المكتب الإعلامي > مقابلات

الباحثون السوريون في حوار مع الدكتور والباحث السوري مروان الحلبي

الدكتور والباحث السوري مروان الحلبي مدير مشفى الشرق ، أول باحث ومحاضر سوري في مؤتمرات جمعيات الخصوبة العالمية IFFS والأوروبية ESHRE والأمريكية ASRM والشرق أوسطية MEFS.

يسميه البعض دكتور الأمل ومحقق الأحلام، فهو يساعد الكثير من الأزواج ممن يعانون من عسر الإنجاب على إتمام رحلة البحث عن نعمة الأطفال وتحقيق أجمل تجربة حياتية وإنسانية في هذا الكون، فيعطي لحياتهما طعماً جديداً يتمناه كل زوجين في بداية مشوار حياتهما الزوجية من خلال مساعدتهم على أن يحظوا بمولود جديد، يحمل خصائصهما الجينية.

كان لنا معه هذا الحوار :

1- الباحث الدكتور مروان الحلبي، نرحب بكم اليوم في مبادرة "الباحثون السوريون" وأشكر تجاوبكم السريع معنا، أنت من الشخصيات الهامه التي تعتبر أمل كل زوجين يعانون من عسر الإنجاب ، فهل تعرفنا عن نفسك كإنسان قبل أن تكون طبيباً ؟

- وُلدت في مدينة القنيطرة عام 1964 ودرستُ في المدارس التابعة لها، متزوج من الدكتورة سوسن السماوي و لديّ ولدان نورس ومحمد يدرسان الطب البشري بدمشق.

2- درستَ في سوريا وفرنسا الطب، هذه مغامرةٌ كبيرة في مستقبل الإنسان، هلّا تحدثنا كيف بدأت الدراسة في الخارج وما هو سبب اختصاصك في طب الإخصاب ؟

- درستُ الطب في جامعة دمشق وكذلك حصلت على الدراسات العليا في التوليد وأمراض النساء منها وكنت الأول على دفعتي، ثم عُينت معيداً في كلية الطب حيث أُوفدت الى فرنسا وتخصصت بالإخصاب خارج الجسم (أطفال الأنابيب) ومعالجة العقم والجراحة التنظرية للعقم وحصلت على المؤهل العلمي العالي المطلوب للتعيين في عضوية هيئة التدريس.

لقد عشقت اختصاص العقم والإخصاب منذ بداية حياتي العمليّة التي انطلقت في عيادة متواضعة في ضواحي دمشق وشعرت بمعاناة هؤلاء المرضى فكان طموحي تطوير نفسي في هذا الاختصاص، وبالتالي زرع الأمل ورسم البسمة على وجوههم وحل مشكلاتهم الطبية والنفسية والمجتمعية.

3- معظم الأطباء ممن سافروا إلى الخارج اتخذوا من دول المهجر وطناً جديداً لهم لماذا اخترت العودة إلى سوريا ؟

- سوريا العظيمة هي التي ترعرعت في ربوعها والتي منحتني كل شي من العلم والحب والحياة، لذلك لم أتردد يوماً في العودة الى أحضانها، وخدمتي لوطني هي الوسام والشرف الذي أفتخر به دوماً.

4- يتميز الدكتور الحلبي بأنه من الأطباء الذين يتعاملون بمحبه مع مرضاه وطلابه وعندما نصل لقضية عسر الإنجاب فهي تُعتبر من القضايا الحساسة التي تؤثر على استقرار الحياة الزوجية ، فهل اختصاصك في طب الإخصاب ناتج عن شخصيتك اللطيفة أم أن اختصاصك هو من أثّر في شخصيتك ؟

- في الحقيقة أنني منذ بداية ممارستي العملية للطب أعيش حالة المريض وأشعر بمعاناته وأتألم لألمه وأرتاح لراحته وأسعد لسعادته.

وقد غدا العقم مشكلة عاطفية واجتماعية بقدر ما هو مشكلة طبية، والتي قد تتحول الى معضلة تهدد استقرار الأسرة وتبدّد سعادتها. لذلك أصبح علاجه ينعش الأسرة ويعيد بنائها ويحول دون تفككها مما زاد في إهتمامي بهذا الجانب الإنساني أولاً والطبي ثانياً ومن دواعي النجاح في ذلك التعامل اللطيف مع المرضى واحترام مشاعرهم ورغباتهم بالحمل والإنجاب وبناء الأسرة.

5- مشفى الشرق هو المشفى الأول في سوريا المتخصص في مجال الإخصاب ومعالجة العقم عند الزوجين وأطفال الأنابيب ، هل تروي لنا كيف بدأت وأسّسته وكيف تراه اليوم؟

- بدأت قصة مشفى الشرق منذ عودتي الى الوطن بعد الانتهاء من الاختصاص الدقيق في هذا المجال حيث لم أجد في سورية أي مشفى متخصص بالعقم والإخصاب، فسعيتُ للتعاون مع كل من اقتنع بفكرة هذا المشروع، حيث لم يكن لدي الإمكانيات لإجراء ذلك. وبعون الله تم افتتاح المشفى عام 2002 من أجل الممارسة المثالية لاختصاص العقم والإخصاب وشعوراً من جميع المساهمين بالمسؤولية الطبية والوطنية نحو مجتمعنا، ورغبةً في تخفيف آلام الكثير من الأسر ، وكانت ولادة أول توأم (أطفال أنابيب ) في 17 نيسان عام 2003 م، ليتجاوز العدد الخمسة والعشرين ألفأ من المواليد الجدد بهذه الطريقة حتى الآن.

6- نسمع كثيراً عن حالات العقم فهل تحدثنا عنها أسبابها وهل وصلنا اليوم إلى درجة أن نقول لا عقم بعد اليوم ؟

- لقد ازداد انتشار العقم في السنوات الأخيرة بسبب التبدلات الاجتماعية والديموغرافية والبيئية التي أدت لإبراز مشكلة العقم الى حيّز الوجود بشكل أوضح. ومن هذه العوامل: التغيرات الهامة في دور المرأة في المجتمع، وتقدم سن الزواج، وتأخير الانجاب، وتأثير الأوضاع الاقتصادية المتبدلة، وازدياد انتشار الأمراض المنتقلة بالجنس.

ولكن من حسن طالع البشرية أن ظاهرة انتشار العقم تواكبها ظاهرة أخرى ألا وهي التوسع الكبير في دنيا الطب والتطورات الحديثة في مجال معالجة العقم والقضاء على أسبابه. ولعل اتباع تقانات الإخصاب المساعد طبياً يعتبر آخر سهم في جعبة كثير من الأزواج الناقصي الخصوبة وذلك بعد ولادة لويز براون أول طفلة أنبوب عام 1978 م.

7- هل تشرح لنا بشكل مبسط عن علم الإخصاب وكيف يتم تحديد الزوجين القادرين أو غير القادرين على الانجاب ؟

- الإخصاب خارج الجسم (اطفال الانابيب) التقليدي IVF هو بالتعريف:

اخصاب بويضات الزوجة بنطاف زوجها ضمن المختبر خارج الجسم، والوصول الى أجنة تطورية، ثم إعادة هذه الأجنة الى رحم الزوجة. حيث يتم فحص ومعالجة السائل المنوي للزوج في مختبر الأجنة لانتخاب أنشط النطاف وأقدرها على تلقيح البويضات بحيث لايقل العدد عن مئة الف نطفة متحركة لكل بويضة.

توضع النطاف مع البويضات المتوفرة ضمن حاضنة خاصة تتوافر فيها كافة الظروف الملائمة لتطور الأجنة، وبعد حصول الإلقاح والإنقسام (أي تكون المضغة أو الجنين Embryo ) تعاد الأجنة الى داخل الرحم في مرحلة 2 – 8 خلايا أي بعد يومين أو ثلاثة من سحب البويضات.

تستخدم هذه الطريقة في الحالات التالية:

• انسداد البوقين.

• حالات الالتصاقات الحوضية الشديدة ومريضات الإندومتريوز المتقدم.

• الضعف البسيط والمتوسط بالنطاف (بالعدد او الشكل أو النوعية) بعد فشل محاولات الامناء داخل الرحم.

• العقم مجهول السبب لفترة طويلة.

أما الحقن المجهري لنطفة الزوج ضمن البويضة ICSI

أو ما يسمى Intra Cytoplasmic Sperm Injection ويتم بحقن نطفةٍ واحدة مُنتقاة من مُني الزوج ضمن هيولى بويضة الزوجة بواسطة إبرة مجهرية مرتبطة بمجهر ذي قدرة عالية على التكبير بعد إزالة الخلايا الجريبية العالقة بالبويضة ، وفي حال انعدام النطاف بالسائل المنوي يخضع الزوج لخطوة جراحية لاستخلاصها من البربخ (مكان تجمع النطاف فوق الخصية) أو من الخصية بالذات. ويجري التلقيح المجهري للبويضة بالحالات التالية:

• فشل الإلقاح بالأسلوب التقليدي ( بسبب ثخانة جدار البويضة، اأو أسباب مجهولة...)

