الفيزياء والفلك > فيزياء

مؤشرات جديدة قد تدل على أن الجسيمات يمكن أن تخالف النموذج المعياري

نجح النموذج المعياري لفيزياء الجسيمات في تفسير معظم السلوكيات والتفاعلات الأساسية للذرات والجسيمات ما دون الذريّة لعدة عقود، لكن ذلك لا ينفي وجود بعض أوجه القصور في هذا النموذج. أبرز أحد أوجه القصور هو أنه لا يفسر قوة الجاذبية، لذلك فإن العلماء يبحثون باستمرار عن أيّة خروقات لهذا النموذج توصلنا إلى اكتشافات جديدة قد تقودنا لمعرفة جسيمات جديدة غير موجودة في النموذج المعياري وقوى جديدة تربطها وتؤثر فيها.

أما الآن فقد وجدت مجموعة من الفيزيائيين العاملين في مصادم الهاردونات الكبير LHC في CERN دلائل على ما قد يكون سلوكيات جديدة لأحد أنواع الجسيمات (الليبتونات تحديداً) لم يتنبأ بها النموذج المعياريّ الفيزيائي. هذا الاكتشاف قد يقود عمليّة البحث عن الظواهر الفيزيائية التي يستلزم وصفها قوانين خارج إطار النموذج المعياري لفيزياء الجسيمات.

يضم الفريق فيزيائيين من جامعة ماريلاند قدموا إسهامات مهمّة للدراسة وقد قام الفريق بتحليل البيانات الّتي قدمتها تجربة LHCb في الجولة الأولى لمصادم الهادرونات الكبير LHC عام 2011. درس الباحثون تفكك جسيمات ميزون B خلال تصادم حزم من البروتونات مع بعضها، حيث وجدوا أنّ التصادم أدى إلى إنتاج جسيمات أخف بما في ذلك نوعين من اللبتونات: لبتون تاو (tau lepton) والميون (muon). خلافًا للإلكترونات المستقرة فلبتونات تاو والميونات غير مستقرة وتتفكك بسرعة كبيرة خلال أجزاء من الثانية.

تبعاً للنموذج المعياري فإنّ اللبتونات تعامل نفس المعاملة إذا ما طبقت عليها أيّ من القوى الأساسيّة، حيث يتم التفكك إلى ليبتونات تاو وميونات في الوقت نفسه وبنفس المعدّل إن تم تعديل الفرق في الكتلة بينهما. على أيّة حال فإنّ الفريق قد وجد فرقًا واضحًا رغم صغره بين معدلات التفكك وفقاً للنموذج المعياري والتفكك أثناء التجربة، مما قد يعني أنّه لربما كانت هناك قوى أخرى لا نعرفها بعد قد أثّرت على عمليّة التفكك.

يقول البروفيسور حسان جواهري أحد المشرفين على الدراسة: " ينصّ النموذج المعياري على أنّ العالم يتعامل مع جميع اللبتونات بالطريقة ذاتها. لكن ليس هناك ما يضمن أن يكون هذا صحيحًا إن اكتشفنا جسيمات جديدة أو قوى جديدة. إنّ مبدأ (عالمية اللبتونات) هو مبدأ مقدّس وفقاً للنموذج المعياري، إن فشِل هذا المبدأ عمليّاً فإنه يمكننا القول أنّنا وجدنا دليلاً على وجود خروقات للنموذج الفيزيائي المعياريّ الّذي نعرفه و وجود قوانين فيزياء خارج إطار النموذج المعياري".

جائت نتيجة تجربة LHCb مكملة لنتيجة تجربة أخرى سابقة ساهمت جامعة ماريلاند بها تدعى تجربة بابار BaBar أجريت في جامعة ستانفورد في التسعينيات. تقترح تجربة بابار وجود انحراف في سلوك الجسيمات عن السلوك المفترض وفقًا للنموذج المعياري. تضمنت التجربتان تفكك جسيمات الميزونات بي (B mesons) لكن تجربة بابار (BaBar) قامت بدراسة تصادم الإلكترونات، أمّا تجربة LHCb فقد قامت بدراسة تصادم البروتونات ذات الطاقة العالية.

يقول الفيزيائي براين هاميلتن أحد المشرفين على الدراسة: " حدثت التجربتان في بيئتين مختلفتين، لكنهما تعكسان نفس النموذج الفيزيائي. يعطي هذا التشابه تحققاً مستقلاً هاماً لمشاهداتنا ويؤكد على أنّ الفرق بين نتيجة التجربتين والنموذج المعياري يدلّ على وجود فيزياء حقيقيّة تختلف عن النموذج المعياري وأن هذا الفرق ليس بفعل أدوات التجربة".

يقول جورج سيزراك أحد المشرفين على الدراسة: " بالرّغم من أنّ نتائج التجربتين قد تكون دليلاً على خرق النموذج المعياري، إلا أنّ ذلك يتطلب المزيد من البحث والدراسة لتأكيد استنتاجاتنا".

يقول جواهري: " نخطط للقيام بمجموعة من القياسات المتعددة. تحصل تجربة LHCb على بيانات جديدة خلال الجولة الثانية من عمل مصادم الهادرونات حاليّاً. سنقوم بتطوير تقنيات أدوات الكشف في هذه التجربة خلال السنوات القليلة القادمة. إن تأكدت هذه الظاهرة من خلال البحث والتجربة فسيكون لدينا عشرات السنين من العمل الّذي ينتظرنا. قد يوجه هذا الفيزياء النظرية نحو طرق جديدة للنظر في الفيزياء النموذج القياسي وماورائه."

بعد اكتشاف بوزون هيغز- الحلقة المفقودة في النموذج المعياري - خلال الجولة الأولى من عمل مصادم الهاردونات الكبير يبحث العلماء عن ظواهر لا تتفق مع تنبؤات النموذج المعياري. أما جواهري وزملائه فهم متحمسون جدّاً للمستقبل بينما تتحرّك الأمور إلى وجهة غير معلومة.

يضيف جواهري أيضاً فيقول: " أيّ معرفة نحصل عليها من الآن فصاعداً تساعدنا على معرفة المزيد عن كيفية تطور الكون إلى ما هو عليه اليوم. على سبيل المثال، نحن نعلم أن المادة المظلمة والطاقة المظلمة موجودتان، لكننا لا نعرف حتى الآن ماهيتهما أو كيفية شرحهما. لدينا نتيجة يمكن أن تكون جزءًا من هذا اللغز. إذا تمكنا من إثبات وجود جزيئات مفقودة وتفاعلات تخرق النموذج المعياري، يمكن أن يساعدنا ذلك على استكمال الصورة."

المصدر: هنا