التعليم واللغات > اللغويات

صعوبات التَعلّم ... أُنموذج صعوبات تَعلّم اللغة

ما هي صعوبات التعلّم؟

هي اضطراب في القدرة على التعلم بفعالية بما يتوافق مع قدرات الفرد الحقيقية، وتظهر هذه الصعوبات على صورة اضطرابات في قدرة الفرد على تلقي المعلومات في المدرسة أو تنظيمها أو التعبير عنها، بالإضافة إلى تفاوتٍ ملحوظٍ بين قدرات الفرد العقلية عموماً وبين أدائه في واحدة من المهارات الدراسية التحضيرية كإجراء العمليات الحسابية أو الإدراك أو الانتباه أو التفكير. وكان (صموئيل كيرك) أول من أشار إلى مصطلح صعوبات التعلم، وكان يقصد به ما يعانيه الأطفالُ ممن يصعب عليهم اكتسابُ اللغة أو التعلم بالطرق التدريسية التقليدية دون أن تكون لديهم إعاقات سمعية أو بصرية أو يكونوا مصابين بالتوحد، وتندرج صعوبات تعلم اللغة ضمن هذا التفسير، وتظهر على صورة مشكلات في التعبير الشفهي وفي الفهم عند القراءة أو الإصغاء؛ سأتناول في هذا المقال صعوبات التعلم المتصلة باكتساب اللغة، والتي تظهر على شكل خلل في القدرة على التعبير والنطق والقراءة.

ما منشأ صعوبات التعلم؟

عَرّفت جمعيةُ الأطفال والراشدين ذوي صعوبات التعلم هذه الصعوباتِ بأنها حالة مستمرة يُفترض أنّها تعود إلى عوامل عصبية تتدخل في نمو القدرات اللفظية وغير اللفظية وتكاملها، وتظهر هذه الصعوبات بصفتها حالة إعاقة واضحة مع وجود قدراتٍ عقلية تتراوح بين المتوسطة إلى فوق المتوسطة وأنظمةٍ حسية مُتكاملة مع فرص تعليم ملائمة وكافية، وتتباين هذه الحالة في درجة ظهورها وفي شدتها. وقد أشارت اللجنة القومية المشتركة لصعوبات التعلم NJCLD عام 1994 إلى أن صعوبات التعلم هي مجموعة غير متجانسة من الاضطرابات تظهر على شكل صعوبات نمائية، تؤدي إلى صعوبات في اكتساب قدراتِ الاستماع أو التحدث أو القراءة أو الكتابة أو الاستدلال واستخدامِها وفي إجراء العمليات الرياضية، وهذه الاضطرابات ذاتية المنشأ وترجع إلى خلل كامن في الجهاز العصبي المركزي. يمكن أن تحدث هذه الاضطرابات في خلال حياة الفرد، ويمكن أن تكون متلازمة مع مشكلات في القدرة على ضبط النفس ومشكلات الإدراك والتفاعل الاجتماعي، وقد تتزامن مشكلات التعلم مع إعاقات حسية أخرى أو تأخر عقلي أو اضطراب انفعالي أو مع مؤثرات خارجية كالبيئة التعليمية أو البيئة منزلية غير الملائمة، ويعتقد بعض العلماء أن هذه الاضطرابات تحدث نتيجة عوامل تسبب خللاً في التركيب البنائي والوظيفي للدماغ، وهذا الخلل يحدث في أثناء الحمل، ومن بين هذه العوامل:

1- عيوب في نمو مخ الجنين.

2- عيوب وراثية؛ إذ تشير البحوث إلى أن احتمالات الإصابة بصعوبات التعلم تزداد بين الأقرباء.

3- تأثير التدخين والكحول وبعض أنواع العقاقير.

4- مشكلات في أثناء الحمل والولادة.

5- مشكلات التلوث والبيئة كوجود عناصر سامة مثل الكانديوم والرصاص المستخدم في تمديدات مياه الشرب.

6- عوامل تربوية.

هناك الكثير من التقسيمات الدقيقة لصعوبات التعلم عموماً وصعوبات تعلم اللغة خصوصاً، ويمكننا باختصار تصنيف صعوبات تعلم اللغة - التي قد تحدث منفردةً أو مجتمعة - إلى الآتي:

1- عُسر القراءة Dyslexia: وهو صعوبةٌ في القدرة على القراءة في العمر الطبيعي خارج نطاق أية إعاقة عقلية أو حسية، وقد يترافق عسر القراءة مع صعوبات في الكتابة، وتصل نسبة الإصابة بعُسر القراءة من 2-8% وهو أكثر انتشاراً بين الذكور بنسبة 1:3؛ ويجد من يعانون عُسرَ القراءة صعوبةً في التركيز أو التهجئة أو القراءة أو نسخ الوظائف الكتابية أو تدوين المعلومات أو فهم الوقت والزمن أو العمل مع الأرقام المتسلسلة، وهم عادة ما يكتبون الأحرف والرموز بالمقلوب ويقرؤون الكلمة قراءة صحيحة أول مرة، ومن ثم يخفقون في قراءتها إذا تكررت في السطور اللاحقة.