• قلّة النطاف الشديدة أو ندرة النطاف (بالتعداد أو الشكل أو الحركة).

• انعدام النطاف بالسائل المنوي سواء كان ذلك إنسدادياً ( بسبب غياب الاقنية الناقلة للنطاف أو انسدادها ) أو إفرازيا ( الضعف الشديد بانتاج النطاف من الخصية ) أو بسبب القذف الراجع .

ويتم تقييم الزوجين بإجراء الفحص السريري والفحوصات المتممة مثل التصوير بالأمواج فوق الصوتية وفحص السائل المنوي والفحوصات الدموية والهرمونية والوراثية.

8- ماهي الأمراض الوراثية وكيف يتم الكشف عنها، ونسمع عن دراساتٍ تطرح نظرية الأطفال المعدّلين وراثياً فهل يُقصد بها الإخصاب المساعد أم هي عملية انتقاء الجينات لبشر أقوى وأفضل ، وهل الفحص المسبق وراثياً للزوجين يمكنه أن يصلح الجينات المسببه للأمراض الوراثيه مستقبلاً عند طفلهم الموعود مثل متلازمة داون ؟

- الأمراض الوراثية هي الأمراض الناجمة عن خلل أو اضطراب على مستوى الجينات أو الصبغيات أو المادة الوراثية. ويتم كشف هذه الأمراض بإجراء الدراسة السريرية والبيولوجية الجزيئية والوراثية الصبغية.

أما عن الأطفال المعدّلين وراثياً فهي أمل واعد للكثيرين ويقصد بذلك آفاق المعالجة الجينية وهذا يعني إمكانية علاج الأمراض الوراثية العائلية بالتأثير على الجينات في مرحلة البيضة الملقحة وبالتالي التخلص من التأثيرات الضارة لها ولتعبيرها المورثي.

وعن الفحص الوراثي قبل التعشيش PGD :

تساعد هذه العملية على التأكد من خلو الاجنة قبل نقلها من الأمراض الوراثية والاضطرابات الصبغية، كما يمكن التأكد من خلو الأجنة من أمراض معروفة عند الأم والأب ( مثل التلاسيميا أو الحثل العضلي ....) مما يساعد في التخلص من هذه الأمراض عند الأجيال الجديدة .

وتتم هذه الطريقة بسحب خلية جنينية واحدة أو إثنتين من مضغة ذات ثمان خلايا ثم أرسالها الى مخبر الوراثة للتشخيص بطريقة FISH او PCR .

9- أنت أستاذ في طب الإخصاب وعلم الجنين والوراثة ورئيس قسم التشريح والنسج والجنين في كلية الطب، جامعة دمشق، مع كل عملكم في المشفى اخترت المحافظة على مهنة التدريس فماذا قدمت لها وماذا قدمت لك ؟

- مهنة التدريس بالنسبة لي هي عشق دائم وهدف كنت أصبو اليه دائماً، وحاليا أجد متعة وسعادة فائقة في نقل المعلومات وتدريس أبنائنا الطلبة وزملائنا في المستقبل. وإعداد هؤلاء الطلبة وتحسين مستوى ممارستهم العلمية هو واجب اخلاقي ووطني.

10- ما هو علم الجنين الذي تدرّسه وماذا يقصد به ؟

- علم الجنين الطبي هو العلم الذي يدرس التطورات والتبدلات التشريحية والوظيفية والهرمونية والإستقلابية بدءاً من مرحلة الزيجوت (البيضة الملقحة) وحتى الولادة.

إن تطور الإنسان عمليّة مستمرة تبدأ عند إخصاب بويضة الأنثى بنطفة الذكر، ثم تتبعها حوادث عديدة مثل الإنقسام الخلوي، الهجرة الخلوية، الإستماتة الخلوية (الموت الخلوي المبرمج)، ثم التطور والتمايز والنمو والترتيب الخلوي، مما يحول البيضة الملقحة (الزيجوت) إلى كائن بشري متعدد الخلايا.

