المعلوماتية > عام

الخوارزميات التطورية

قد يستغرب البعضُ وجودَ مسائلَ يصعب على الحواسيب حلُّها أو الوصول إلى نتيجة مفيدة بها، ولكنَّ العلمَ يأتي بالجديد دوماً. كما توجدُ مسائل في جميع المجالات يتضخّمُ فيها فضاءُ الاحتمالات، والحلُّ إلى حدود كبيرة جداً يجعل منها مسائلَ مستعصيةً حتى على أكبر وأضخم الحواسيب العملاقة، ومن هذه المسائل تبرز مجموعةٌ عامة تسمى مسائلَ الأمْثَلة وفيها يجري البحثُ عن حل أمثَلي غير واضح المعالم وغالباً ما يكون الوصولُ إليه مستحيلاً عملياً فيتم البحث عن حلول تقريبية، ولذا تتطلب عملية البحث هذه زمناً طويلاً جداً قد يصل إلى سنوات.

وكمثال عن هذه المسائل نذكر العملَ على إيجاد الأخطاء البرمجية ضمن أنظمةٍ تحوي آلافاً أو مئاتَ الآلاف من الأسطر البرمجية[1]، والعملَ على إيجاد التصميمِ المناسبِ للدارات الرقمية CMOS ذاتِ التغذية الضعيفة[2]، أو البحثَ عن الطريقة الأفضلَ لجدولةِ عملِ وسائطِ النقل مع الحفاظ على رضا الزبائن [3] وغيرها الكثير.

تكمن الفكرةُ وراء الخوارزمياتِ التطورية في محاكاةِ عملية التطور الدارويني البيولوجية، ففي هذه الحالة يكون هناك مجتمعٌ ما فيه عددٌ ما من الأفراد يخضعون لضغوطٍ بيئية كالانتخاب الطبيعي (أو بقاء الأقوى والأكثر ملاءمة)، وهذا يسبّبُ زيادةً تدريجيةً في ملاءمة الجماعة لشروط البيئة ككل بسبب تكاثر الأفراد الملائمين للحياة بشكلٍ أكبرَ من أولئك غير الملائمين.

يصمِّمُ الباحثون المستخدِمون للخوارزميات التطورية دالةً أو تابعاً يعبر عن ملاءمةِ الحل للمسألة المطروحة، ويلعب هذا التابعُ دورَ العاملِ المحدّدِ لملاءمة المجموعة في الحالة البيولوجية. أما بالنسبةِ لأفراد الجماعة، فيتمُّ اقتراحُ مجموعةٍ من الحلول المبدئية، وبناءً على نتيجةِ فحصِ أولئك المرشحين بدالةِ الملاءمة، يتمُّ تحديدُ الأكثرُ ملاءمةً بينهم، ويتم اختيارُ تلك الحلول للعبور إلى الدورة الجديدة من حياة المسألة، إذ تتطورُ هذه الحلولُ باستخدامِ توابعَ تُحدثُ تغييراتٍ عشوائيةً عليها تُمثلُ الطفراتِ البيولوجية، أو قد يتمُّ تركيبُ حلٍّ ما من حلَّينِ سابقينِ بعملية تركيبٍ تُحاكي عمليةَ التكاثرِ الطبيعية، ويستمر العملُ على هذا المنوال حتى يصلَ البرنامج إلى حلٍّ ما يكون مقبولاً ويُعدُّ حلاً أمثلياً للمسألة المطروحة.[4]

توجد قوتانِ رئيسيتانِ تحركانِ هذه الأنظمةَ بشكلٍ عامٍّ وهي:

1-عواملُ التغير: كعملياِت إحداث الطفرات أو التراكيبِ الجديدة.

2-الانتخابُ الطبيعي: العاملُ الذي يدفع بنوعية الحلول نحو الأفضل.

وتجدر بنا الإشارةُ إلى أن جميعَ المكونات السابقة عشوائيةَ السلوك، أي أن العناصرَ التي سيتمُّ تغييرُها ضمنَ عملية إحداثِ الطفرات تخضعُ لإجرائيات عشوائية تماماً كما هو الحال بالنسبة لعملية التركيب، فيتم اختيارُ الأبوين وتحديدُ العناصرِ الموروثةِ من كل منهما بطريقةٍ عشوائية، مما يعني أن الحلولَ في دورة ما يمكن ألا تكون أفضل من سابقتها.

وتتألف الخوارزمياتُ التطوريةُ بشكل عام من عّدة مكونات رئيسية، وهي:

1-التعريف: التصريحُ عن بنية الحلول المبدئية وكيف يتمُّ تمثيلها.

2-دالةُ أوتابعُ الملائمة.

3-جماعةُ الحلول: التصريحُ عن نسخٍ من الحلول المبدئية.

4-تقنيةُ الانتخاب الطبيعي.

5-عواملُ التغير، الطفرات والتركيب.

6-تقنيةُ اختيارِ الآباء في عملية التركيب.

وكمثالٍ عملي على الخوارزميات التطورية يمكنُ الحديث عن تجربةٍ قامت بها وكالةُ ناسا عام 2006، حيث أرادت ناسا إطلاقَ أقمارٍ اصطناعية مصغرةٍ ساعدت العلماءَ على فهم المجال المغناطيسيِّ المحيطِ بكوكب الأرض. كان حجمُ كلِّ قمر يقارب حجمَ التلفاز العادي، وكان يُفترض بتلك الأقمار أن تمتلكَ هوائياتِ اتصال صغيرة جداً بأبعاد 2.5 سنتمتر طولاً ومثلها عرضاً.[5]

ولذا كان مصممو الأقمار بحاجةٍ إلى تصميم ذكي كفايةً لتأمينِ اتصال جيد وموثوق مع المحطة الأرضية، واعتمدوا على برامج ذكاءِ اصطناعيٍّ للحصول على التصميم المناسب، إذ قام البرنامجُ باختبارِ ملايين التصاميمِ حتى تم الاستقرار على التصميم الفائز كما صرح "Jason Lohn" مديرُ المشروع، وقد بدأت عملية البحث عن التصميم المناسب بعددٍ من التصاميم الأولية، واحتاج الحاسوبُ إلى عشر ساعات متواصلةٍ لإكمال المرحلة الأولية من العملية. ويقول الباحثون أن هذه الطريقةَ تمكّنُهم من التعامل بسرعة وفعالية مع المتطلبات المتغيرة لمشاريعهم، إذ أنهم استطاعوا استعمالَ التصميمِ السابق لتطوير تصميم آخر خلالَ شهر واحد فقط، وهو ما شكّلَ انعطافاً مهماً في سيرِ عملية التصميم.

قام بتصميم البرنامج المذكور أربعةٌ من علماءِ الذكاء الاصطناعي، وتم تشغيلُه على مجموعةٍ متعاونة من مئة وعشرين حاسوباً شخصياً، ورغم أن العملَ على تطوير البرنامج استغرقهم عامين كاملين، إلا أن النتيجةَ تبدو مرضية جداً إذ يُستعمل هذا التطبيقُ لاختراع وتصميم بُنًى جديدةٍ ورقاقاتٍ حاسوبية وحتى آلاتٍ ميكروسكوبية، ويعتقد Lohn أن هذا البرنامجَ يمكنه الإتيانُ بتصاميمَ جيدةٍ لا يمكن حتى أن تخطرَ على بال مهندس بشري، بحيث تكونُ أصغرَ حجماً وأخفَّ وزناً وأقلَّ استهلاكاً للطاقة وأقوى بنيًة.

-----------------

المصادر:

[1]: هنا

[2]: هنا

[3]: هنا ieexplore.ieee.org%2Fxpls%2Fabs_all.jsp%3Farnumber%3D1554798

[4]: هنا

[5]: هنا