الطب > علوم عصبية وطب نفسي

رَنَح فريدريك Friedreich’s Ataxia

يُعَدّ مرضُ رَنَح فريدريك Friedreich’s Ataxia من أول الأمراض الرَّنَحية الموروثة التي تمّ تمييزها عن مسببات الرنح الأخرى، وهو أشيعُ نمطٍ من الأمراض الرنحية المتنحّيةِ جسدياً autosomal recessive، حيث يسبب 50٪ على الأقل من حالات الرنح الوراثية.

وقد جاءت تسميته نسبةً إلى مكتشفه الطبيبِ الألماني Nicolaus Friedreich، أولِ من كتب عن المرض في عام 1863.

الرنَح هو خللٌ في التحكم بحركات الجسمِ والتنسيقِ بينها، مما يسبب حركاتٍ خرقاءَ غيرَ ثابتةٍ ومشاكلَ في المشْية والوظائف الحركية المختلفة.

يؤدي المرضُ إلى تنكُّسِ وتموّتِ الخلايا العصبيةِ في النخاع الشوكي التي تقوم من خلال اتصالاتِها مع المخيخ بتنسيقِ التقلّصات العضليةِ لعضلات الأطراف. فيصبح النخاعُ الشوكيُّ أرقَّ، وتفقد الخلايا جزءاً من غمد النُّخاعِين myelin اللازمِ لحُسن وسرعة نقلِ السيّالةِ العصبيةِ عبرَ هذه الخلايا.

كما يؤدي المرضُ لحدوث مشاكلَ في القلب والعمود الفِقْرِيِّ وحدوث مرضِ السكري عند بعض المرضى. ولكن من الجدير بالذكر أنّه لا يؤثر على التفكير أو القدرات المعرفية.

يبدأ رَنَح فريدريك عادةً بشكل باكر، حيث يتظاهر غالباً عند الأطفال بعمر 8-15 سنة ونادراً ما يتأخر لما بعد ال 20 من العمر.

يكثر المرضُ في العِرق الأبيضِ ويُعتقَد أنّ المصابين بالمرض وحمَلَتَه ينحدرون من سلف أوروبيٍّ مشترك عاش منذ أكثرَ من عشرة آلافِ سنة. ولذلك فهو غير موجود تقريباً في العِرقين الأسود والأصفر.

السبب:

تقع المورثةُ المسؤولةُ عن المرض على الصبغي رقم 9 وتدعى FXN gene، وهي مسؤولةٌ عن تصنيع بروتينٍ خَلَوِيٍّ يُدعى frataxin.

تحدث معظم حالاتِ المرضِ بسبب تكرارِ جزءٍ من هذه المورّثة –يُرمز له GAA- لمئات أو حتى آلاف المرات المتتالية، مقارنة مع الحالة الطبيعية التي لا يتجاوز التكرارُ فيها عادةً الـ22 مرةً، مما يؤدي إلى تخريب وظيفةِ البروتين، بحيث تتناسب شدةُ المرضِ مع عدد مراتِ التكرار.

ويعود التفاوتُ الكبيرُ في المظاهر السريريةِ والعمرِ الذي يبدأ فيه المرضُ ومدى الإصابةِ العصبيةِ وشدةِ المرضِ، إلى درجة التكرارِ في ثلاثية النكليوتيد GAA.

لكن تبقى هناك نسبةٌ قليلةٌ من المرضى لديهم طفرةٌ نُقَطِيّةٌ في هذه المورثة.

يوجد بروتين frataxin في المتقدِّرات الخلوية mitochondria (المسؤولة عن توليد الطاقة في الخلية)، حيث تبقى وظيفتُه غيرَ معروفةٍ بدقة، ولكن يبدو أنها تتدخل باستتبابِ الحديدِ داخلَ الخلية، فبدون مستوىً طبيعيٍّ من هذا البروتين تفشل بعضُ الخلايا بتصنيع الطاقةِ ويحدث تراكمٌ لمواد سامةٍ داخل الخليةِ مما يؤدي لحدوث أذيّةٍ تأكسديةٍ oxidative damage. كما قد يتفاعل الحديد المتراكمُ داخلَ الخليةِ مع الأكسجينِ مما يعطي جذوراً حرةً free radicals تزيد من أذية هذه الخلايا.

يؤثر هذا الخللُ بصفةٍ رئيسيةٍ على الخلايا العصبيةِ والقلبيةِ، حيث تتأثر الخلايا العصبيةُ الحسّيةُ المسؤولةُ عن الحسِّ العميقِ proprioception بشكل باكرٍ وشديدٍ، ولذلك يُعدّ الرَّنَح الذي تسببه إصابةُ هذه الخلايا من أولى تظاهراتِ المرض.

الأعراض:

عادة ما يبدأ المرضُ بالرنح (أي المشية المتمايلة)، ولكن يمكن للمرض أن يتظاهر كجَنَف (اعوجاج في العمود الفقري) Scoliosis أو قدم مقوّسة pes Cavus قد تسبق الإصابةَ العصبيةَ بسنوات.

العلامات العصبية:

- رَنَحٌ متَرَقٍ في الأطراف والمشية.

- استجابةٌ بالانبساط للمنعكس الأخمصي.

- الرتّة (كلامٌ بطيء وثقيل) Dysarthria.

- فقدانُ المنعكسات.

- ضعفٌ للجملة الهرميةِ في الطرفينِ السفليّين.

- فقدانُ حسِّ الوضعيّةِ والاهتزازُ في المفاصلِ في الطرفين السفليَّين.

- اضطراباتٌ سمعيةٌ وبصريةٌ (ضمور عصب بصري أو الرأرأة).

تظاهرات سريرية أخرى:

- جَنَف مع قدمٍ مقوسة متناظرةٍ في معظم المرضى.

- اعتلالُ عضلةٍ قلبيةٍ ضَخَامِي Hypertrophic cardiomyopathy في 75% من المرضى، واضطرابات في نقل الإشارةِ الكهربائية في القلب في 10% منهم، حيث قد يتظاهر ذلك بألم في الصدر وضيقِ تنفسٍ والشعورِ بالخفَقان.

تعدّ هذه الاضطراباتُ القلبيةُ نادرةً، وعادة ما تتظاهر في وقت متأخر من المرض.

- الداء السكري في حوالي 10% من المرضى.

يفقد معظم المرضى قدرتَهم على المشي بعد 15 سنةً من تشخيص المرضِ، مع متوسطِ حياةٍ يصل ل 40-50 سنةً مع اختلافٍ واسعٍ في الحالات الفرديةِ، فقد يصل المريض حتى عمر الـ 70 سنة في بعض الحالات.

وتعد الاضطراباتُ القلبيةُ من أشيع أسبابِ الوفاةِ بالمرض.

التشخيص:

يُوضَع التشخيصُ بعد فحصٍ عصبيٍّ دقيقٍ متضمّنٍ للقصة المرضية المفصّلةِ مع فحصٍ جسدي يبحث عن فقدان التوازنِ والحسِّ العميقِ وفقدانِ المنعكساتِ وعلامات المرضِ العصبية. ويتأكّد التشخيص بشكل نهائيٍّ عن طريق الفحصِ الوراثي، مع إمكانية الاستعانةِ بفحوصٍ متمِّمةٍ تعطي صورةً عن درجة الإصابةِ، مثل تخطيطِ القلب الكهربائي وتصوير القلبِ بالأمواج فوق الصوتية وتخطيطِ العضلات الكهربائيِّ، وفحوصٍ مثلَ التصويرِ بالطبقيِّ المِحْوري والمرنانِ لنفي الأمراض الأخرى التي قد تعطي صورةً سريريةً مشابهة.

العلاج:

للأسف بسبب كونِ المرضِ مرضاً تنكُّسياً للجملة العصبية فلا يتوفر له علاجٌ شافٍ. وتتوجه الجهودُ الطبيةُ لعلاج الأعراضِ والاختلاطاتِ بما يساعد المرضى على تحقيق حياةٍ فعّالةٍ وظيفياً، وذلك بوصف الأدويةِ لمرض السكري والمرض القلبيِّ المرافقِ إن وُجِد، واستخدامِ السِنادات braces أو إجراء الجراحات المصحّحة للجنف والتشوّه القدمي. كما يساهم العلاج الفيزيائي في إطالةِ مدة الاستخدامِ الفعال للأطراف.

ومن ثَمّ فالتعاملُ مع المرض بحاجة لفريق متعددِ الاختصاصاتِ يتضمن اختصاصيين بالطب الداخلي العصبي والقلبي، وأخصائيَّ وراثةٍ ومعالجين فيزيائيين ومعالجين مختصّين بالكلام واللغة مع دعمٍ من اختصاصيين اجتماعيين.

الأمل بالمستقبل:

مع استمرار الدراسات السريرية من قبل العلماء والأطباء، يحمل المستقبلُ أملاً كبيراً بإيجاد علاجٍ للمرض عن طريق تحقيقِ فهمٍ أعمقَ لدور بروتين frataxin في المرض، مع توضيحٍ أكبرَ للدور الذي تلعبه عيوبُ استقلابِ الحديدِ في الآليّة المرضية.

وبناءً على الفهم الوراثيِّ لآليّةِ المرضِ الذي تم تحقيقه إلى الآن، تُجرى العديدُ من الدراسات الموجهةِ لإيجاد علاجٍ مخفِّف أو شافِ للمرض. نذكر منها دراساتٍ موجهةً لاستخدام مواد مضادةٍ للأكسدة antioxidants لتحييد الأذيّة التأكسدية، ودراساتٍ أخرى تتوجه لدراسة إمكانيةِ إزالةِ الحديدِ الزائدِ من مُتَقَدِّرات الخليةِ العصبية، أو زيادةِ كميةِ بروتين frataxin من خلال العلاجِ الدوائيِّ والهندسةِ الوراثية وأنظمةِ إيصالِ البروتين المباشرة.

المصادر:

هنا

هنا

هنا

هنا

حقوق الصورة:

هنا

هنا

هنا