الفنون البصرية > فلكلوريات

الفلكلور الصيني: الموسيقا والرقصات الفلكلورية

يمكنكم الاستماع للمقال عوضاً عن القراءة

-الموسيقا الفلكلورية:

تتمتع الصين ببعض أقدم آثار صناعة الموسيقا، ويمكن رؤية ذلك بوضوح من خلال الآلات الموسيقية القديمة المحفوظة جيداً، والتي تعتبر دليلاً ملموساً على قِدَم الموسيقا في الصين. ف على مدى آلاف السنين اندمجت الآلات الموسيقية التقليدية الصينية بالآلات الخاصة بالهند ووسط آسيا وغربها جميعها في تيار الموسيقا الصينية. بعض أقدم الآلات ظلّت محفوظة عبر العصور، بينما تحول بعضها إلى آلات شبيهة، وأُعيد إحياء البعض الآخر، والكثير منها يشيع استخدامه اليوم، ليبقى شاهداً على إرث حيّ لفنٍ دائمٍ. إرثٌ يُحتفى به باستمرار في الفنون البصرية الصينية بتوثيق الطقوس والاحتفالات الموسيقية، أو برموز تُمثّل أولئك الذين تأثرت حياتهم بالأصوات الرنانة للآلات المصنوعة من الجلد، الطين، المعدن، الحجر، نبات القرع، الخشب، الحرير، والخيزران.

تعود الموسيقا الصينية التقليدية إلى ما يقارب 7 آلاف إلى 8 آلاف عام استناداً إلى اكتشاف مزمار عظمي صنع من عظام جناح طائر الكركي ذو التاج الأحمر في العصر الحجري الحديث. تلك المزامير الاستثنائية هم من أقدم الآلات التي يمكن العزف بواسطتها، وهم شهود على التقاليد الموسيقية الحيوية التي كانت متطورة في ذلك الزمن بشكل مدهش سمعياً وموسيقياً على حدٍ سواء. وتمتلك هذه المزامير من خمسة إلى ثمانية ثقوبٍ للأصابع، ضُبطت المسافات بينها بشكل مثالي، وحُفرت بصعوبة في المزمار.

أثناء حكم سلالات شيا، وشانغ، وزو كان الاستمتاع بموسيقا رنين الأجراس حكراً على العائلات الملكية والمسؤولين ذوي المكانات الرفيعة. لكن أثناء حكم سلالة تانغ دخل الرقص والغناء دوامة الحياة منتشراً من البلاط الملكي إلى عامة الناس. ومع ظهور ديانات جديدة دخلت إلى الموسيقا الصينية ألحان غريبة دينية استمع إليها الصينيون في المهرجانات التي نظمتها المعابد.

خلال فترة حكم سلالة سونغ كانت الأوبرا مثل زاجو ونانتشي تُؤدى في المقاهي والمسارح وساحات العروض، وقد أحبها الكتّاب والفنانون كثيراً لدرجة أن كتابة كلماتها ازدهرت لتصبح نوعاً جديداً من الأدب يسمى تشي. وفي حكم سلالة يوان اكتسب شعبيةً واسعةً نوعٌ آخرٌ من الأدب يعتمد على الموسيقا ويسمى كو. وفي الفترة نفسها تم تطوير عدة آلات موسيقية تقليدية مثل البيبا، والمزمار، والقانون.

خلال حكم سلالتي مينغ، وتشينغ تطور فن الأوبرا التقليدية بشكل سريع ومتنوع في عدة مناطق مختلفة. وعندما تمّت تأدية أنواع الأوبرا تلك في العاصمة (تُدعى حالياً بكين)، قام الفنانون بضمّ جوهر تلك الأنواع وابتداع نوع جديد سُميَّ أوبرا بكين، وهو ما يعتبر اليوم واحداً من ثلاثة أحجار زاوية تقوم عليها الحضارة الصينية (مع الطب الصيني، والرسم الصيني التقليدي).

بالإضافة إلى ذلك ألّف الفلاحون الصينيون أغاني فلكلورية تحمل نكهة محلية، وقد وصفت تلك الأغاني العمل، والحياة اليومية مثل صيد السمك، والزراعة، والرعي، وقد كانت شعبية جداً وواسعة الانتشار بين العامة.

-الرقص الفلكلوري:

يُعتقد بأن رؤساء قبيلة هان الصينية هم أول من أدى طقوس الرقص، حيث كان الرقص عبارة عن طقوس تعتمد على المعتقدات والخرافات مثل معظم الفنون البدائية في ذلك الوقت، فكان صيادو القبيلة يؤدون الرقصات الشعبية أملاً في الحصول على صيدٍ جيدٍ. وجد علماء الآثار أول دليلٍ على تاريخ الرقص في شظايا فخارية تعود للألفية الرابعة قبل الميلاد، والتي رُسم عليها رجال يرقصون ويلوحون بالرماح وبأسلحة أخرى كانت تستعمل للصيد.

بعد قرون طويلة وأثناء فترة حكم سلالة هان بين عام 206 قبل الميلاد وعام 220 للميلاد تطورت تلك الرقصات ليعبر المزارعون بها عن شكرهم للآلهة في موسم الحصاد. واليوم برغم أن أحفاد أولئك الصيادين والمزارعين بات معظمهم موظفون في مكاتب الشركات إلا طقوس الرقص لا تزال موجودة وحاضرة. فقد حلّ التمسك بالتقاليد محل الخرافات والاعتقادات ليكون دافعاً مختلفاً لاستمرار الطقوس، بهدف الحفاظ على الهوية الثقافية.

تضم الصين ما يقارب 56 أقلية عرقية، ولكل منها ثقافة تتميز بعدة أمور تتضمن مجموعة من الرقصات الفلكلورية الفريدة. وتعكس كل رقصة الأوجه الدينية والثقافية والتاريخية للمجموعة العرقية، وبالتالي فهي تعكس صورة للمجموعة نفسها. وتشترك معظم الرقصات في التعبير عن الحب والغيرة والمنافسة والسعادة الزوجية ومساندة المجموعة، وذلك لتحفيز التماسك المجتمعي. ولم تكن الرقصات الفلكلورية مجرد وسائل بسيطة للتعبير العرقي، بل كان هنالك عروض رقص معقدة ودقيقة بشكل مذهل، تُستوحى أحياناً من فنون الدفاع عن النفس، تصمم من أجل الاحتفال بالمناسبات الرسمية مثل مأدبة عشاء على شرف ضيف مميز، أو حتى الاحتفال بتتويج الإمبراطور. وقد فقد الكثير من تفاصيل هذا الإرث من الرقصات أثناء انتقاله من جيل إلى آخر، لأسباب عديدة منها اضطرابات الحرب والكفاح لمواجهة المصاعب، لكن تلك التفاصيل بدأت تعود ببطأ بعد قيام جمهورية الصين الشعبية وتشجيعها المجموعات العرقية لاستعادة طرقها الفريدة في التعبير بما فيها طقوس الرقص. فعاد الرقص الفلكلوري الصيني ليصبح اليوم من التراث الحضاري العالمي الذي يستحق الحفاظ عليه.

-فرسان الأمير تشين:

هذه الرقصة التي تحتفل ظاهرياً بعظمة وجبروت الجيش الامبراطوري، تؤدى كتذكير لحاشية الامبراطور من الوزراء والأمراء بعدم التخلي أرض الوطن والاستعداد دوماً للدخول في معركة دفاعاً عنها. تضم هذه الرقصة فرقة كبيرة من المؤديين بها أكثر من مائة راقص، وما يقاربهم من الجنود، وما يصل إلى ضعف عددهم من المغنيين والموسيقيين. لذا فهي أشبه بعرض مسرحي كبير، وقد ألّف موسيقاها وصمّم رقصاتها الامبراطور نفسه. وتتكون الرقصة من 12 مشهداً، تمثل الاستعداد للقتال بعروضٍ مذهلةٍ للرقص بالسيف، وتشكيل صفوف الجيش للمعركة، ثم مشاهد المعركة نفسها.

-نيشانغ يويي (أغنية الحزن الدائم):

كتبها وصمّم رقصتها الامبراطور شوان زونغ، وتسمى أيضاً برقصة فستان الريش لأن ملابس الراقصين تزين بريش ناعم في إشارة إلى الخفة والطيران. تحكي الرقصة أسطورة عن امبراطور حلم أنه صعد إلى القمر، ودخل قصراً هناك ليجد مجموعة من العذراوات الجميلات اللاتي يرتدين الريش والغيوم الوردية ويرقصن في السماء. حين استيقظ الامبراطور من حلمه ورواه لمحظيته قامت المحظية بإعادة تمثيل الرقصة من أجل الامبراطور.

-رقصة التنين:

في المجتمع الصيني يرمز التنين بشراسة مظهره للكرامة والحكمة والقوة والقدرة على الإخافة والترويع، إلا أنه لحسن الحظ يمثّل قوة الخير أو قوة السعادة، وهو لا يتمنى شيئاً سوى جلب الرخاء والخير للشعب. ورقصة التنين تنتمي إلى فئة من الرقص الفلكلوري تعتمد على الألعاب البهلوانية بشكل بارز، ذلك لأن محاكاة أسلوب التنين الغريب الملتوي تتطلب قفزات بهلوانية لتأدية حركات التموج والانقضاض لمخلوق بهذا الحجم، بالرغم من أن الراقصين الذين يحملون التنين المزيف يسندونه بواسطة عصي يمكن رفعها وخفضها وأرجحتها بحسب الحاجة. وقد تتطلب الرقصة 50 راقصاً ليمثلوا التنين. وتوجد عدة نسخ لهذه الرقصة أشهرها عرض تنين النار، الذي يُطاف فيه بعدد لا يحصى من الفوانيس تسبق التنين في إشارة إلى نفَسه الناري. ورقصة التنين هي من الاستعراضات الثابتة التي تؤدى في كل احتفال رأس سنة صينية جديدة، حيث تقام هذه الاحتفالات في البلدات الصينية في كل أنحاء العالم.

المصادر:

هنا

هنا

هنا