الطبيعة والعلوم البيئية > عجائب الأحياء

نحل آخر كـَـسِـب صداقته الإنسان

النحل الطنان نحلٌ اجتماعي يجمع عموماً الرحيق وغبار الطلع وله سلة مخصصة لذلك على أرجله الخلفية، إلا أن بعضَه كالنحل الطنان الوقواق Cuckoo bumble bees يبادر إلى احتلال قفير ممالك النحل الطنان الأخرى ويستعبد عاملاتها بعد قتل الملكة بدلاً من جمع الرحيق بنفسه. ما يميّز الطنان عن باقي أنواع النحلِ تكيّفُه الفيزيولوجي الذي يسمح له بالطيران في الأجواء الباردة والغائمة التي لا تنشط فيها أنواع النحل الأخرى.

يخلُط كثيرون بين نحل العسل والنحل الطنان رَغم سهولةِ التمييز بينهما. نحلُ العسل هو النوع الأكثر ألفة إذ يربّيه المزارعون لإنتاج العسل، بينما يميل الطنان لأن يكون بريـّاً؛ إلا أنّ ذلك لا ينفي وجودَ نحلِ عسل برّي ونحلٍ طنانٍ مستأنس. يعاني نحلُ العسل من تناقص أعداده بسبب الأعداء الطبيعية من متطفلّاتٍ مسببةٍ للأمراض بالإضافة إلى المبيدات الزراعية، بينما يعاني الطنان أكثر من تناقص أعداد الأزهار والمواطن التي يمكنه التعشيش فيها في المناطق الريفية.

يمكن تلخيص الفرق بينهما في نقاطٍ ثلاث أساسية هي:

1- البناء العام: عسل النحل رهيف مشابهٌ للدبابير شكلاً، يمكن ملاحظة التدبّبِ في طرف بطنه، ولجسمه شعرٌ متوسطُ الكثافة. أما الطنان فيمتلك جسماً قوياً سميناً، طرفُ بطنه أكثرُ استدارةً وذو شعر كثيف.

2- اللون: نحل العسل ذو أشرطةٍ عديدة متناوبة على البطن دائماً (رمادية وصفراء أو رمادية وبيضاء)، أما الطنان فذو لون واحد أو تجمّعاتٍ لونيةٍ بدلاً من الأشرطة الواضحة.

3- الحجم: عاملات نحل العسل متوسطةُ الحجم وموحدة القياس، أما الطنان فمتنوعُ الأحجام حتى ضمن القفير الواحد، وكبيرٌ على الأغلب.

لنحل العسل المستخدم تجارياً نوعٌ واحد في كل أنحاء أوروبا، بينما للنحل الطنان 24 نوعاً في المملكة المتحدة وحدَها. ويتفوق النحل الطنان بتنوّع طول لسانه، بذلك تتمكّنُ الأنواع طويلة اللسان منه من الاستفادة من أزهار متنوعة، في حين يكون لنحل العسل لسانٌ قصير موحّدُ الطول مما يجعله يفضل الأزهار المفتوحة. مع أن كلا النوعين اجتماعيان، إلا أن خلية نحل العسل قد تضم ما يصل إلى 60 ألف نحلة، بينما لا تتجاوز خلية الطنان الـ 400 نحلة. لكنّ الأهم أنّ ملكة الطنان هي وحدَها من تدخل في السبات الشتوي لتعيد بناء خلية جديدة العام القادم، بينما تدخل ملكة نحل العسل مع العديد من بناتها العاملات في السبات. نزيد على ذلك أن ملكة الطنان تعيش لسنة كحد أقصى وتعيش بناتها لبضعة أشهر فقط، بينما يمكن لملكة نحل العسل العيش بين 3 إلى 4 سنوات.

يتواصل نحلُ العسل بلغة الرقص أو رقصةِ الاهتزاز أو التهادي waggle dance والتي سنخصص لها مقالنا القادم نظراً لأهميتها، بينما يتواصل الطنان بتبادل حبوب اللقاح بين العاملات فقط. قد تكون المعلومة الأكثر أهمية بالنسبة إليك هي قدرةُ هذا النحل على اللسع؛ فبينما يموت نحل العسل إن لدغك بعد أن تبقى إبرتٌه عالقة في جلدك، يمكن للنحل الطنان أن يلدغَك أكثر من مرة لكنه لا يفعل ذلك إلا إذا تم استفزازُه بشدة.

أهمية النحل الطنان اقتصادياً:

تم استيراد النحل الطنان إلى نيوزيلندا لتلقيح البرسيمِ العلَفي في الحقول الشاسعة التي لا يستطيع نحل العسل تغطيتَها. فالنحل الطنّان يمكنه الطيران في ظروفِ انخفاضِ الحرارة إلى حدود أقلَّ بكثيرٍ من تلك التي يستطيع نحلُ العسل أن يسرح بها، إذ يطير عند 10 درجات مئوية، حتى أنه شوهد في درجات حرارة تصل إلى الصفر. إن بناءَ جسم الطنان كثيفِ الشعر يعزز من كفاءَته في نقل حبوب اللقاح بين الأزهار، إضافةً إلى طول اللسان الذي يجعلُه قادراً على سبر أنواعِ أزهارٍ أكثرَ تنوعاً.

بدأ الإنتاجُ التجاري لمستعمرات النحل الطنان المخصصةِ لتلقيح النباتات في البيوت البلاستيكية منذ الثمانينات. فإضافة إلى قدرته على تحمّل الظروف الصعبة في هذه البيوت متفوقاً بذلك على نحل العسل، فإنه يتميز بهز جسمه بقوةٍ أثناء زيارة الأزهار "buzz pollination" بتواترِ 400 هرتز، الأمرُ الذي يضمن أفضلَ تلقيح في بعض أنواع المزروعات كالبندورة؛ ويتمّ حالياً استخدامُ النحل الطنان في 95% من البيوت البلاستيكية المنتِجة للبندورة في هولندا. من الجدير بالذكر أن إنتاجَ خلايا نحلٍ طنانٍ قويةٍ صالحةٍ للاستخدام في البيوت البلاستيكية على مدار العام أمرٌ صعب ومكْلِف، مما يحد من استخدامها خاصةً في بلادنا. فمثلاً لضمان استمرارية قدرة الملكة على وضع البيض خلال الظروف غير المواتية، يجري تعريضُها لثاني أوكسيد الكربون الذي يدفعها إلى سُبات شتوي صناعي artificial overwinter قبل الأوان، حتى يتسنى لها الخروج مبكراً من هذا السبات في وقت الحاجة إليها.

للنحل الطنان دورٌ هام في تلقيح العديد من الأنواع البرية المزهرة الضرورية لتغذية الطيور والحشرات والثدييات الصغيرة، وبالتالي فإن تناقصَ أعدادِه يخِلّ ولا شك بتوازن البيئة الحيوي. يبقى في الختام أن تشاركونا رأيَكم بخصوص السؤال التالي: قد يرى الكثيرون في النحل - نحل العسل - حشرة مخيفة ومدعاةً للذعر لشدة إيلام لسعاتها، فما بالكم بالنحل الطنان الأكبرِ حجماً والأكثفِ شعراً؟! هل ستبادر بجلبه إلى مزرعتك أو بيتك البلاستيكي أم ستستغني عن خدماته لتبقى مطمئناً؟

المصادر:

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا