الهندسة والآليات > التكنولوجيا

برنامج Eureqa من Nutonion خبراءُ تحليلِ البيانات لم يَعُدْ لهم دورٌ بَعدَ اليوم

عُدْ معي عزيزي القارئ 200 سنةٍ أو أكثرَ قليلاً إلى الوراء.. وتخيَّل أنَّ لدى نيوتُن جهازَ كمبيوترٍ يُخفيه في منزلِه، وعلى هذا الكمبيوترِ برنامجٌ سحريٌّ. يقومُ نيوتُن من خلاله بإدخال بياناتِ المشاهداتِ التي كان يلاحظها، فيردُّ عليه البرنامجُ بمعادلاتٍ تفسِّرُ تلك الظواهرِ، ماذا كان لِيحدث؟!

مقالنا اليوم يتحدَّثُ عن برنامجِ ذكاءٍ اصطناعيٍّ يُشبه برنامجَ نيوتن السحري الذي تخيلناه، فـ هذا البرنامجُ أصبحَ اليومَ حقيقة. فعلى سبيل المثال إذا ما تمَّ إدخالُ بياناتِ تجربةِ نيوتن مع النواس "البندول"، فإنَّ البرنامجَ يقومُ بدراسةِ مجموعةِ البياناتِ والنتائجِ ثم يخرجُ بعد التحليل بِمعادلةٍ هي نفسها تلك التي وجدها نيوتن في قانونِه الثاني للحركة. كما وفي الوقت ذاته يُراعي البرنامجُ أيضاً قانونَ مَصُونِيَّةِ الطاقةِ "حفظ الطاقة" .

فما هو ذلك البرنامجُ؟ وما علاقةُ المهندسينَ ومحلِّلِي البياناتِ به؟

برنامج Eureqa وهندسة الطيران:

يُعْتَبرُ عَالَمُ تحليلِ البياناتِ عالَماً واسعاً، يعملُ به آلافُ الموظفين ومن ضمنِهم المهندسون. إلَّا أنَّ هذا العملَ لا يخلُو من الصعوباتِ والتحدياتِ التي تواجُه المحلِّلِين عند دراسةِ مجموعةٍ كبيرةٍ من البيانات. ويعملُ خبراءُ البياناتِ على إيجادِ الأخطاءِ وتحسينِ الإنتاجِ وخفضِ التكلفةِ وما إلى ذلك. على سبيل المثال: عند دراسةِ وتحليلِ مواصفاتِ المعادنِ في عالَمِ الطيران، يُمكنُ للخبراءِ فعلُ الكثيرِ، إلَّا أنَّ ذلك قد يستغرقُ وقتاً كبيراً. كما وتُعتَبَر المعادنُ عنصراً هاماً من عناصر أنظمة الطيرانِ والدفاع، وتُشَكِّل ما يُقارب 75% من مكونات المحركات التوربينية و 66 % من وزن هيكل الطائرة.

ولِحلِّ معضلةِ الوقتِ والأخطاءِ التي قد يقعُ فيها الإنسانُ فإنّ برنامجَ الذكاءِ الاصطناعي من شركة Nutonian والمُسمَّى بِـ Eureqa يُمْكِنُه أنْ يكتشفَ علاقاتٍ جديدةٍ لِبياناتِ التصنيع، والتي من شأنِها خَفْضُ تكاليفِ المعادن وتعزيزُ الأداء. ويجري حالياً استخدامُ هذا البرنامجِ من قِبَلِ معامل البحوث لِلقوات الجوية الأميركية وَشركة "الرولز رويس".

يقومُ معملُ البحوثِ للقواتِ الجوية الأميركية بتطوير تقنياتٍ لِلقواتِ الجويةِ والفضائيةِ وكذلك لِقواتِ الفضاء الافتراضي- وهو ذلك الفضاء غير الحسِّي والذي يتم فيه التفاعل بين شبكات الكمبيوترات -. كما يقومُ المعملُ بإدارةِ مبادرةِ "المعادن ذات الأسعار المقبولة ". وهذه المبادرةُ هي عبارةٌ عن اِتحادٍ لِمجموعةٍ من الشركاتِ التي تَهدفُ إلى جَمعِ المواردِ الحكوميةِ والصناعيةِ لِلتَّـقْلِيل من تكاليف المكونات المعدنية لِلطائرات وزيادةِ سرعةِ بنائها. وحتى يومِنا هذا، قامتِ المبادرةُ بتحويلِ 50 تقنيةٍ إلى 22 نظام طيرانٍ تابعٍ لِلْقواتِ الجويةِ الأمريكية وَوزارةِ الدفاع.

كما أنّ برنامجَ "نمذجةَ الخواصِ المجهرية والميكانيكية المتقدمةِ لِسبائك التيتانيوم " هو جزءٌ من عملِ المبادرةِ أيضاً؛ مما أدَّى إلى تعاونِ معملِ البحوثِ للقواتِ الجوية الأميركية مع شركة Nutonian. ويهدفُ هذا التعاون إلى اِستخدامِ تطبيقِ Eureqa لِلتنبؤِ بكيفيةِ استجابةِ سبائكِ التيتانيوم لِمدخلاتٍ وظروفٍ مختلفةٍ أثناءَ عمليةِ التصنيع؛ وذلك لِلخروجِ بِأفضلِ المكونات التي يتمُّ استخدامُها في المحرك.

ويؤكِّدُ الدكتورAdam Pilchak من معملِ البحوثِ لِلقوات الجوية الأميركية قائلاً: إنّ تطويرَ بعضَ النماذج الكمِّية -التي تقومُ بربطِ السجلاتِ التاريخية لِلموادِ المُصَنَّعَة مع البنية المجهرية وبعض الخصائص الأخرى- هو جزءٌ أساسيُّ لِـرفعِ كفاءةِ مكوناتِ المحركاتِ التوربينية، لِلوصول بها إلى مستوياتها القصوى في المستقبل.

ويُضِيف : "هذه النماذجُ سوف تساعدُ الشركاتِ المصنِّعةِ لِلمعدّاتِ الأصلية على تحسينِ المحركاتِ المستقبلية، وذلك من خلال تضمينِ البُنية المجهرية كَـ"متغيرٍ في التصميم"، مما يسمحُ لتلك الشركاتِ ضمانَ حصولهم على خصائصِ الموادِ الصحيحةِ في المواقعِ الصحيحة."

برنامجُ Equera وعالَمُ تحليل البيانات :

عندَ استخدامِ النماذجِ التحليلية لِـ Eureqa، فإنَّ ذلك حتماً سيُساعدُ الشركاتِ المنتجةِ لِلطائرات على تحسينِ أداءِ الأجزاءِ المصنوعةِ من التيتانيوم كَـ: الهياكلِ الهوائيةِ وَالمحركاتِ التوربينيةِ عالية الأداء. كما سيتمُّ خفضُ التكاليف؛ وذلك من خلالِ تقليل الفترة المُنْقَضِية بين تصميمِ المواد وَوقتِ الطيران. وقد تمَّ إدراجُ النماذجِ في برنامج محاكاةٍ لِشركةِ(Scientific Forming Technologies) وَالمُسَمَّى بِـ “DEFORM“ وهو الآنَ متاحٌ على المستوى التجاري.

وفي السنواتِ التي تَلَتِ الاختباراتِ الأوليةِ لِبرنامجِ Euerqa، تمّ استخدامُ البرنامجِ لِاكتشافِ بعضِ القوانينِ والمعادلاتِ الرياضية التي تَتَحكَّمُ في الطبيعةِ من حولنا. فعلى سبيل المثال: قامَ الدكتور "Gurol Suel" من جامعةِ "Texas Southwestern" بِاستخدامِ هذا البرنامجِ لِتحليلِ بياناتِ انقسامِ الخلايا وتكاثُرها. فَبعد أنْ تمَّ إدخالُ البياناتِ خرجَ البرنامجُ بِـ معادلاتٍ تحتوي على بعض المتغيرات التي لم يستطعِ الدكتور"Gurol Suel" أنْ يفهمها، ولكنّهُ يقولُ بأنَّ تلك المعادلاتِ قد تكونُ مدخلاً جديداً إلى فرضياتٍ جديدةٍ حولَ الخلية.

ويتَّضحُ من تجربةِ الدكتور "Gurol Suel" أنَّ المشكلةَ الكبرى التي يُواجِهُهَا العلماءُ مع هذا البرنامجِ هي: أنَّه قد يتوصَّلُ إلى معادلاتٍ ذاتِ متغيراتٍ غيرِ معروفة بالإضافة لكونهِ لا يعطي طريقةَ الوصولِ إلى تلك المعادلات. فَـ بالرغمِ من أنَّ المعادلات الناتجة تكادُ تكونُ ممتازةً ودقيقةً إلَّا أنَّ استنتاجها يبقى معقداً.

ويستطيعُ Euerqa تحديدَ الثغراتِ في البياناتِ والتجارب بغية توسيع نطاق مجموعة البيانات بشكل أكبر. وتَكْثُرُ أمثلةُ استخدامِ البرنامجِ في المجالِ العلمي، حيث ساعد Eureqa أيضا على فهمِ تغيُّراتِ البكتيريا الرقيقةِ في ظلِّ الظروفِ القاسية.

ولكن ما هو الشيءُ الذي يُخْفِيه عنَّا المبرمجون حولَ استخدامِ البرمجياتِ لِلتنبُؤِ بِكفاءةِ المكوناتِ خلالَ عمليةِ التصنيع؟

لقد تمَّ تطويرُ برنامجِ Eureqa خِصِّيصاً لاستبداِل الموظفين ذوي المهاراتِ الفنيةِ التقليدية الذين كانوا يقومون بتحليلِ النماذجِ ومِن ثمَّ الوصولُ لِلمعلوماتِ المطلوبة. بعبارةٍ أخرى، برنامجُ Eureqa ليس مُصمَّماً لِمساعدةِ المهندسينَ والعلماءِ في تحليلِ البياناتِ بِكفاءةٍ أكثر، وإنما تمَّ تصميمُهُ لِيَحِلَّ مَحلّهُم تماماً في تلك الوظائفِ التي تحتاجُ إلى تطويرِ المنتجاتِ الجديدة لِمكوِّناتِ الطائراتِ التكنولوجيةِ المتقدمةِ أو غيرها.

إنَّ Eureqa هو برنامجٌ ديناميكيٌّ وذكي، ويستطيعُ التكيُّفَ مع مرورِ الوقتِ. حيثُ يُمْكنهُ التعامل مع تقلباتِ البياناتِ عن طريق أخذِ عينةِ اختبارٍ في الزمنِ الحالي.

ولقد رأينا من قبلُ ظاهرةَ استبدالِ الروبوتاتِ لِـ ملايين العمالِ حول العالم. فـ هل سنرى تلك الظاهرةَ تتكررُ على المهندسين كذلك؟! فَـ برامجُ الكمبيوتر تجتاحُ العالمَ أكثرَ وأكثرَ لِتزيدَ بذلك البطالةَ وترفَعَ أعدادَ العاطلين عن العمل. يبدو ذلك مُرجَّحاً جداً، أليس كذلك؟.

لتعرفوا أكثر عن البرنامج يمكنك زيارة الموقع المخصص له :

هنا

المصادر:

[1]هنا

[2]هنا

[3] Pamela، L. (2006). Defining Cyberspace as a United States Air Force Mission (1st ed.، Vol. 1، p. 55).

[4] Larsen، P.، Field، D.، & Gilbert، J. (2012). Predicting bacterial community assemblages using an artificial neural network approach. Nature Methods Nat Meth، 621-625.

هنا...

هنا...

هنا...