الطبيعة والعلوم البيئية > علم البيئة

العواصف الرملية ... غضب الطبيعة

غزا الحاكم الفارسي قمبيز الثاني مصر في القرن السادس قبل الميلاد ووفقاً للمؤرخ اليوناني هيرودوت، فقد غرق جيشه المكون من 50 ألفاً في عاصفة ترابية في الصحراء الغربية وفقاً للأسطورة. وجد الباحثون من جامعة حلوان المصرية في العام 2000 ملابس وآثار لما قد يكون جيش قمبيز. قصةٌ إن صدقت فإنما تدل على حجم الضرر الذي يمكن أن تسببه هذه العواصف مما يجعلها جديرةً بدراستها والتعرف عليها.

العواصف الرملية والترابية: هي عملية نقل وترسيب جسيمات الغبار عبر الغلاف الجوي وتوصف الرمال على أنها الجسيمات التي يبلغ قطرها 0.6 – 1 ملم بينما تعتبر العاصفة ترابية أو غبارية عندما تقل أقطار الجسيمات عن 0.6 ملم.

العواصف الرملية والترابية أحداث طبيعية تحدث على نطاقٍ واسع، وخاصة في المناطق الجافة التي تحتل نصف مساحة اليابسة في العالم. بدأت هذه العواصف بالحدوث وفقاً لدراسات أعماق البحار ورواسب الغطاء الجليدي قل نهاية العصر الطباشيري قبل 70 مليون سنة.

تتأثر الأراضي الجافة في العالم بـتدهورٍ يتراوح بين المعتدل والشديد بفعل التعرية الريحية وهناك أدلةٌ على أن وتيرة العواصف الرملية وعواصف الغبار في تزايد. تعتبر التغييرات المحدثة بسبب الإنسان من أهم عوامل تطور هذه العواصف، وعلى العموم فإن التعرية الريحية هي نتيجة تفاعل العوامل الجويّة مع التربة وهي تتعلق إلى حدٍّ بعيدٍ بطرق إدارة الأراضي وغطائها النباتي.

يعود السبب لما يقرب من نصف الغبار في الغلاف الجوي اليوم إلى التغيرات البيئية الناجمة عن النشاط البشري، بما في ذلك الزراعة (وخاصّةً الحراثة) والرعي الجائر وقطع أشجار الغابات.

عندما تضرب عاصفة الغبار أو العواصف الرملية فإن الرياح القوية تبعثر جسيمات الغبار في الهواء وتنقلها لآلاف الأميال. وتقدر الجمعية الأمريكية لعلم الأحياء الدقيقة أن 0.5 – 5 مليارات طن من الغبار تنقل سنوياً بفعل العواصف حيث تساهم الصحراء الكبرى والمنطقة المدعوة بالساحل الإفريقي Sahel regions بـ 50 – 75% من هذا الكم. "الساحل الإفريقي هو منطقة سافانا استوائية شبه قاحلة تشكل حزاماً ذا طابع بيئي متجانس يقع إلى الشمال من الصحراء الكبرى".

وتعاني المدن في المجتمعات العمرانية في حال تعرضها للعواصف الغبارية أو الترابية من تدميرٍ للبنية التحتية وانقطاعٍ للتيار الكهربائي وتوقفٍ العمل أحياناً يضاف إلى ذلك تراكم الغبار في الأجهزة الحساسة كالحواسيب ومعدات الاتصالات.

يؤثر الكم الهائل من الغبار المنقول جواً على البيئة بطرق عديدة:

التغيرات المناخية:

تمتص الجسيمات المحمولة جواً حرارة الشمس حارمةً الأرض الواقعة تحتها من جزءٍ من الطاقة الشمسية. يسبب ذلك حسب NASA فقدان الأرض تحت سحابة الغبار لحرارتها باتجاه الغلاف الجوي مما يخفض حرارة المنطقة ويدفع الهواء الأكثر دفئاً من المناطق المحيطة للاتجاه نحو المنطقة المغطاة بالغبار. لابدّ وأنك شعرت بانخفاضٍ في حدة حرارة الصيف أثناء العاصفة الرملية.

جودة الهواء:

يسيءُ الهباء الناجم عن العواصف الترابية إلى نوعية الهواء بشكلٍ كبير، ولا ينحصر ذلك في أماكن محدودة فالعواصف الترابية الأفريقية تسافر مسافاتٍ طويلة عبر المحيط الأطلسي مستغرقةً 3 – 5 أيام لعبوره لتصل إلى الكاريبي والأجزاء الشرقية والجنوبية الشرقية من الولايات المتحدة. يسبب انخفاض جودة الهواء الناجم عن هذه العواصف مشاكل صحيةً للجهاز التنفسي وربواً وتلفاً للرئتين والتهاباً للعينين كما قد يحمل الغبار معادن سامة كالزرنيخ والزئبق والتي تعتبر شديدة الضرر بالإنسان.

الزراعة:

ليست العواصف الرملية إلا تآكلاً للأرض وهجرةً للطبقة العليا من التربة الغنية بالمغذيات، ورغم أن ذلك يؤثر سلباً على خصوبة التربة في المناطق التي تهب منها العواصف (الإفريقية غالباً) إلا أنه يزيد إمكانات الزراعة في الكاريبي والغابات المطيرة لأمريكا الجنوبية. تسبب العواصف الترابية والرملية تَلَفَ المحاصيل وخسارةً في إنتاجية التربة وخسائر اقتصادية وهجراتٍ جماعيةً وتأثيراتٍ صحيةً عديدة، وتعتبر مصدات الرياح الحية (الأشجار) أو غير الحية من أحزمة صناعيةٍ وإضافةُ مخلفات المحاصيلِ أو الصفائحِ البلاستيكية أو المواد اللاصقةِ الكيميائيةِ من أهم سبل زيادة تماسك حبيبات التربة.

جودة المياه:

تؤثر جسيمات الغبار على البحر كما على الأراضي، فقد يحتوي الغبار الناجم عن العواصف الترابية الأفريقية على مواد تحفّز تكاثر الطحالب السامة في البيئات الساحلية مسببةً ظواهر كالمد الأحمر، التي تشكل خطراً على البشر. ومع ذلك، فقد تنقل العواصف الترابية بعض المواد الغذائية إلى المحيط، الأمر الذي ينعكس إيجاباً على إنتاج الكتلة الحيوية البحرية، وفقا للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية.

نشر البكتيريا والأمراض

يمكن لجسيمات الغبار التقاط وحمل المواد الضارة، ونقلها إلى مناطق أخرى، فالجراثيم والفطريات والفيروسات وحبوب اللقاح جميعها يمكن حملها ونقلها. وترتبط العديد من الأمراض كالتهاب السحايا وحمى الوادي valley fever بالعواصف الترابية. تشير البيانات التي نشرت مؤخراً في أستراليا أن التعرية الريحية والعواصف الترابية تكلف الملايين من الدولارات كل عام. تتوزع هذه التكاليف على تنظيف المنازل، الخسارة بسبب أيام التغيب عن العمل الناتج عن المرض، خسائر صناعة الطيران والرحلات الجوية وهلم جراً. لكن التكلفة الأكثر أهمية هي تلك المرتبطة بأمراض الرّبو حيث يعتبر التعرض للعواصف الترابية لفترة 8.5 يوماً في السنة كافيةً للبدء بإحداث نوبة ربو كما ترتبط 20% من مشاكل الربو بالعواصف الترابية في أستراليا.

فوائد العواصف الرملية والغبار:

حسناً قد لا يكون بمقدورنا الحديث عن الكثير من الفوائد فالعواصف الرملية غالباً ما تحمل الأضرار لكن وكما سبق ذكره فإن بعض المواد الغذائية المنتقلة من الترب الأفريقية باتجاه الغابات المطيرة تعد أحد أهم فوائد هذه العواصف إذا ما نظرنا إليها على مستوى الكوكب. أما على المستوى المحلي عزيزي القارئ فعليك أن تعلم أن جسيمات الغبار ما هي إلا نوى لتكاثف قطرات المطر لذلك توقع هطولاً بعد هذه العواصف خصوصاً إذا ما كانت حمولة الجو من بخار الماء كافيةً وكانت درجات الحرارة ملائمة. أضف إلى ذلك أن الغبار يبعثر ضوء الشمس في كل الاتجاهات الأمر الذي يجعل غياب ضوء الشمس يتأخر قليلاً بعد الغروب في العاصفة الرملية. أخيراً فقد يكون اللون الأحمر كسراً لروتين السماء الصافية بل وربما يكون شاعرياً للبعض.

اقرأ مقالنا السابق عن هذه العاصفة الثلجية كما تبدو من السماء

هنا

اقرأ عن الجفاف في سورية من هنا

هنا

هنا

اقرأ مقالنا السابق حول علاقة الأعاصير بتلوث الجو

هنا

حقوق الصورة: المصور

Hamada Smesem

هنا

المصادر:

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

Sivakumar M. K. (2005). Impacts of Sand Storms/Dust Storms on Agriculture. In: Sivakumar M. K., Motha R. and Das H. (ed). Natural Disasters and Extreme Events in Agriculture. Springer Berlin Heidelberg, pp. 159-177. هنا