كتاب > روايات ومقالات

يوتوبيا: المدينة التي لا تشبه معناها

أن يبلغَ المواطنُ المنتمي ليوتوبيا السادسةَ عشرَ فهذا يعني أنه قد تجاوزَ مرحلة الانغماسِ في كلّ مُتع الحياة وانتهى، ليصبحَ أيّ شيءٍ في نظره أمراً روتينياً مملاً، لذا يلجأُ البعض بين الحين والآخرِ إلى كسرِ الروتين بتجربة "الصيد". لكنه صيدٌ من نوعٍ اخرَ لا علاقةَ للحيوانات به، بل هو صيدُ البشر القابعين خارج مدينتهم!

نعم، فبالنسبةِ لهم لا قيمة للبشر خارج يوتوبيا ولا أهمية لحياتهم، هم مجردُ أشباهِ أحياءٍ يمشون ويقتتلون من أجل البقاءِ على ما تبقى من فتات ما يسمى بالحياة. ثم تقتضي التقاليدُ أن يعودَ ساكنُ يوتوبيا بصيده حياً حتى يتم التسلية به ضمن يوتوبيا، أو ميتاً مع تذكارٍ من جسدِه كرأسِه أو يدِه أو أذنِه.

تبدأ الروايةُ بتسليطِ الضوء على بطل القصة الشابِ اليوتوبيّ المدلل، الذي يطلق على نفسه اسم علاء، وكغيره من اليوتوبيين لم يمنع علاء عن نفسِه أيّ نوعٍ من أنواعِ المتعة بل وحتى المحظورات الأخلاقية حتى أصبح كل شيءٍ مملاً في نظرِه، ليقرّرَ تجربة الصيدِ مع صديقته (جرمينال) التي بدورها لم تمتنع أيضاً عن خوضِ التجارب الطائشة، فالصيد بالنسبةِ لهم تجربةُ العمرِ ليعاينوا إحساسَ (الخوفِ) الذي لم يعرفوه من قبل، ويعودوا منه بتذكارٍ بشريٍّ ثمين.

وينجحُ علاء وجرمينال بالتخفي والهربِ خارجَ يوتوبيا متجهينَ إلى أرضِ الأغيار لتحقيقِ غايتهم بصيدٍ بشريٍّ ثمين، ثم نتابعُ وصولَهم إلى أرض الأغيار، الأرضِ الحاقدةِ على يوتوبيا وأهلها لاستحالة الوصولِ إليها بسبب الحراسةِ المُشدّدة والبعدِ الجغرافي. و أرض الأغيار هذه مكانٌ غريبٌ وقذر، مأهولةٌ بالبشرِ القابعينَ في مؤخرة الهرم البشري حيث لا حقوقَ لهم ولا سلطةَ للقانون، البقاءُ للأقوى، ولايخلو شارعٌ ولا زقاقٌ من المخدرات والرذيلة، وكُلُّ شيءٍ متاحٌ مقابلَ جرعةِ مخدراتٍ أو قليلٍ من المال.

يستطيع علاء وجرمينال قدر المستطاع إخفاءَ هيئتِهم حتى لا يتم تمييزهم، فهم يريدون تنفيذَ المهمةِ بسرعةٍ وسحقَ أحدِ الأغيار واغتنام جزء من جسده والعودة إلى يوتوبيا بأسرع وقت عن طريقِ جهاز الاتصال الذي معهم والذي يمنحُهم السلطةَ لاستدعاءِ طائرة هيلكوبتر من المارينز لتنقذهم. ولكن الأمورَ تجري كما لم يتُمّ التخطيطُ لها، لتتخذَ قصتُنا منعطفاً غيرَ متوقعٍ و يضطرُّ علاء وجرمينال إلى الاستعانة بأحدِ الأغيار الطيبين والذي يُدعى (جابر)، فتطولُ مدةُ بقائِهم بعيداً عن يوتوبيا. وتستمر أحداث الرواية السوداوية لتصدمك الفصول اللاحقة بما لم تتوقعه أبداً كقارئ، فتلقي نظرةً أقربَ على مجتمع الرواية الهش والأسود.

ويعدُّ كاتبُ الرواية (أحمد خالد توفيق) من عباقرة كتُّابِ الرواية المصريين، ويتنبأ بحدوث أحداث روايته في يومٍ ليس ببعيد. ولعل أفضل دليلٍ ندعمُ به هذه المراجعة للكتاب هو المقطع التالي الذي يتربعُ على الغلاف الخلفي لإحدى نسخِ الرواية:

"ها أنتم أولاء يا كلاب قد انحدر بكم الحال حتى صرتم تأكلون الكلاب.

لقد أنذرتكم ألفَ مرة..حكيت لكم نظريات مالتوس وجمال حمدان ونبوءات أورويل وهـ.ج. ويلز.. لكنكم في كل مرة تنتشون بالحشيش والخمرِ الرخيصة وتنامون.

الآن أنا أتأرجح بين الحزنِ على حالِكم الذي هو حالي، وبين الشماتة فيكم لأنكم الآن فقط تعرفون.. غضبتي عليكم كغضبة أنبياء العهد القديم على قومهم، فمنهم من راح يهلل ويغني عندما حاصر البابليون مدينته.. لقد شعر بأن اعتباره قد تم استرداده أخيرًا حتى لو كانت هذه آخر نشوة له.

إنني ألعنكم يا بلهاء، ألعنكم، لكن ما أثار رعبي أنهم لا يبالون على الإطلاق.. لا يهتمون البتة.

إنهم يبحثون عن المرأة التالية ولفافة التبغ التالية والوجبة التالية ولا يشعرون بما وصلوا إليه.

الكتاب: يوتوبيا.

الكاتب: أحمد خالد توفيق.

عدد الصفحات: 192 صفحة.

دار النشر: دار ميريت .

تاريخ الصدور: عام 2008.

ISBN: 9773513912