23 ألف كم مكعب من المياه يتم احتجازه على سطوح أوراق النباتات ويطلق مجدداً إلى الهواء وهو ما يطلق عليه اسم الماء المحتجز "intercepted".

من المهم التعرف إلى كمية المياه في هذه المسارات وخاصة الجزء الخاص بالنباتات لأنه يتعلق بشكل مباشر بإنتاجية النباتات الطبيعية والمزروعات على حد سواء. حدد البحث ما يتوفر للنبات من الهطولات قبل أن تصل إلى المياه الجوفية بنسبة 38% بمعنى أن هذه النسبة هي ما يتفاعل مع التربة بينما ينساب الباقي. يعني ذلك أيضاً أن أي توقع منطقي لتغيرات الدورة الهيدرولوجية يجب أن يضع هذه النسبة بالحسبان فليست كل مغذيات التربة، أسمدتها وملوثاتها معرضةً لكل المياه الهاطلة. (ترقبوا مقالنا القادم عن الموازنة المائية المعدّة من قبل ناسا بهذا الصدد).

كيف تم إجراء الدراسة:

استخدمت الدراسة مصدرين للبيانات:

- الأول عبر شبكة عالمية من النظائر والهطولات جمعتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية منذ خمسينات القرن الماضي. ويتضمن ذلك قياسات الديتريوم "نظير الهيدروجين أو الشكل الثقيل منه والذي يمتلك ضعف كتلته" في عينات مطرية مأخوذة من 500 محطة حول العالم.

- الثاني عبر استخدام قياسات القمر الصناعي أورا "التابع لوكالة أبحاث الفضاء والملاحة الجوية الأمريكية -ناسا" لتركيز الديتريوم في بخار الماء قرب سطح الأرض.

لكل شكل من أشكال المياه نسبة ديتريوم D إلى هيدروجين خاصة وهي تتساوى في كلٍ من ماء المطر وذلك المتبخر من سطوح النبات لكنها أعلى في ماء التربة وأقل في الماء المتبخر من المسطحات المائية علماً أن الماء عالي النسبة والممتص من التربة بواسطة النبات يزيد من قيمة النسبة في الماء المنتوح مقارنةً بذلك المتبخر عن سطح النبات فقط. استخدمت هذه النسبة بالاستعانة بنماذج حاسوبية لدراسة تبادل المياه بين سطح الأرض والغلاف الجوي وأظهرت إعادة المحاكاة آلاف المرات توافقاً بين نتائج النماذج والقياسات المأخوذة مما مكن من تقدير دقيق لكميات المياه في المسارات المائية المختلفة.

الأهمية بالنسبة للزراعة والتزويد بالمياه والمناخ:

وجد الباحثون خلال عملهم طريقة للإجابة عن أحد الأسئلة الجوهرية والأولية حول مصير مياه الأمطار المتساقطة على سطح اليابسة. وتملك الإجابة تطبيقات مهمة فيما يتعلق بنوعية المياه وإنتاجية النباتات والقيم العظمى للغزارات. ويعتبر الحصول على التقديرات الصحيحة للموازنة المائية العالمية مفتاحاً بالغ الأهمية لفهم التفاعل الحاصل بين المناخ والنظم البيئية. فهذا التحليل الجديد يقدم تقديراً لمقادير يصعب الحصول عليها بالقياس المباشر ونعني بذلك كمية المياه التي تستخدمها النباتات والمياه المتبخرة من الأرض. وبمعرفة هذه المقادير يمكننا فهم آلية عمل النظم البيئية بصورة أفضل، وخاصة في غضون العقد القادم عندما تصل كميات المياه العذبة المتوفرة إلى مستويات خطرة.

ويعطي مقدار المياه الذي تطلقه النباتات مؤشراً زراعياً هاماً فهو يرتبط بشكل مباشر بكمية الغذاء التي يمكننا الحصول عليها وعدد الأوراق على الأشجار.

إن دورة المياه في الطبيعة تتغير مع الاحتباس الحراري، ومع هذا التغير يمكننا أن نتوقع تغيراً مقابلاً في النظم البيئية والزراعية مما يعطي أهمية لفهم العلاقة بين دورة المياه في الطبيعة ونمو النباتات. فعلى سبيل المثال عندما تطلق النباتات المياه عبر أوراقها تقوم في نفس الوقت باستهلاك كمية من ثاني أكسيد الكربون "أحد أهم غازات الاحتباس الحراري" أما التربة فلا تقوم بذلك مما يعني أن معرفة كمية المياه التي يتم إطلاقها عبر النتح تساعدنا على معرفة مساهمة النباتات في تخفيض الاحتباس الحراري.

المصادر:

هنا

هنا