البيولوجيا والتطوّر > التطور

البونوبو Bonobo، محطّةٌ أُخرى على طريقِ حلِّ ألغازِ اللّغةِ وتَطوُّرِ النُّطقِ عندَ الإنسان

ينتمي البونوبو Bonobo (الاسم العلمي Pan pansicus) إلى فصيلةِ القرود. ويعدّ الشِّيمبانزي قريبه الأوثق صلة مع وجودِ بعضِ الاختلافاتِ في الشكلِ والعلاقاتِ الإجتماعيَّةِ. حيثُ يزِنُ ذكَرُ البونوبو البالغُ حوالي 45 كغ و يبلغُ منَ الطّولِ 131 سم و تزنُ الأُنثى البالغةُ حوالي 34 كغ بطولٍ يقاربُ 128 سم. يتميَّز البونبو عن الشّيمبانزي بحجمٍ أصغرَ ووزنٍ أخف، كما تتميّز قردةُ البونوبو بعلاقاتها الإجتماعيّةِ و العائليّة. فتتشاركُ الأُمّهات و أبنائَهنّ الذكور السّلطة في مجتمعهنّ بينما تُغادرُ الفتياتُ اليافعاتُ المجموعةَ بين سنّ السّادسةِ و التّاسعة، ليلتحقنَ بمجموعةٍ أخرى. تتّسِم إناثُ البونوبو بقوّةِ الشَّخصيّة و إمتلاكِ السّلطةِ على أبنائهنّ من الذكور، ويعيش قرد البونوبو حتى سنّ الأربعين.

للبونوبو موطنٌ أصليٌ واحد يقع في جزءٍ من غابات جمهوريّة الكونغو الديمقراطيّة، وعلى الرُغم من التّشابه الشّديد بين الصفات الإجتماعيّة للبونوبو وتلك لدى البشر إلا أنها تعدُّ من القردة المهددة من قبل البشر بحسب القائمة الحمراء للكائناتِ المهدّدةِ بالخطر الصّادرةِ عن الإتّحادِ العالميِّ للحفاظِ على الطّبيعةِ و المواردِ الطّبيعيّة (IUCN)

تُعتبر مجتمعات البونوبو من المجتمعات الأكثر طيبة وتعايشاً. فَهُمُ القردةُ الوحيدةُ التي لا تقتلُ والمعروفةُ بالقردة التي "تمارسُ الحبَّ لا الحرب"! بعكسِ قردةِ الشّيمبانزي التي تُنهي جميع خلافاتها بالقتال. وتعكسُ البونوبو في تصرفاتها طَبيعتَها التّشاركيّةِ والإجتماعية فتتشاركُ المواردَ وتتعاطفُ مع أيّ قردِ بونوبو غريب.

عند مراقبة قردةِ البونوبو في موطنها الأصلي، لوحظت لغةٌ للتواصلِ تَستخدمُها هذه القردة للتحدّث في مواضع مختلفة كتلك عند تناولها للطعام أو عند الاستراحة أو عند الشّعورِ بالخطر...إلخ. صوت "الزقزقة" أو "التصفير" هذا أقرب ما يكون إلى لغة الرُّضَّعِ عند البشر، وهو صوتّ حادٌّ بتردداتٍ عالية يصدر من البونوبو بفمٍ مُطبق ولفترة زمنيةٍ قصيرة.

قام الباحثون المختصّون بمراقبةِ هذه الأصوات الصّادرة عن البونوبو في حالاتٍ متعدّدةٍ كتلك عند إيجاد الطّعامِ أو في حالة الترحال أو عند التنبّه للخطر، وأوضحوا في دراسةٍ نُشرت في مجلّة Peerj في شهرِ آب من العام الحالي بعنوان “Functional flexibility in wild bonobo vocal behavior”، أن قردة البونوبو قد أصدرت أصواتاً مختلفةً بشكلٍ أو بآخر في كلّ مرّة وفقاً لسياقِ الحديث.

تلقي هذه الدّراسةُ الضّوء على النظريّة التي تقترحُ وجود رابطٍ بين لغةِ الرّضَّعِ عندَ البشر وبين التطوّرِ الوظيفيِّ للّغةِ عند البشر. فكما طوّرت هذه الحيواناتُ الرئيسيّة طُرُقاً لإستخدام أصواتها بتردّداتٍ مختلفةٍ بحسب سياقِ الحديث أي بحسب حاجاتها و متطلّباتها و كذلك فإنّ الرّضّعَ عند البشر يستخدمون لُغتهم الخاصّة قبل البدء بالنّطق، ويعبّرون بطريقتهم عن استيائهم أو عن رغبتهم باللّعب أو عن العديد من المشاعِرِ و الآراءِ الأُخرى.

قبل القيام بدراساتٍ متخصّصةٍ ودقيقةٍ كهذه اعتقد العلماء أن أصواتَ التصفيرِ عند البونوبو متعلّقةٌ بالطعامِ فقط. لكنّ التعمّقَ في مراقبةِ الإشاراتِ الصّوتيّة الصّادرةِ عنها أظهرَ تنوّعاً وظيفيّاً متعلّقاً بسياقاتٍ سلوكيّةٍ متنوّعة، وهذا ما يبرهن على وجود التّنوعِ نفسه عند لغة الرّضع عند البشر.

قد توجد صلةٌ أوطد بين الأصوات التي تصدرها الحيواناتُ الرئيسيّةُ للتواصل و بين اللّغة التي نستخدمها نحنُ البشر، وما تقترحه الدراساتُ في هذا المجال هو وجودُ مرحلةٍ مرّت بها اللّغةُ تتوسّطُ مجموعة الإشارات الصّوتيّة التي تستخدمها تلك الحيوانات من جهة واللّغة التي يستخدمُها البشر من جهة ثانية. وفهمنا الأعمق لهذه المراحل سيساعدنا على فهمِ أصلِ اللّغةِ و الهدف من استخدامها، وعندها لعلّنا لن نقف حائرينَ أمام رضيعٍ يحاوِلُ التّعبيرَ عن سوءِ مُعاملتِهِ أو عن طعمِ الطّعامٍ الرّديءِ أو عن رِضاهُ عن حرارةِ المياه في حوضِ الإستحمام.

المصادر:

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا