الكيمياء والصيدلة > كيمياء

تقنيّةٌ جديدةٌ لجعلِ المركّباتِ الدوائيّةِ أكثرَ انحلالاً

بعد أن تتناولَ الإيبوبروفين مسكّنَ الألمِ ومضادَّ الإلتهابِ المعروف، وقبلَ أن تحصلَ على التأثيراتِ المرغوبة لهذا الدواء، فإنّ عليهِ أن ينحلَّ في الجهازِ الهضميِّ أوّلاً ليصلَ بعدَها إلى المجرى الدمويّ. تكمنُ المشكلةُ في أنّ الإيبوبروفين بشكلهِ الأصليِّ غيرُ حلولٍ على نحوٍ جيّد، إذ يكونُ على المستوى الجزيئيِّ بشكلِ بُنىً بلّوريةٍ صلبةٍ ممّا يجعله صعبَ الانحلال. وللتغلّب على هذه المشكلةِ يقومُ مُصنّعو الأدويةِ بإضافةِ موادٍ كيميائيةٍ تزيدُ من انحلالية الموادِ الدوائية، لكن هذه المُضافات تزيدُ الكلفةَ وكذلكَ صعوبةَ العمل.

فالحلُّ المناسبُ لجعلِ الأدويةِ بحدِّ ذاتِها أكثرَ انحلالاً هو عدمُ إعطاء الذرّات الوقتَ الكافيَ لتنتظمَ في بنيةٍ بلوريّةٍ ممّا يجعلُ المادةَ غيرَ متبلورةٍ أو عديمةَ الشّكل. إذ أنّ الشكلَ غيرَ المتبلورِ من المادةِ يكونُ أكثرَ انحلالاً من الشكل البلّوريّ للمادةِ نفسِها.

وهذا ما دفع باحثين من جامعةِ هارفرد في كلية الهندسة والعلوم التطبيقية لتطويرِ نظامٍ جديدٍ، يُمكّنُ هذا النظام من إنتاجِ جسيماتٍ نانويّةِ الحجمِ ثابتةٍ غيرِ متبلورةٍ وبكميّاتٍ كبيرة، ممّا يجعلُها أكثرَ انحلالاً. وليس هذا فحسب، فالنظام المصمّم فعّالٌ للغاية إذ أنّه قادرٌ على إعطاءِ جسيماتٍ نانويةٍ لمجالٍ واسعٍ من المواد بما فيها، ولأوّل مرة، للموادِ غير العضويةِ والتي تمتلكُ ميلاً كبيراً للتبلور كما في ملحِ الطعام.

تتميّزُ هذه الجسيماتُ النانويةُ غيرُ المتبلورةِ وغيرُ العضويةِ بامتلاكِها خصائصَ مغناطيسيةٍ وإلكترونيةٍ وبصريّةٍ مختلفة عن نظائرِها المتبلورة، وهذا يُفضي لتطبيقاتٍ واسعةٍ في مجالاتٍ تتنوع من هندسةِ المواد إلى البصريّات.

تتضمّن العمليّةُ في البدايةِ حلّ المادةِ في مُحلٍّ جيّدٍ كالماءِ أو الكحول. يُضخُّ بعدَ ذلك السائلُ إلى جهاز إرذاذٍ، حيث يقوم تيّارٌ هوائيٌّ مضغوطٌ يتحرّكُ بسرعةٍ تساوي ضعفَ سرعةِ الصوت برذِّ قطيراتِ السائلِ عبرَ قنواتٍ ضيّقة. فتجفّ هذه القطيراتُ بشكلٍ كاملٍ خلال 1-3 ميكروثانية بعد رذّها، تاركةً مكانَها الجسيمات النانوية غير المتبلورة.

يقول Esther Amstad المؤلّف الأول للورقة البحثية في شرح هذه العملية: "إذا كان جسمُكَ رطباً بفعل الماء فإن الماء سيتبخّرُ بشكلٍ أسرعَ إذا ما كنت تتعرّض للرياح، وكلّما كان تيار الهواءِ أقوى سيتبخّر الماءُ أسرع. المبدأ متشابهٌ في هذه العملية، بالإضافة إلى ذلك فإنّ معدّلَ التبخّرِ السريعِ سيؤدّي إلى زيادةٍ في سرعةِ التبريد، كما عندما يبردُ الجسمُ بعدَ تبخّرِ العرق عنه، وفي هذه الحالة سيؤدّي معدّلُ التبخرِ السريع للغاية إلى انخفاضِ حرارةِ الجسيمات بشكلٍ سريع أيضاً ممّا يبطئُ بدورِه من حركة الجزيئات مؤخّراً إيّاها من اتخاذِ شكلِ البلّورة"

تمنع هذه العوامل حدوث البلْوَرة في الجسيمات النانوية حتّى في المواد شديدةِ الميلِ نحوَ البلورة. وإنّ هذه الجسيماتِ النانوية غير المتبلورة ثابتةٌ ضدَّ البلورة، ممّا يجعلُها ثابتةً بدرجةِ حرارة الغرفة لسبعةِ أشهرٍ على الأقل.

إذاً يمنحنا هذا النظام تحكّماً جيداً في تركيب وبنيةِ وحجمِ الجسيماتِ المرغوبة، وبالتالي يُمكّننا من تشكيلِ موادٍ جديدة، فهو يسمح برؤيةِ والتلاعبِ بالمراحلِ الأوليّة من بلْوَرة المواد بدقّةٍ زمنيّةٍ ومكانيّةٍ كبيرة، وغيابُ مثل هذه الطريقة كان يمنعُنا سابقاً من الدراسةِ الواسعةِ لبعضِ الموادِ غيرِ العضوية الشائعة. بالمختصر إنّ هذا النظام يفتح أبواباً جديدةً في فهمِ وتطويرِ موادٍ جديدة.

المصدر:

هنا

هنا