الطب > مقالات طبية

دراسةُ العواقبِ الكيميائيّة الحيويّة للتّقبيل تفوزُ بجائزة

بحثٌ مثيرٌ للضّحك.. حسناً فكِّر ثانيةً!

هل صدفَ وأنْ قرأتَ بحثاً أثار سُخريتك؟ عليك إذاً أن تتعرَّف على جائزة IG Noble، الجائزة المخصّصة للأبحاث التي تُضحِك النّاس ومن ثمَّ تجعلُهُم يفكِّرون.

إنَّ جائزة IG Nobel هي جائزةٌ تُحاكي جائزةَ نوبل محاكاةً ساخرة، يتمُّ فيها اختيارُ عشْرةِ أبحاثٍ أو إنجازاتٍ غريبةٍ، قد تبدو غير قيّمةٍ في المجالاتِ العلميةِ المختلفة، وتُعلن أسماءُ الفائزين في شهرِ تشرين الأول من كلِّ عامٍ وذلك في احتفالٍ في جامعةِ هارفرد. ويقولُ القائمون عليها أنَّ الهدفَ منها، هو تكريمُ الإبداعِ والإبتكارِ وتشجيعُ الناسِ على الاهتمامِ بالعلم، الطّب والتكنولوجيا.

أطلق مارك أبراهام هذه الجائزة عام 1991، وتم اشتقاقُ الاسم من كلمتيّ ignoble (بمعنى وضيع أو تافه) وNobel Prize، مع بعض التلاعب بالأحرف لتصبح Ig-Nobel Prize.

يتم اختيارُ الأبحاثِ الفائزةِ في العديد من المجالاتِ منها الفيزياء، الكيمياء، الفيزيولوجيا، الطب، الأدب والهندسة. وفي هذا المقال سنتحدث عن البحث الفائز في مجال الطّبِ في احتفال عام 2015، حيث كانَت الجائزةُ مُشاركةً بين فريقين، الأوّلُ منَ اليابان والثّاني منَ سلوفاكيا، وكانت أبحاثُ هذين الفريقين تَصبُّ في الفوائد أو النتائج البيولوجية والطبية للقبلات الحميميّة وغيرها من أشكال التواصل العاطفيّ بين الأزواج.

توصَّل الفريق الأول (هايجيمي كيماتا من اليابان) في دراسةٍ قام بها عامَ 2003 إلى أن التّقبيلَ يقللُ الارتكاس التحسسي البِثريَّ للجلدِ ويَخفِضُ مستوياتِ بروتينات البلازما المُغذية للخلايا العصبيّة (وهي البروتيناتُ التي تعمل على تحفيزِ نمو النهايات العصبيّةِ عند الجنين وتحمي الخلايا العصبية من الدُّخول في الموت الخُلوي المبرمج عند البالغين).

تمَّ دراسةُ هذه التأثيرات على ثلاثينَ مشتركاً سليماً، وثلاثينَ مشتركاً مصاباً بالتهاب الأنف التّحسسي، وثلاثينَ مشتركاً مصاباً بالتهاب الجلد التأتُّبي، جميعُ المصابينَ بالتهاب الأنف التحسسي والتهاب الجلد التأتبي كانت لديهم حساسيةٌ تجاهَ العثِّ المنزلي وغبارِ طلع الأرز الياباني، جميعهم كانوا يابانيّين ولا يمارسونَ التّقبيل بشكلٍ اعتيادي.

قام المشتركون بالتقبيل بحريةٍ لمدَّة ثلاثينَ دقيقة مع زوجاتهم في غرفةٍ معزولةٍ مع بعضِ الموسيقى الهادئة، وتم إجراءُ اختبارِ الجلد التحسسي بالوخز قبل وبعد التقبيل – باستخدام مستحضراتٍ تجاريةٍ تسبِّبُ الحساسيّةَ إمَّا من العث المنزلي، غبارِ طلعِ الأرزِّ الياباني، الهيستامين أو محلولٍ معياريّ – ومن ثمَّ قياسِ البثور الناتجة. وفي الوقت ذاتِه تمَّت معايرةُ بروتينات البلازما المغذيَّة للخلايا العصبيّة لدى المشتركين.

بيَّنت النّتائجُ أنَّ التقبيل، خفَّف بشكلٍ ملحوظٍ من البُثورِ الناتجة عن العثِّ وغبارِ طلع حبوبِ الأرز، بينما لم تتأثر البثور الناتجة عن الهيستامين، كما أنَّ عياراتِ بروتينات البلازما المغذية للخلايا العصبيّة انخفضت لدى المشتركينَ المصابينَ بالتهاب الأنف التّحسسي و التهاب الجلد التأتبيّ ولم تتأثر عندَ الأشخاص الطبيعيين.

اقتَرحت هذه النتائج أنَّ التقبيل له دورٌ في المناعة العصبية عندَ الأشخاص الذينَ يعانونَ من الحساسية.

توصَّل الفريقُ نفسُهُ في العام 2004 في دراسةٍ أخرى إلى أنَّ العلاقةَ الجنسيّةَ بين الزوجين قد تؤثرُ على الفيزيولوجيا المرضيّةِ للأمراض التحسسية. حيثُ تبيَّن أنَّ البثورَ التحسسيَّة الناجمةَ عن العثِّ المنزليَّ وغبارِ طلع الأرز الياباني، قد تراجعت بشكلٍ ملحوظٍ عند المرضى المصابينَ بالتهاب الأنف التحسسي أوالتهاب الجلد التأتبي بعد العلاقةِ الزوجية، بينما لم تتأثَّر تلكَ الناتجةُ عن الهيستامين. أمَّا عند الأشخاص الطبيعيين فلم يكنْ للعلاقةِ الجنسيّة بين الزوجين أيُّ تأثيرٍ على البثور الناجمة عن الهيستامين (مع العلمِ أن كلاً من العثِّ المنزلي وغبار طلع الأرز لا يسبِّب حساسيةً عندهم).

وفي العام 2006 نشرَ الفريقُ اليابانيُّ دراسةً تفيدُ بأنَّ التقبيلَ يُخفِّضُ بشكلٍ انتقائيٍّ إنتاجَ الغلوبولين المناعيّ IgE المتعلقِ بردِّ الفعل التحسسي عند المرضى المصابين بالتأتّب. وبالتالي قد يقلِّلُ من الأعراضِ التحسسية الناتجةِ عنه عند هؤلاء المرضى .

تمَّ في الدّراسةِ إشراكُ أربعةٍ وعشرينَ مريضاً مصاباً بإكزيما الجلد التأتبية المعتدلة وأربعةٍ وعشرينَ مريضاً مصاباً بالتهابِ الأنف التحسسي المعتدل، حيث تبادل المشاركون القبل مع زوجاتهم لمدة ثلاثينَ دقيقة في غرفٍ معزولة، وقام الباحثون بفصل الوُحَيداتِ (أحدُ أنواعِ الكريّات البيض في الدم) من دمِ المرضى قبل وبعد التقبيل مباشرةً، وقياس إنتاج السيتوكينات والغلوبولين المناعيّ IgE.

وتوصَّل الباحثون إلى أنَّ التقبيل يُخَفِّضُ من إنتاج شكلٍ محددٍ من الغلوبولين IgE بشكلٍ انتقائيٍّ ويدفع الخلايا إلى إنتاجِ سيتوكينات تحرض تشكيل كريّاتِ دمٍ بيضاءَ مساعدةٍ منَ النّمط الأول (Th1).

أمّا في الدراسة التي قام بها الفريق السلوفاكي في عام 2014 تمَّ إشراك اثني عشَرَ زوجاً من المتطوعين، حيث تمَّ أخذُ عيناتٍ من لعاب النساء بفواصلَ متباينةٍ بعد التقبيلِ الحميميِّ مع أزواجهنَّ لتقييمِ وجودِ الحمض النووي الريبيّ DNA الخاص بالأزواج، ثمَّ أُخضِعت العيناتُ لاختباراتٍ عاليةِ الحساسيّة - كتحري المورثتين SRY و DYS الخاصتينِ بالصبغيِّ Y الذكوري - وتبيَّنَ أنَّ الجينوم الذكوري يبقى قابلاً للكشف لمدَّةٍ تختلفُ من عشْرِ دقائقَ وفي بعض الحالاتِ حتى ستينَ دقيقةً بعد التقبيل. وبطريقةٍ أُخرى تمَّ إجراء اختباراتٍ تعتمدُ على التّشخيص بواسطةِ تفاعلِ سلسلةِ البوليميراز Y-STR PCR، والتي استطاعَت كشفَ الـDNA الذكوريّ وتسلسل بوليميراز الـ Y-STR، حتى بعدَ ثلاثينَ دقيقةً من التقبيل.

إنَّ الاختباراتِ الجينيّةِ التي استخدمها الباحثونَ في هذه الدراسةِ يتمُّ استخدامها بشكلٍ واسعٍ في قضايا الاغتصابِ و الاعتداءِ الجنائيّة من أجلِ الكشف عن هويّةِ المجرمين، وبما أنَّ المجرم في كثيرٍ من الحالات يمكنُ أنْ يُجبر ضحيّته على التقبيل، فقد جاءت هذه الدراسة لتؤكِّد أنَّ DNA المجرم يمكن أنْ يبقى لفترةٍ محددةٍ في لُعابِ الضحيّة وبالتّالي يمكنُ عزلُهُ بعد أخذ العيناتِ السريعةِ واستخدامُه كدليلٍ هامٍّ في هذه القضايا.

ختاماً، لابدَّ أنَّ بعضَ هذه الدراسات قدْ أثارت استغرابَك أو حتى جعلتك تضحك! لكنَّها في النّهاية قد حصلَت على جائزة IG Nobel، لذا فكّر ثانيةً.

المصادر:

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

حقوق الصورة:

www.networkworld.com