الهندسة والآليات > التكنولوجيا الطبية

داء السُّكَّري..وداعاً لِألم وخز الإصبع

يُعد الإنسولين خياراً علاجياً حتمياً لبعض المُصابين بمرض السكري بنوعيه الأول والثاني، والذي يعني المراقبة الدائمة لمستوى السكر بالدم.

يسعى العلماء دوماً لتطوير ابتكارات وتقنيات تساعد مرضى السكر في معرفة الوقت الازم لأخذ هرمون الإنسولين دون الحاجة المستمرة لآلام وخز الإبر اليومية، سوف نستعرض في هذا المقال ثلاث ابتكارات حديثة قد تبصر الضوء مستقبلاً لقياس مستوى السكر في الدم دون الحاجة إلى وخز الإصبع.

يعرّف سكر الدم الطبيعي بجسم الإنسان بالغلوكوز، حيث يعتبر هو مصدر الطاقة الأساسي للجسم، ويقوم الجسم بتنظيم مستوى السكر في الدم ضمن عملية تسمى الحفاظ على توازن البيئة الداخلية للجسم.

عملية قياس سكر الدم ولماذا تتم؟

توازن وضبط مستوى السكر في الدم يُعتبر أمر مهم للمحافظة على صحة جسم الإنسان بشكل عام، لأن ارتفاع مستوى السكر عن مستواه الطبيعي أو انخفاضه مصحوب بمجموعة من الأعراض والظواهر والأمراض الخطيرة على صحة الإنسان. تتم عملية قياس السكر بوخز الإصبع عدة مرات يومياً للحصول على قطرة دم، حيث يتم وضعها على شريط بلاستيكي تابع لجهاز قياس السكر الغلوكوز (غلوكومتر) المحمول يدوياً ليعطينا قراءات عن مستوى الغلوكوز في الدم، مما يشكل ألماً معنوياً وفعلياً لمرضى السكر.

مرض السكر يحدث خلل في الجسم يعجز البنكرياس عن إفراز هرمون الأنسولين الخافض لمستوى السكر في الدم بكمية كافية لتنظيم نسبة السكر في الدم، أو عندما يعجز الجسم عن استخدام هرمون الأنسولين بفعالية.

عملية فحص الغلوكوز تتم بشكل ذاتي من قبل المريض وهي حاسمة في تحديد إذا ما كان الوقت قد حان لحقن الأنسولين أو تناول وجبة غذائية، ومن هنا تظهر أهمية عملية قياس سكر الدم باستمرار.

سوف نستعرض في هذا المقال 3 ابتكارات حديثة قد تبصر الضوء مستقبلاً لقياس مستوى السكر في الدم دون الحاجة إلى وخز الإصبع:

الابتكار الأول:

قام مهندسون من جامعة كاليفورنيا بتطوير وشم مؤقت مرن سهل اللصق رقيق جداً يُمكَن مريض السكر من مراقبة مستويات الغلوكوز لديه دون الحاجة للوخز اليومي للإصبع.

سابقاً، صدر عام 2002 جهاز مشابه باسم GlucoWatch من شركة Cygnus Inc. لكن الجهاز لم يبصر النور بسبب تهيجاً جلدياً سببه للمستخدمين. أما الوشم الجديد فقد نجح في تجاوز مشكلة التهيج الجلدي والحساسية.

تكلفة هذا الجهاز المرن لاتتجاوز بضعة سنتات ويدوم لمدة يوم واحد، وبحسب الدراسات فإن حساسيته تعادل حساسية فحص وخز الإصبع. والمدهش في الأمر أن الجهاز لا يعتمد في نظام تشغليه استخدام الدم، حيث يتم استخراج وقياس الغلوكوز في الدم من السوائل بين خلايا الجلد. يسمح الوشم بقياس مستويات الغلوكوز طوال اليوم وبالتالي المحافظة على مستويات الطبيعية للغلوكوز وإدارة أفضل حالة للمريض، كما سيعطي الباحثين معلومات أوسع عن مسببات المرض وكيفية المساهمة في الوقاية من السكري.

مم يتكون هذا الوشم؟ وكيف يعمل؟

يتكون الوشم من أقطاب مفتولة ومطبوعة على ورقة من النوع الذي يتم دلكه، يعمل عن طريق تطبيق تيار كهربائي خفيف جداً على الجلد لمدة 10 دقائق؛ يجبر أيونات الصوديوم في السوائل بين خلايا الجلد والتي تحتوي على الغلوكوز من التدفق باتجاه الوشم. ثم يقوم حساس موجود في الوشم بقياس قوة الشحنة الكهربائية التي أنتجها الغلوكوز. تم تجربة الجهاز على 7 رجال ونساء بين عمر 20 - 40 سنة من غير المصابين بالسكري، وتبين أن دقة الجهاز تعادل طريقة القياس بوخز الإصبع، ولم يشعر المستخدمون بأي شيء باستثناء ارتعاش خفيف أول 10 ثواني من الاستخدام.

