الطبيعة والعلوم البيئية > علم الأرض

عندما تزحف الصحراء

يختفي 24 مليار طن من التربة الخصبة سنوياً وخلال العشرين عاماً المنصرمة فقدت أراض زراعية من العالم بما يعادل مساحة جميع الأراضي الزراعية في الولايات المتحدة الأمريكية كما يهدد التصحر ثلث مساحة اليابسة على كوكبنا.

أطلق لفظ تصحر في آب عام 1977 عندما عقد مؤتمر التصحر الدولي في مدينة نيروبي عاصمة كينيا وتبعاً لهيئة مكافحة التصحر لدى الأمم المتحدة فإن التصحر؛ تدهور نوعية الأراضي في المناطق الجافة وشبه الجافة وشبه الرطبة نتيجة لعوامل أهمها نشاطات الإنسان والتغيرات المناخية. يشمل هذا التدهور عدة مظاهر أهمها تعرية الطبقة العليا من التربة وتناقص الغطاء النباتي وتدهور نوعيتها بالإضافة إلى تملح التربة وعودة نشاط الكثبان الرملية وزيادة في كمية التربة والرمال في الهواء وتكرار العواصف الغبارية والرملية (اقرأ مقالنا عن العواصف الغبارية والرملية من هنا ). إن معظم التصحر في العالم اليوم ناتج عن نشاطات الإنسان، ففي المناطق الجافة يعتمد الإنسان بشدةٍ على الموارد الطبيعية لتأمين حاجاته الأساسية من غذاءٍ وعلفٍ للمواشي ومواد للبناء وجميعها تتطلب إنتاجاً نباتياً يعتمد بدوره على كميات المياه المتوفرة والظروف المناخية التي تتغير من عام لآخر بشكل طبيعي.

يمتلك النظام الطبيعي عادة ً القدرة على التعافي، لكن المشكلة تحدث عندما تستمرّ فترات الجفاف والظّروف الجوية الحرجة طويلاً فقد يدخل النظام البيئي في دوامة التصحر وهي ببساطةٍ شديدةٍ تتألف من ثلاثة مراحل حيث تنخفض كمية المياه المتوفرة للنباتات مما يعني تدهور الغطاء النباتي وبالتالي تصبح التربة معرضة للعوامل الجوية التي تتسبب في خسارة طبقاتٍ من التربة وفقدان قدرتها على تخزين المياه وبالتالي تدهوراً إضافياً في الغطاء النباتيّ وقد تستمر العملية سنواتٍ وتتسبب في تحول مناطق منتجة غذائياَ إلى صحراء قاحلة.

أسباب التصحر:

يمكن إلقاء اللائمة بالدرجة الأولى على السياسات البشرية بشكل عام وعلى سياسات العولمة ومفاهيمها بشكل خاص كالتجارة الحرة والإصلاحات الاقتصادية وتوجيه عجلة الإنتاج لتلبية الأسواق الخارجية والتي أدت في كثير من الأحيان إلى استنزاف موارد النظام الحيوي. أما إذا بحثنا عن الأسباب المباشرة والأكثر وضوحا فسنجد في مقدمتها:

1- الرعي الجائر أو الإفراط الرعوي: أي تحميل المرعى عدداً أو أنواعاً من الحيوانات لا تتفق وطاقة المراعي الغذائية، ومن ثم يحدث تدمير سريع للغطاء النباتي في هذه المناطق وما يصاحبه من تعرية للتربة وإحلال أنواع غير مستساغة وغير مستحبة مكان الأنواع المستساغة نتيجة الرعي المختار. تتسبب الماشية التي تتغذى بالغطاء النباتي كذلك بتفتيت الطبقة العلوية من التربة فتصبح قابلة للانجراف بالرياح أو مع المياه، أما الطبقة السفلية فتصبح أكثر تراصاً وتفقد قدرتها على الاحتفاظ بالمياه ودعم الغطاء النباتي.

2- الممارسات الزراعية الخاطئة ومنها:

 تدمير بنية التربة وخاصة عند استخدام الآليات غير الملائمة.

 زراعة التربة الفقيرة والمعرضة لتأثير حتّ الرياح والماء.

 الاستنزاف الدائم للمواد المغذية دون الاهتمام بتسميد التربة.

 تقصير زمن تبوير الأرض في الدورات الزراعية (تركها لترتاح دون زراعة).

 ري الترب القلوية والمعرضة للتملح والغدق وإهمال منظومات صرف المياه.

3- النمو السكاني وما يرافقه من تكثيف استخدام الأرض الريفية وزيادة الضغط على الأنظمة البيئية الزراعية وبالتالي انخفاض قدرتها البيولوجية.

4- الاستغلال الجائر للنباتات المنتجة للأخشاب وخاصة بغرض إنتاج الطاقة (يمكنك قراءة المزيد من هنا). ولا نغفل بالطبع دور الأشجار في تقليل عملية جرف التربة وإشاعة الرطوبة وزيادة الهطل المطري وبالتالي مقاومة التصحر.