2- عُسر الكتابة Dysgraphia: ويُعزى إلى وجود صعوبات في التآزر الحسّي الحركي visual-motor coordination؛ إذ يدرك الطفل الأحرف والأشكال إدراكاً صحيحاً، لكنه يفسرها عكسياً فيكتبها معكوسةً وبطريقة خاطئة، وتُلاحَظ أيضاً لدى المصابين بعسر الكتابة حالةُ بطء شديد في إتمام المهمات، لا سيما الكتابة والواجبات المنزلية.

3- عُسر الكلام Dysphasia: ويظهر على هيئة عُسرٍ في النطق وإخراج الأحرف أو في فهم اللغة المحكية، وقد يستعمل المصاب بعُسر الكلام جملاً غيرَ مفهومة وغيرَ سليمة أو مبنيةً بناءً خاطئاً، فهو يجد صعوبة في التعبير الشفوي وفي إيجاد الكلمات وإعطاء المصطلحات والأسماء الصحيحة للمعاني المطلوبة، لا سيما عندما يتطلب الأمر استرجاع أحداثِ اليوم أو أمورٍ قد سمعها سابقاً.

الخلاصة

بناء على تجربتي بصفتي مُعلمةً في مدرسة حكومية لاحظتُ أن مشكلات التعلم عموماً ومشكلات تعلم اللغة خصوصاً لا تحظى بالكثير من الاهتمام، وغالباً ما تتطور وتتشابك مع مشكلات سلوكية ونفسية واجتماعية أخرى كالتقدير المتدني للذات والخوف وعدم الثقة والتهرّب والعنف. وقد أشرتُ سابقاً إلى أن صعوبات التعلم قد تأتي منفردة أو مجتمعة، لذلك من المهم تحديد الصعوبة (أو الصعوبات) التي يعانيها الطفل حتى تتضح نقاط الضعف الواجب على القائمين بأمر العلاج التركيزُ عليها، وهناك إجماعٌ بين المختصين والباحثين على أهمية المثابرة والصبر في علاج صعوبات التعلم؛ إذ تُستعمل العديد من وسائل المعالجة التي تستهدف هذه المشكلات من بينها جلسات النطق والقراءة التي يجريها مختصون باستخدام مناهج تدريس خاصة ووسائل تعليمية غير تقليدية. شخصياً كان لدي العديد من الطلاب ممن عانوا عسراً في مهارة واحدة أو عدة مهارات، ولكن بسبب غياب الوعي من جانب الإدارة المدرسية وأولياء الأمور بأهمية هذه المشكلة لم يكن لجهودي في تحسين أوضاعهم تأثيرٌ فعّال وجذري، وكما أسلفت فإن الحل شامل ومتكامل، ويجب أن يكون في المدرسة والبيت معاً. وأرى من تجربتي مع الأطفال ذوي إعاقات التعلم أن التعلمَ عمليةٌ موازية لتكوين الذات، ولا يختلف تعلم اللغة عن تعلم أية مهارة أخرى في الحياة قد يقود الإخفاق في اكتسابها إلى مضاعفات نفسية واجتماعية وسلوكية ومستقبلية خطرة.

المراجع:

عبد الله غني، مثال (2010(: صعوبات التعلم لدى الأطفال. دراسات تربوية العدد العاشر

بسطامي، زينة فاضل حموي (2008): الصعوبات التعلّمية و تكامل الأدوار. مجلة قطر الندى العدد الثاني عشر

Dörnyei، Z. (2005). The psychology of the Language Learner. Mahwah، NJ: Lawrence Erlbaum

Dörnyei، Z. (2009). The L2 Motivational Self system. In Z. Dörnyei& E. Ushioda (Eds.)، Motivation، Language Identity and the L2 Self (pp. 9-42). Bristol، England: Multilingual Matters

Lepper، M. R. & Greene، D. (1975). Turning Play intoWork: Effects of Adult Surveillance and Extrinsic Reward on Children's Intrinsic Motivation. Journal of Personality and Social Psychology، 31، 479-486

Sawyer، D. (2005). Sensori Motor Skill Acquisition Lecture. California State University East Bay

Vygotsky، L. S. (1978). Mind in Society. Cambridge، MA: MIT Press