حالياً، لا يستطيع الوشم تقديم نتائج عددية دقيقة تمكن مرضى السكري من تنظيم مستويات السكر في دمائهم، ولكنه إثبات مهم على صحة الفكرة. يعمل الفريق حالياً على إضافة حساس اكثر دقة وإضافة ميزة البلوتوث لإرسال النتائج إلى طبيب المريض مباشرة، إضافةً لتخزين البيانات بشكل سحابي وإطالة عمر الوشم.

لابتكار الثاني:

يسعى المهندسون الكيميائيون في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا إلى تصميم أنابيب كربون نانوية يمكن حقنها تحت الجلد للكشف عن مستويات الغلوكوز في الدم بشكل فوري. وإذا حالفهم النجاح فإن مرضى السكري من النوع الأول قد لا يحتاجون لوخز أصابعهم من جديد.

تُشكل هذه الأنابيب النانوية الحبر الذي سيحقن تحت الجلد مشكلاً وشماً حساساً للسكر، ويتم تغليف الأنابيب النانوية بالبولمير الحساس لتراكيز الغلوكوز. عندما يلامس الغلوكوز الحساس ، فإن الأنابيب النانوية تتألق و تُشع. ويمكن رصد هذا التألق عبر أشعة تحت حمراء قريبة موجهة إليه. يقوم الجهاز القابل للارتداء -الذي بحجم ساعة اليد تقريباً- بإصدار أشعة تحت حمراء على الأنابيب النانوية المحقونة تحت الجلد التي تتألق ويتغير لونها حسب مستوى غلوكوز الدم.

يقول ميشيل سترانو أستاذ قسم الهندسة الكيميائية في معهد ماساشوستس للتكنولوجيا: "أسوأ مشاكل مرضى السكري تحدث نتيجة الانحرافات الصغيرة نسبياً لسكر دم المصاب عن المعدلات الطبيعية، كالتي تحدث بعد الوجبات مثلاً. فإذا تمكنا من مراقبة ومنع هذه الانحرافات سنقترب أكثر من حد الأثر المدمر لهذا المرض".

يخطط الفريق لتجربة الجهاز على الحيوانات قريباً، فإذا نجح بإظهار دقة كافية فإنه سيُحدث ثورة في مجال المراقبة المستمرة للغلوكوز.

الطريف والمدهش أن المريض سيتمكن من اختيار شكل الوشم وفقاً للرسومات التي تعجبه، تماماً كما في الوشوم التقليدية. ويدوم بقاؤه لمدة 6 أشهر قبل أن يحتاج المريض إلى تجديده.

الابتكار الثالث:

درس العديد من العلماء عبر السنوات الماضية سوائل الجسم المتنوعة، ومن بينها الدموع؛ على أمل إيجاد طريقة أسهل للناس لتتبع مستويات الغلوكوز لديهم.

ولكن بسبب صعوبة جمع ودراسة الدموع ابتكرت غوغل عدسات لاصقة تضم رقائق وحساسات متناهية في الصغر حتى تبدو كأجزاء من اللمعان الطبيعي للعين، وهوائي أرق من شعرة الإنسان. تساعد العدسات بقياس غلوكوز الدمع بدقة حيث تعمل الحساسات على قياس ضغط العين إضافة لقياس تراكيز العديد من الجزيئات الحيوية في سوائل العين.

تستخدم هذه العدسات رقاقة لاسلكية وحساس غلوكوز صغيران موضوعان بين طبقتين من مادة العدسات اللاصقة.

وتجري محاولة إدخال إنذار مبكر للمستخدم عبر دمج أضواء LED صغيرة للعدسة تضيء للدلالة على أن الغلوكوز تجاوز العتبة المحددة العليا أو الدنيا. ولا يزال هذا الابتكار بحاجة للكثير من العمل حتى نراه في الأسواق.

ثلاث ابتكارات جديدة ستبصر الضوء يوماً ما... قد يأتي يوم لا نجد فيه حل أفضل وأخف ألماً لقياس مستوى الغلوكوز بالدم فحسب ولكن حل دائم لمرضى السكري.

المراجع:

[1] هنا

[2] هنا

[3] هنا

[4]هنا