5- استخدام النار في تنظيف الأراضي بغرض الرعي أو الزراعة أو الصيد أو كحلٍّ لبعض التعقيدات الاجتماعية.

6- انتقال الكثبان الرملية مع الرياح من المناطق التي تعرضت للتصحر إلى مناطق جديدة وبالتالي اتساع رقعة التصحر.

إن التصحر بصورته النمطية التي تتبادر إلى الأذهان مرتبطة باختفاء شبه كلي لمظاهر الحياة النباتية من منطقة ما والذي قد يعود في جملة ما يعود إليه إلى ضعف التنوع الإحيائي الضروري للتوازن. ففي حين كانت الأراضي تستخدم للجمع والصيد ولزراعة المحاصيل المتنوعة والرعي باتت آلاف الهكتارات الممتدة مخصصةً فقط لزراعة محصول واحد كالقمح أو الذرة وحتى من صنف مفضل واحد؛ الأمر الذي دمر الشبكة الإحيائية والسلاسل الغذائية المرتبطة بالأنواع النباتية والحيوانية المفقودة من هذه المنطقة وهذا ما يجعل النظام البيئي حساساً للتصحر.

معركتنا مع التصحر:

لقد أصبح مشروعاً أن نطرح السؤال التالي: هل يمكن إعادة الحياة إلى المناطق المتصحرة؟

• إن التصحر كغيره من الحوادث الطبيعية قابل للانعكاس إلا أنَّ عودة الحياة إلى المناطق المتصحرة يزداد صعوبة ويحتاج إلى مدة أطول كلما كان المُناخ أكثر جفافاً وكلما كانت التربة أكثر تعرية. ينبغي لنا أن ندرك في الدرجة الأولى في إطار مواجهتنا لهذا التحدي العالمي أن الوقاية خير وأقل كلفةً من العلاج فالمسح البيئي الذي نستطيع من خلاله تقدير الحمولة البيولوجية والبيئية هو مقدمة ضرورية لأي جهد يستهدف الوقاية من التصحر. على سبيل الممارسات الوقائية يمكننا القيام بما يلي:

1- الإدارة المتكاملة للمياه والأراضي بالشكل الذي يؤمن الوقاية من خطر الحت والتملح وجميع أشكال تدهور التربة.

2- حماية الغطاء النباتي وهو خط الدفاع الأول لدى التربة في مواجهة حتّ الرياح والمياه.

3- العمل على تحقيق التكامل بين ممارسات الرعي والزراعة عندما تكون الظروف ملائمة لذلك وبما يؤمن دورة مستمرة للمواد المغذية في النظام الزراعي.

4- رفع كفاءة المجتمعات المحلية في مواجهة خطر التصحر والإدارة الفعالة لمواردهم في المناطق ذات المناخ الجاف.

5- دعم سبل كسب العيش البديلة التي لا تعتمد على الطرق التقليدية في استغلال الأراضي كأحواض تربية الأسماك والبيوت البلاستيكية والأنشطة السياحية.

أما بعد وقوع التصحر فيصبح من الضروري العمل على استعادة قدرة التربة على الإنتاج من خلال واحد أو أكثر من الإجراءات العلاجية التالية:

• إنشاء المصاطب والمدرجات والأحزمة الشجرية لمواجهة تعرية التربة وزراعة الأشجار.

• إغناء التربة بالمواد المغذية العضوية.

• إنشاء بنوكٍ للبذور (حيث تحفظ المادة الوراثية النباتية الخاصة بمنطقة لفترات طويلة أو قصيرة بغرض إعادة زراعتها)، والاختيار الملائم للأصناف الزراعية.

• الحفاظ على المراعي الطبيعية ووقف الرعي الجائر والمبكر لإعطاء فرصة للنباتات باستعادة قدرتها على التكاثر والنمو.

• التعاون الدولي والإقليمي وتبادل المعلومات والاستفادة من الخبرات والتجارب الرائدة في مجال الحد من التصحر.

أخيراً فإن الزراعة سلاحٌ ذو حدين في قضية التصحر فبقدر ما تكون عقلانية موجهة فهي تخفف من حدته وتحمي منه وبقدر ما تكون غوغائية لا هم لها إلا مضاعفة الأرباح القادمة من أسواق معينة (كسوق الوجبات السريعة) فإنها ستودي بنا إلى التهلكة. ليس التصحر إلا نتيجةً لممارسات وجشع الإنسان وقد حان الوقت لنفعل شيئاً من أجل التربة التي طالما دعمت الحياة على سطح هذا الكوكب، لا لسبب سوى أنه خيارنا الوحيد إذا أردنا أن نعطي فرصة لأحفادنا بالحياة.

المراجع:

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا