الهندسة والآليات > الاتصالات والشبكات

هوائي جديد متطور يثير ضجة في عالم الاتصالات

هل من الممكن اليوم تصغير حجم مبنى إذاعي مؤلف من عشرات الطوابق إلى مساحة غرفة تتسع لشخص واحد فقط ، كيف يمكن حينها إرسال الترددات الإذاعية عالية القدرة ضمن النطاقات المحددة لها، كل ذلك ستتعرفون عليه في هذا المقال.

من المعلوم أن طول الهوائي المعدني ثنائي القطب (الديبول dipole ) أو وحيد القطب monopole يجب أن يكون على الأقل ثمن طول موجة الإشارة اللاسلكية من أجل إرسال استطاعة كافية. ومن أجل الإرسال في مجال ترددات الغيغاهرتز، وهو المجال الذي تعمل فيه معظم الاتصالات الخليوية فإن أطوال الموجات بين 15-30 سم ما يفرض قيوداً على تصغير هوائيات دارات الإرسال والاستقبال حتى عند مكاملتها على شرائح سيليكونية.

(التكامل: هو مفهوم يعبر عن عدد العناصر الالكترونية التي يمكن وضعها ودمجها وترتيبها ضمن شريحة واحدة وكلما زاد عدد هذه العناصر على نفس حجم الشريحة زاد مستوى التكامل).

وجد الباحثون اليوم طريقة لتقليص حجم الهوائيات التي تعمل في مجال الغيغاهرتز عن طريق تطوير تقنية موجودة تعتمد على استخدام هوائيات مصنوعة من مواد عازلة (غير موصلة للكهرباء) بدلاً من استخدام النواقل.

وفي تجربة تم إجراؤها لإثبات صحة هذا المفهوم، تمكن باحثون في كلية الهندسة بجامعة كامبريدج من تقليص حجم الهوائيات التي تعمل ضمن مجال الغيغاهرتز دون حصول ضياعات ذات قيمة في الإرسال، حيث قاموا باستخدام مواد عازلة لبث الأمواج الراديوية. وقد تم تسجيل النتائج في بداية نيسان 2015.

من غير المفهوم حتى الآن كيث يمكن لقطعة صغيرة من مادة غير موصلة للكهرباء أن تبث أمواجاً كهرومغناطيسية عند تطبيق إشارة تردد راديوية عند نهاية واحدة.

إن معادلات ماكسويل تشرح كيف يولد تدفق عالي التردد للإلكترونات في النواقل أمواجاً كهرومغناطيسية، ولكن هذه المعادلات لا تشرح كيف أنه يمكن لمادة عازلة لا تسمح بحصول تدفق للالكترونات أن تعمل كهوائي.

استوحى الباحثون الإلهام في هذه التقنية من التاريخ التقني الحديث. حيث لاحظوا وجود تطبيق لاختراع قديم للمخترع البريطاني الشهير غاغليلو ماكروني من العام 1900م عرف باسم 7777. يصور هذا الاختراع مرسلاً يحوي هوائي موصول بوشيعة (ملف كهربائي) تكون إحدى نهايتيها متدلية بشكل حر، بينما يتم تطبيق إشارة التردد الراديوي على منتصف هذه الوشيعة. إن هذا الربط الغير متماثل بين مولد الشرارة والهوائي يسمح بتحويل الإشارة الراديوية الكهربائية إلى إشعاع كهرومغناطيسي.

أدرك الباحثون أن هذه الحالة الغريبة: حالة عدم التماثل asymmetry أو ما يسمى بالتماثل المكسور broken symmetry، هو مفهوم مشتق من النظرية الكمومية التي تشرح آلية توليد الأمواج الكهرومغناطيسية في مرسل ماركوني Marconi’s transmitter.

يمكن مشاهدة أحد تطبيقات حالة كسر التماثل في تقنيات القرن العشرين: عندما تم استخدام شريطي أسلاك (في بدايات ظهور التلفاز) لإرسال إشارات التردد الراديوي من أعلى سطح الهوائيات ذات التردد العالي جداً المعروفة باسم VHF Very High Frequency إلى أجهزة التلفزيون بدون أي ضياع يذكر في الإشارة المنقولة، حيث يتم تدفق تيار التردد الراديوي الكهربائي في الناقلين في اتجاهين متعاكسين وبطورين متعاكسين، وبسبب وجود حالة التناظر الانتقالي translational symmetry (ناقلان على التوازي) فإن حقلي الإشعاع المتولدان عن ظل منهمها يقومان بإلغاء بعضهما الآخر، وبالتالي لا يحدث إشعاع كهرومغناطيسية صافي في الفضاء. ولكن لو قمنا بربط نهايتي الناقلين مع نهاية واحدة فقط، فإن الناقلين سيفقدان حالة التوازي وهذا يعني أن حالة التناظر الانتقالي قد تم كسرها، مما يؤدي إلى ضياع حالة اصطفاف الحقول (أي الحقلين الكهربائيين) فلا يستطيع أي منهما إلغاء الآخر، فيترتب على ذلك تحول إشارة التردد الراديوي إلى إشعاع كهرومغناطيسي.

ناقش فريق العمل في المملكة المتحدة أن مفهوم كسر التماثل (التناظر) يفسر قدرة المادة العازلة على إرسال موجات كهرومغناطيسية، لكن لا تزال هذه الآلية غير مفهومة.

إن الهوائيات غير الموصلة للتيار الكهربائي مستخدمة اليوم، ولكنها لا تزيل كبيرة الحجم بحيث لا يمكن مكاملتها على شريحة واحدة، وبدلاً من استخدام المواد غير الموصلة للكهرباء اليوم فقد اختار الفريق البريطاني استخدام طبقة فلمية من العناصر البيزوكهربائية (سنتحدث عن الظاهرة البيزوكهربائية في آخر المقال) لأن الهوائيات العازلة العادية محدودة بتطور تكنولوجيا وتقنيات التجميع والتشكيل الموجودة اليوم حيث لا يمكننا الحصول على مواد عازلة كهربائياً على شكل طبقة فلمية رقيقة، أما المواد البيزوكهربائية فيمكن تشكيلها على هيئة طبقة رقيقة وسماكة تبلغ حدود 100 إلى 20 ميكرومتر.

استخدم الباحثون لإجراء تجربتهم مرشحات بيزوكهربائية تحوي تماسين contacts داخليين مرسبة على الطبقة الفلمية بيزوكهربائية، وتشبه هذه التجهيزات مرشحات التردد الكريستالية المستخدمة اليوم في الهواتف الخليوية.

عندما تتم إثارة المرشح في نمط التناظر symmetric mode، يعمل المرشح كدارة مرشح بسيط (مكثف - ملف)، وعندما تتم إثارة المرشح في نمط عدم التنظار asymmetric mode حيث يتم إثارة تلامس فرعي داخلي وحيد من التلامسين الاثنين في حين يتم ترك التلامس الآخر في حالة عائمة (دون اتصال)، فإن المرشح البيزوكهربائي يعمل كهوائي وحيد القطب monopole antenna، أي يعمل بشكل مشابه لعمل الهوائي الذي وصفه ماركوني في العام 1900.

أظهرت إحدى التجارب لترددات نظام الملاحة العالمي GPS (التردد يبلغ 1575.42 ميغاهرتز) أن الهوائيات الجديدة لديها كفاءة عمل (نسبة تحويل الإشارة الراديوية إلى إشعاع كهرومغناطيسي) بحدود الـ 60%، وبحسب التقارير التي كتبها سجلها الفريق، استطاعت هذه الهوائيات الجديدة إشعاع استطاعة 1 واط، وهي كمية كافية لمعظم التجهيزات المحمولة اليوم.

سيحاول الفريق في تجربتهم التالية إنشاء هوائيات جديدة غير موصلة للكهرباء تستخدم مع أطوال موجات أكبر، حيث يفكرون في العمل ضمن حزم ترددات بين 200 و600 ميغاهرتز، وبالتالي قد نتمكن على سبيل المثال من استبدال هوائيات أجهزة التلفزيون الضخمة بأخرى أصغر.

الملحقات:

البيزوكهربائية [Piezoelectricity: [2

تعبر عن قدرة بعض المواد على توليد التيار الكهربائي المتناوب AC وفرق جهد عند تعرض هذه المواد لإجهاد ميكانيكي كالضغط والفتل والاهتزاز، حيث يمكن أن ينتج عن ذلك جهد أو تيار أو كلاهما. من أشهر هذه المواد: الكوارتز quartz وبعض المواد السيراميكية وأملاح روشيل Rochelle salts ومواد صلبة أخرى، يتكون محول الطاقة البيزوكهربائي من صفيحتين معدنيتين بينهما كريستالة، يتم تطبيق الاهتزازعلى الكريستالة فيتولد فرق كمون متناوب ضعيف يزيد فرق الكمون على الصفيحتين المعدنيتين، كما يمكن عكس العملية، فعند تطبيق فرق جهد متناوب على الصفيحتين المعدنيتين من مصدر جهد كهربائي خارجي، ستتولد اهتزازات ميكانيكية موافقة ضمن الكريستالة.

صورة توضح آلية العمل:

المصادر:

[1]هنا

[2] هنا