الهندسة والآليات > التكنولوجيا الطبية

تكنولوجيا النانو: أمل جديد لعالم بدون سكتات دماغية وأزمات قلبية

يتوفى نحو 17 مليون شخص سنوياً إثر التعرض للسكتات الدماغية والأزمات القلبية. وعلى الرغم من العلاجات المتاحة وجهود التوعية بأعراض الإصابة، تبقى أحد المسببات الرئيسة للوفيات حول العالم، فهل تساهم تكنولوجيا النانو في التغلب عليها؟

لنفترض وجود الحالة المرضية التالية: حالة حرجة

الاسم: السيد فُلان

السن: 57 سنة

الأعراض المرضية: صعوبة في النطق وفهم الكلام مع خِدر بالذراع الأيمن

تشخيص الطبيب: سكتة دماغية

تحدث السكتة الدماغية بسبب توقف أو قلة وصول الدم إلى جزء من المخ. في أغلب الحالات يتوقف سريان الدم بسبب وجود شئ ما يعيق طريقه ويمنعه، هذا الشيء يُدعى "الجلطة Clot". تحدث الجلطة عندما يتكتل الدم ويتحول من حالته السائلة إلى حالة صلبة تمنع سريان الدم، مما سيحرم أنسجة المخ من الغذاء والأكسجين.

صورة (السكتة الدماغية):

وصف العلاج

في الظروف العادية، سيلجأ الطبيب المعالج للسيد فُلان إلى حقن جرعة من عقار دوائي مذيب للجلطات بالدم والمعروف اختصارا باسم tPA. يوجد إنزيم tPA في الدم بشكل طبيعي وإن كان بتركيز منخفض، لذا يرفع الطبيب من تركيزه بالدم في الحالات الطارئة لإذابة الجلطة التي تهدد حياة المريض.

لن تكون تلك هى النهاية السعيدة لقصة الطبيب الذي أنقذ حياة السيد فُلان، فالتحديات تلوح في الأفق. تكمن مشكلة حقن مذيب الجلطات tPA مباشرة في الدم، أنه يمكن أن ينتهي به الحال في أي مكان بجهاز الدوران، مما يمكن أن يعرض المريض لخطر النزيف، وذلك لأن آلية التجلط بالأساس تعمل على منع فقدان الدم بالجسم عنده تعرضه للإصابة، مثلما يتجلط الجرح على معصمك إثر إصابتك ليمنع فقدانك المزيد من الدماء، بالمثل تقع إصابات داخلية غير مرئية فيحدث التجلط لرأب الصدع ووقف فقدان الدم. وفي حال تعطل آلية التجلط سينزف الجرح بلا توقف.

ولذلك نجد أن الجرعة التي يحقنها الطبيب من مذيب الجلطات tPA تكون قليلة في العادة لتفادي خطر النزيف، غير أن أغلب تلك الجرعة تخطئ هدفها وقد تمر بالجلطة أو تدور حولها مبتعدة. تؤرق تلك المشكلة الأطباء بحق، هم لن يختلفوا على مدى فاعلية tPA والعقاقير الأخرى المذيبة للجلطات في إنقاذ حياة مرضاهم، ولكنهم في حيرة من أمرهم. فإذا خفض الطبيب المعالج للسيد فُلان من جرعة العقار، فإنه يتفكك سريعا في الدم ولا يذيب الجلطة، وإذا رفع الجرعة فإن السيد فُلان يكون عرضة للنزيف، وإذا وقع النزيف بالمخ قد يكون الأمر مميتا. وهنا يأتي الدور الحيوي الذي يلعبه الباحثون في مركز "هيوستن ميثوديست" الطبي من أجل حل تلك المعضلة، باستخدام تكنولوجيا النانو.

جسيمات نانوية مغناطيسية

قام الباحثون بابتكار جسيمات دقيقة من مادة أكسيد الحديد على مقياس النانو. وكي نتخيل مدى دقة تلك الجسيمات، نقول أن نانومترا واحدا هو أصغر بمقدار 100،000 مرة من قطر شعرة الإنسان! تُحقن تلك الجسيمات النانوية بالدم، وتعمل بمثابة مركبات متناهية الصغر تحمل على متنها العقار المذيب للجلطة tPA مستهدفة الجلطة الدموية بشكل مباشر لا شئ سواها.

ولكن في البداية كان على الباحثون إيجاد وسيلة لخداع الجهاز المناعي كي لا يتعامل مع جسيمات أكسيد الحديد النانوية باعتبارها عدو دخيل ويشرع في مهاجمتها. ولهذا الغرض غلف الباحثون الجسيمات النانوية من الخارج ببروتين "الألبومين Albumin"، وهو بروتين يتواجد بشكل طبيعي بالدم ويتعامل معه الجهاز المناعي على الدوام باعتباره صديقا، ومن ثم فإن غلاف الألبومين المحيط بالجسيمات النانوية يعمل بشكل فعال كدرع للتخفي والتمويه من الجهاز المناعي.

صورة(الجسيمات النانوية)

صورة 2: كل جسيم نانوي يتألف من قلب من أكسيد الحديد (المربعات الحمراء)، مغلفا بالألبومين (باللون الرمادي) ومادة tPA المضادة للتجلط (باللون الأخضر). يبلغ طول ضلع مكعب أكسيد الحديد نحو 20 نانومتر

وقع اختيار الباحثين على أكسيد الحديد لاستخدامه في تصنيع الجسيمات النانوية، لما له من خواص مغناطيسية، مما يجعلها جسيمات نانوية مغناطيسية. وهنا تكمن ميزتها، فباستخدام مجال مغناطيسي منتظم مثل المجال الناشئ عن مغناطيس دائم، يمكن تحريك الجسيمات النانوية وتوجيهها إلى هدفها (يشبه ذلك الأمر أن تتلاعب بمجموعة من دبابيس معدنية على سطح ورقة بمغناطيس من أسفلها). وبالإبقاء على المجال المغناطيسي متمركزا عند منطقة بعينها، تجد الجسيمات النانوية أنفسها محتجزة عند موقع الجلطة تماما. وبذلك، تكون الفرصة سانحة لتوفير جرعة سريعة ومركزة من عقار tPA لإذابة الجلطة، ليست أقل من أن تذيب الجلطة، ولا أكثر بحيث تسبب النزيف.

قام الفريق البحثي باختبار الجسيمات النانوية المحملة بعقار tPA على أنسجة بشرية مزروعة لقياس المدة التي استغرقتها لإذابة الجلطة الدموية، وبعد ذلك تم اختبارها في الفئران أيضا. وباستخدام الميكروسكوب الإلكتروني، تمكن الباحثون من رؤية الجلطات الدموية تتكسر أسرع بـ 100 مرة مقارنة بالطرق التقليدية. هذا ويعتقد الباحثون أن نجاح تلك التقنية في الاختبارات السريرية على البشر من شأنها أن تساهم في منع السكتة الدماغية والأزمات القلبية و الانسدادات الرئوية.

قد ازدادت فرصة السيد فُلان في النجاة بفضل تكنولوجيا النانو وتلاشي قلق طبيبه المعالج مع تماثله الشفاء، فهل يمكن أن تساعد تلك التكنولوجيا في إنقاذ 17 مليون شخص سنويا؟

المصادر:

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا