الغذاء والتغذية > عادات وممارسات غذائية

ترويض الجوع: الدماغ لاعبٌ رئيسيٌ في هذه العملية

عند اتباع نظام غذائي محدد، قاسٍ كان أم متوازناً، لتخفيف الوزن أو كحمية مرضية محددة فإن الشخص يضع في حسبانه أنه سيتخلى عن بعض الوجبات التي يحبها ويتناول أخرى صحيةً أكثر ولكنها أقل لذةً، وخاصةً أن الوجبات السريعة تعتبر ذات مظهر وطعم مميز للأغلبية مقارنةً بوجبات الألياف الغذائية والحبوب الكاملة وسلطات الخضار.

ولكن هذا كله لا يُعد مشكلة في سبيل تحقيق الهدف المنشود؛ إذ تكمن المشكلة الأساسية التي ترافق أيّ نظام غذائي ذي حصص غذائية محددة في الشعور بجوع دائم لعدم حصول الجسم على كمية الغذاء والطاقة المعتادين. وهنا هل تعلم أن شعور الجوع يمكن التحكم به وأن دماغك هو اللاعب الرئيسي في ذلك، وأنه من السهل عليك استعادة السيطرة على شهيتك إذا استطعت السيطرة على دماغك؟

إن الشهية شيءٌ معقد ومخادع، فبعض الناس يشعرون بالجوع بشكل دائم، بينما قد ينسى آخرون تناول الطعام أساساً. وتختلف تجارب البشر مع الجوع بشكل كبير نتيجةً لاختلافاتهم العصبية الحيوية (وهو ما يمثل أدمغتهم) وكيفية تأثرهم بمنبهات الوسط المحيط بهم. لذا فإن مفتاح التحكم في الشهية هو تعلم كيفية عمل الدماغ والسيطرة على المنبهات التي تؤثر به.

يمكننا كمثال على هذه المنبهات أن نتذكر تجربة كلب بافلوف Pavlov’s Dog Experiment وكيف يسيل لعابه تحت تأثير منبه ثانوي (وهو صوت الجرس) بدلاً من المنبه الرئيسي (وهو رائحة الطعام)؛ كذلك البشر فهم يخضعون لنفس تأثير المنبهات والتي تلعب دوراً في التحكم بشهيتنا (مثل رؤية بعض الإشارات المرتبطة بوجبات نحبها، كإشارة ماكدونالدز على سبيل المثال). من العدل القول أن الشركات المصنعة للأغذية طبقت علينا تجربة كلب بافلوف بذكاء وتحكمت بشهيتنا لزيادة نسبة استهلاك منتجاتها، كما أنها عبثت بعقولنا بحرفيةٍ لدرجة أصبح من الصعب معرفة ما إذا كنا نشعر بالجوع لأن بطوننا فارغة أم نتيجةً لسبب آخر.

إن زيادة إنتاج الوجبات السريعة وتسويقها وما نتج عنها من زيادة مفرطة في استهلاكها أدت إلى انتشار البدانة والأمراض المرافقة لها بشكل كبير مما يوجب علينا استعادة السيطرة على عقولنا وبالتالي التحكم بشهيتنا، وفيما يلي بعض الاستراتيجيات لتحقيق ذلك:

• مراقبة المنبهات التي تؤثر في شهيتنا: إن الطريقة الأفضل لمعرفة هذه المنبهات هي دراستها. راقب فترات جوعك وشبعك خلال اليوم ووزعها على مقياس من 0-10، حيث 0 هو مرحلة التضور من الجوع، 5 مرحلة الشبع المريح، 10 مرحلة التخمة. راقب بالضبط ماذا تفعل عند اقتراب من مرحلة 0؛ هل أنت فعلاً جائع لأنك لم تأكل من فترة طويلة أم أن شيئاً ما سبّب إحساسك بالجوع كالملل أو الدراسة أو التلفاز أو المكان أو حرارة الغرفة أو حتى الفترة من اليوم (صباح أو ظهيرة أو مساء). عندما تعرف المسبب الذي يحثك على تناول الطعام فإنه يصبح من السهل عليك تجنبه.

• هل ما تشعر به هو جوع حقيقي أم مزيف؟ هنالك طريقة واحدة للتأكد إن كان ما تشعر به هو شعور حقيقي أم مزيف وهي أن تتحمل هذا الشعور لمدة 15 دقيقة وتلهي نفسك بشيء كالمشي أو أن تشغل ذهنك بشيء ما، فإذا زال الشعور بالجوع فهو جوع زائف (فكلب بافلوف يسيل لعابه عند قرع الجرس حتى لو حدث هذا بعد تناوله الطعام مباشرة وذلك بسبب المؤثر الثانوي وليس بسبب الجوع الحقيقي، ولكن إن تم إشغاله بشيء فإن هذا التأثير يهدأ).

• تحمّل الجوع: حتى لو تأكدت أن ما تشعر به هو جوع حقيقي فهذا لا يعني أنه عليك "الانقضاض" على الطعام مباشرة. فقد اعتدنا في حال الشعور بالتعب النفسي أو الجسدي أن نسرع بإزالة هذا التعب وهذا ما يقلل قدرتنا على التحمل. إن قدرتك على تحمّل المشاكل والإجهادات الصغيرة وحتى الجوع الخفيف هي مهارة هامة يجب عليك التمتع بها لأنها تجعلك أكثر مرونةً عند وقوعك بمشكلة مماثلة أكبر، حيث أظهرت الدراسات أن البشر الأكثر قدرة على التحمّل هم الأقل عرضة للأمراض النفسية. فعلى سبيل المثال إن كنت تتناول وجبةً خفيفة كل يوم عند الساعة 3 لأنك عادةً ما تشعر بالجوع في هذا الوقت، فعليك التدرب على تأجيل هذه الوجبة الخفيفة عدة دقائق يومياً ولنقل خمس دقائق باليوم مما يزيد قدرتك على التحمل حتى تصل لدرجة تستغني فيها عن هذه الوجبات الصغيرة وتعتمد على الوجبات الرئيسية فقط.

• هل الطعام هو ما تشعر بالجوع نحوه حقاً؟ قد نأكل أحياناً لأننا نشعر بالملل بالحزن بالغضب بالعطش بالوحدة بالضغط أو بالتعب، أي إننا نأكل لنُشبع شعورنا بالحاجة لشيء ما. إننا نعبر عن شعورنا بهذه الأشياء بالجوع لذا في المرة المقبلة وعند شعورك بالجوع اسأل نفسك: هل معدتي فارغة أم إنني أشعر بالحاجة لشيء ما؟ إذا كان شعورك هو الثاني اسأل نفسك ما الخطأ؟ لنقل إن الجواب هو أنك تشعر بالضغط النفسي، عندها يجب عليك أن تفعل شيئاً لتقليل الضغط كالتحدث مع صديق. إذا كنت تدري أنك تأكل دوماً لشعورك بالحاجة لشيء ما لا تعرفه فإن الحمية لن تساعدك أبداً في خفض وزنك.

• ابتعد عن مثيرات الجوع: إذا كنت تشعر بالجوع دوماً نتيجةً لنشاط معين، كمشاهدة التلفاز مثلاً، واعتدت تناول الطعام أثناء مشاهدته فعليك البدء بتناول طعامك في غرفة أخرى لا تحوي تلفازاً، أو محاولة إشراك نشاط آخر أثناء مشاهدة التلفاز في هذا الوقت كالمشي في حلقة مفرغةٍ أو ممارسة اليوغا أو أي شيء يشغلك. وفي حال الشعور بالجوع دوماً عند مشاهدة التلفاز فعليك التقليل من مشاهدة التلفاز والقيام بنشاطات مختلفة.

• تناول مأكولات خفيفة منخفضة السعرات الحرارية: تساعد هذه المأكولات على التقليل من شعور الجوع. فعلى سبيل المثال، يمكنك تناول الخضار الطازجة أو الفواكه أثناء العمل وعند الشعور بالجوع خارج وقت الوجبات الرئيسية أو قبلها للتقليل من الكمية المتناولة أثناء الوجبة. كما يجب عليك التقليل من الوجبات عالية السعرات الحرارية كالوجبات الدسمة، وزيادة الوجبات الغنية بالألياف الغذائية التي تعطي شعوراً بالامتلاء.

• ممارسة التمارين الرياضية: أظهرت الدراسات المختلفة أن التمارين الرياضية لا تحفز الشهية بل تساعد على التحكم بها؛ ومع هذا فإن البعض يشعر بالجوع بعد ممارسة الرياضة. كما أن ممارسة الرياضة أثناء الجوع هو أمرٌ خطيرٌ جداً لذا فإنه ينصح بتناول الطعام قبل القيام بالتمارين الرياضية بحوالي الساعة مما يشعرك بطاقة أكبر أثناء التمرين وبجوعٍ أقل بعده. هذا وتلعب درجة حرارة مكان التمرين دوراً هاماً في شعورك بالجوع حيث أثبتت الدراسات أن ممارسة الرياضة في جو بارد كالركض خارجاً في الشتاء أو السباحة تحفز شعور الجوع لذا من المفضل تجنب الجو البارد أثناء التمرين. كما أثبتت الدراسات أيضا أن لممارسة الرياضة دور هام في تقوية قدرتك على ضبط النفس تجاه الأغذية أو ما يسمى Willpower وهذا ما يجعل التمرين المنتظم شيئاً مهماً للصحة ولأيّة حمية غذائية.

المصدر: هنا