وطب الجنين هو من الإختصاصات الحديثة العهد التي تُعنى بصحة الجنين وكشف الأمراض التي تصيبه أثناء الحمل بشكلٍ مبكّر وعلاجها المبكر وبالتالي تحسين نوعية الحياة للجنين والأم والأسرة جمعاء.

11- سوريا هي الدولة الوحيدة التي تُدرّس الطب باللغة العربية فما تأثيره على تطور المناهج التعليمية وماهي معاناة الطلاب بالنسبة لأقرانهم في الدول المجاورة أو الدول المتقدمة ؟

- في الحقيقة إن تدريس الطب باللغة الأم (وهي اللغة العربية) يؤدي الى فهم أفضل للطلبة أسوة بكل الشعوب العالمية حيث يُدرس الطب بلغة البلد الأم فالصينيون يدرسون الطب باللغة الصينية والفرنسيون باللغة الفرنسية...

أما معاناة الطلاب فهي بالتواصل الخارجي فالواقع إن اللغة الانكليزية باتت تُعتبر لغة الطب المشتركة بكل أنحاء العالم... وقد اقترحتُ سابقاً تدريس مادتين في كل عام دراسي باللغة الإنكليزية كي يتقن طلاب الطب بشكل ممتاز هذه اللغة، علماً أنه بالأجيال الحالية تم تجاوز هذه المشكلة، حيث ان معظم الطلاب يتقنون الانكليزية بسبب ضرورتها بالتعامل مع الشبكة العنكبوتية (الإنترنت).

12 - كيف تقيم اليوم سوريا كدراسات ومشافي من بين الدول في علم الإخصاب ، علماً أن مرضاك يأتوك من عدة دول مجاورة حتى اليوم ؟

- تُعتبر سوريا اليوم رائدة في طب الإخصاب حيث تَطور هذا الفرع من علوم الطب فيها كثيراً. وأصبحت نسبة نجاح الحمل تضاهي النسب العالمية رغم تأخر دخوله نسبياً إليها. إلا أن مواكبة التطورات العالمية لهذا الاختصاص جعلتها في مقدمة الدول وأصبح المرضى يأتون من كل الدول المجاورة اليها.

13- اليوم نرى الكثير من الأطباء اختاروا الرحيل عن سوريا بسبب الحرب ، لماذا اختار الدكتور مروان الحلبي البقاء ؟

- اخترت البقاء في وطني سوريا لأن الوطن ليس فندقاً خمس نجوم عندما يصبح نجمتين نرحل عنه، الوطن يا أحبائي هو أكبر من ذلك بكثير والإنسان بلا وطن هو بلا كرامة مهما كانت الظروف والصعوبات.

14- ماهي آخر بحوثك فيما يخص علم الوراثة والخلل الجيني وعنا ماذا يتحدث بشرح مبسط لو تكرمت ؟

- آخر الأبحاث التي أجريتها ونُشرت في كل محركات البحث العالمية مثل ...PubMed – Medline: هي دراسة الأسباب الصبغية والجينية لانعدام النطاف عند الذكور الناقصي الخصوبة High prevalence of genetic abnormalities in Middle Eastern patients with idiopathic non-obstructive azoospermia

وكذلك قدمت دراساتٍ عديدة على متغيرات السائل الجريبي وعلاقته مع نتائج الإخصاب مثل الهرمون المضاد لموللر والليبتين والعامل المنخر للورم ...

15- هل يوجد مشاريع مستقبلية حالياً لمزيد من التطوير لمشفى الشرق ؟

- المشاريع المستقبلية بعد تعافي الوطن بإذن الله ستكون أولاً في مجال التشخيص الوراثي قبل التعشيش لكشف الأجنة المصابة بأمراض وراثية كالتلاسيميا وفقر الدم المنجلي وداء ليبر (العمى...) وإرجاع الأجنة السليمة وبالتالي تحسين نوعية الحياة للأسرة والوقاية من استمرار الأمراض الوراثية بمجتمعنا.

16- كلمة أخيرة لمبادرة "الباحثون السوريون" علماً أن المبادرة من متطوعيها عدد من طلاب الطب والأطباء والمختصين في علوم الوراثة والجينات ::

- كلمتي الأخيرة أن نصمم على البقاء والتطوير رغم الصعوبات فلا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس. مع فائق شكري وإحترامي لفريق ((الباحثون السوريون)) على هذه المبادرة العلمية اللطيفة.

كل الشكر لك دكتور مروان الحلبي على اللقاء الهام جداً معنا في مبادرة الباحثون السوريون ...

المكتب الإعلامي