البيولوجيا والتطوّر > الأحياء الدقيقة

بكتريا تساهم في إنتاج السيروتونين

لا يخفى على أحدٍ الدور العظيم الذي تقوم به البكتريا المعوية في إنتاج بعض الفيتامينات أو المساعدة في عملية الهضم وغير ذلك مما يصبّ في مصلحة أجسامنا، وها نحن اليوم أمام بحثٍ جديدٍ يكشف لنا النقاب عن وظيفة أخرى يقوم بها أصدقاؤنا المجهريون المتعايشون معنا، فقد وُجِدَ أنّ 90% من السيروتونين في الجسم يتمّ تصنيعه في الجهاز الهضمي، والسيروتونين هو ناقلٌ عصبيّ يلعب دوراً هاماً في جسم الإنسان ويؤدي تغيّر مستوياته إلى اضطراباتٍ مختلفةٍ مثل متلازمة القولون العصبي وأمراض القلب والأوعية الدموية وهشاشة العظام.

السيروتونين مادة كيميائية موجودة في جسم الإنسان، تساعد على انتقال السيالات العصبية في المشابك العصبية (مناطق التقاء النهايات العصبية مع بعضها البعض). يوجد بشكلٍ أساسيّ في الدماغ (يعمل كناقل عصبي)، كما يوجد في الأمعاء والصفائح الدموية. يُعتقد أنّه يلعب دوراً في تقلُّص العضلات الملساء و نقل النبضات العصبية بين الخلايا العصبية وتنظيم العمليات الحيوية الدورية بالإضافة إلى دوره في تعديل المزاج. ومن الجدير بالذكر هنا أنّ نقص السيروتونين يؤدي إلى الاكتئاب.

من المهم أن نعلمَ أنّه ثمّة ثلاثةُ أنواعٍ من الخلايا التي تنتج السيروتونين في القناة الهضمية وهي الخلايا المناعية والخلايا العصبية، إضافةً إلى الخلايا المعوية أليفة الكروم enterochromaffin أو (EC). تتناول الدراسة التي نحن بصدد الحديث عنها تأثير البكتريا في القناة الهضمية على إنتاج خلايا (EC) للسيروتونين.

يهدف البحث إلى معرفة أمرين أساسيين؛ الأول هو ما إذا كان لبكتريا القناة الهضمية أيّ دورٍ في إنتاج السيروتونين في القناة الهضمية، وقد بدأ الباحثون أوّل الأمر بقياس مستويات السيروتونين المحيطي في مجموعتين من الفئران الأولى ذات فلورا معوية طبيعية والثانية تفتقد هذه الفلورا الطبيعية (الحمولة الطبيعية من الميكروبات).

فلاحظ الباحثون أنّ البكتريا التي تفتقد الفلورا الطبيعية قد أنتجت السيروتونين بنسبة أقلّ بما يُقارب 60% من نظيرتها التي تمتلك الفلورا، وعندما استُعمِرَت القناة الهضمية لهذه الفئران بالأحياء الدقيقة مجدّداً، عادت مستويات السيروتونين للارتفاع ثانيةً، ما يُظهر أنّ انخفاض السيروتونين يكون قابلاً للعكس.

ووفقاً للدكتورة Jessica Yano المؤلفة الرئيسية للدراسة فإنّ خلايا EC هي مصادر غنية لإنتاج السيروتونين في القناة الهضمية ويعتمد جزء كبير منها على الأحياء الدقيقة.

أمّا الأمر الثاني الذي يهدف البحث للكشف عنه هو الأنواع البكتيرية التي تعيش في القناة الهضمية والتي تؤثر في الخلايا المعوية أليفة الكروم. وقد تبيّن نتيجةً للتجارب التي أجراها الباحثون أنّ وجود مجموعةٍ من البكتريا تضمّ ما يُقارب 20 نوعاً من البكتريا المكوّنة للأبواغ (بنى مقاومة تشكلها البكتريا لأجل تخطي الظروف السيئة) قد عدّل من مستويات السيروتونين عند الفئران التي كانت تفتقد وجود البكتريا، كما وجدوا أنَّ لهذه البكتريا فوائدُ أخرى حيث أنَّها تزيد من حركية الجهاز الهضمي عند الفئران التي أُدخِلَت إليها هذه البكتريا مقارنةً بنظيرتها التي تفتقر إليها وتُحدِث تغيُّراتٍ في نشاط الصفيحات الدموية والتي تعتمد على السيروتونين في تشكيل الخثرة.

ولمعرفة الآلية التي يقوم عليها هذا التعاون الفريد بين البكتريا والمضيف، قام فريق الدراسة بالبحث عن جزيئاتٍ قد تشكّل رأس خيطٍ لفهم الآلية كاملةً، وقد توصَّلوا إلى أنَّ العديد من منتجات الاستقلاب الثانوية لبكتريا القناة الهضمية والتي يتمُّ التحكم بها عن طريق مجموعةٍ من البكتريا المكوّنة للأبواغ، تؤثر على خلايا (EC) لإحداث تغييرٍ في إنتاجها للسيروتونين. وعندما قام الباحثون بزيادة كمية هذه المنتجات الثانوية في الفئران التي تفتقد وجود الفلورا في قناتها الهضمية، نتج عن ذلك زيادةٌ في مستويات السيروتونين المحيطي.

تُظهِر دراساتٌ سابقةٌ أنّه بإمكان بعض أنواع البكتريا أن تنتجَ السيروتونين بمفردها ـ أي أنَّ مهمتها لا تقتصر على تحفيز خلايا في الجسم لإنتاج السيروتونين بل تستطيع إنتاجه من تلقاء نفسها ـ إلّا أنّ الدراسة التي نحن بصددها الآن تُظهر أنّ معظم السيرتونين في الجسم يعتمد على تآثر البكتريا مع جسم مضيفها لإنتاجه.

ونظراً لأهمية السيروتونين لصحة الإنسان فإن الدكتورة Elaine Hsiao المؤلفة الرئيسية للدراسة تحذِّرُ من تطبيق هذه النتائج عملياً قبل إجراء المزيد من الأبحاث، حيث من الممكن أن تكون زيادة السيروتونين ضارّةً في بعض الحالات. إضافةً إلى أنّه قد يكون للبكتريا التي تمّت دراستها تأثيرات أخرى لم يتم اكتشافها بعد.

المصادر:

هنا

هنا

هنا