العمارة والتشييد > التصميم العمراني وتخطيط المدن

الاستبدال الطبقي – مشاكل وحلول

تحدثنا في المقال السابق عن مصطلح الاستبدال الطبقي وتعرضنا لمجموعة من الحالات التي تم فيها هذا الاستبدال في مدن الشرق والغرب، كما استعرضنا رأي المعارضين لهذا الاستبدال. وسنناقش في مقال اليوم هذه الآراء إضافة إلى الحلول المقترحة في مواجهة الاستبدال الطبقي.

إن موضوع الاستبدال الطبقي معقد، حيث يقوم المناهضون لحركة الاستبدال الطبقي بالتحريض على الوصول إلى النتيجة ذاتها (ارتفاع الأسعار) عندما يمنعون تنفيذ مشاريع سكنية عالية الكثافة. فهم يعتقدون أنه سيتم تدمير حدائق وأحياء المدن لإقامة المجتمعات الذهبية التي تمتاز بالأبراج المذهلة الشاهقة الارتفاع والحدائق الخاصة الغناءة التابعة لها. لكن الحقيقة أن عدم تنفيذ مشاريع سكنية جديدة، يكون سبباً مهماً في بقاء أسعار المنازل باهظاً جداً. وبالفعل نجد أن سياسات الحركات المناهضة للاستبدال الطبقي تؤذي سكان المناطق ذات الدخل المحدود في مدينة سان فرانسيسكو عوضاً عن مساعدتهم. فحسب رأي Mark Hogan الذي عرضه في مجلة Boom "أنّ الإبطاء الشديد في تنفيذ مشاريع البنية التحتية في سان فرانسيسكو سيفيد فقط قلة قليلة من الناس، أما خطره الأكبر سيكون احتمالية تحول المدينة إلى صورة كاريكاتورية عن ماهيتها السابقة ملائمة فقط لفئة محدودة من السياح والمقيمين الأغنياء للدرجة التي تسمح لهم بتحمل نفقات العيش في مدينة أشبه بالخيال منها إلى مدينة حية واقعية."

فحرمان مدينة سان فرانسيسكو من تلبية المتطلبات الخاصة بالسكان الجدد، تجعل المدينة في خطر التحول إلى مكان لا يستطيع سوى الأغنياء المعيشة فيه. ونتيجة للخوف من الانتهاء للنتيجة نفسها التي وصل إليها سكان مدينة إسطنبول وذلك في العيش ضمن تجمعات سكنية شاهقة، توجه نشطاء سان فرانسيسكو إلى النقيض الآخر، والنتيجة في كلا الحالتين هي إقصاء الفقير خارجاُ للإفساح المجال للغني.

انطلاقاً مما سبق يتوجب على مدننا إيجاد حل وسط وطريق جديد ما بين المدينة القديمة المهدمة في طارلاباشي وبين المدينة الخيالية ذات الأسعار المجنونة في منطقة ميشين.

لا يمكننا التغيير من حقيقة أنّ الاستبدال الطبقي في مدينة يتم دائماً بسبب هجرة الأغنياء أصحاب رؤوس الأموال إليها. في بعض الأحيان تدفع الحكومة باتجاه هذا التغيير العمراني، كما في حالة إسطنبول، وفي حالات أخرى تحاول الحكومة التصدي لهذا التغيير والحد منه، كما يحصل في سان فرانسيسكو. لكن في كلا الحالتين، توجد طبقة مهاجرة غنيّة مالكة لقوة اقتصادية مهمة تساعدها على امتلاك أراضي وشراء عقارات والاستثمار فيها بالوقت الذي يتعذر على السكان المحليين مجاراتهم. فالمال في النهاية يعيد صناعة المدينة.

لكن عند اختلاف عدة مجموعات مهاجرة مع بعضهم البعض لإعادة صياغة المدينة وفق المتطلبات والاحتياجات والنظرة المستقبلية لكل مجموعة، يكون الاستبدال الطبقي واحداً من أهم النتائج الممكنة الحدوث. إلا أنّ هناك نتائج أخرى إذ يمكن للمخططين العمرانيين أن يتمكنوا من إدارة وتوجيه التنمية العامة للمدن، بشكل يحافظ على كافة الأحياء والتنوعات الطبقية بدون طرد أحد المجموعات أو الفئات خارجاً. وقد كشفت دراسات حديثة أنّ إنشاء أحياء مقسمة حسب فئات دخل أفرادها يقلل من الانتقال ، لكنها في ذات الوقت تدعم الانقسام الاجتماعي، في حين أنّ منع التقسيم الطبقي للأحياء يجب أن يستحوذ على الأولولية فوق أي شيء آخر.

الحل يكمن في تعديل موقفنا تجاه الهجرات القادمة إلى المدينة. فعوضاً عن تسمية المهاجرين بالغرباء ،علينا الترحيب بأفكارهم الجديدة ورؤياهم المعاصرة ومخزونهم الثقافي الحضاري التاريخي المكمّل- بل وحتى ضخ الأموال الذي يأتي معهم. إن ابتلاع المدن الكبرى في القرن الواحد والعشرون ببنياتها وأًسسها الضخمة لمدن القرن العشرين، يفرض علينا إفساح المكان لجميع المهاجرين الأغنياء والفقراء على حدٍّ سواء. والجريمة الحقّة تكمن في التضحية بأحدٍ ما لإفساح المجال أمام الآخرين.

إن الواقع الحالي يفرض علينا كمعماريين ومخططين مدن إيجاد حلول لتلبية المتطلبات المعيشية والتقنية والتكنولوجية، التي على الرغم من إدعاء البعض أنها رفاهية، أصبحت ضرورة حياتية يومية. فعلينا الحفاظ على التعدد الطبقي الذي يُغني واقع مجتمعاتنا ويجعل منها بيئات صحية للمعيشة ضمنها ومحاربة كل متطرف يسعى إلى إقصاء طرف على حساب طرف آخر، تكون نتيجته خسارات فادحة في حق مدننا وبلادننا.


المصدر:

هنا