الهندسة والآليات > التكنولوجيا الطبية

فرصة جديدة لحياة طبيعية: نظارات للمكفوفين تظهر الأشياء كفيلم قديم بالأبيض و الأسود

تفتح جفنيك بحذر لا إرادي كل صباح، لتمنع ضوء الشمس الساطع من أن يلهب شبكية عينيك، تنهض من سريرك وتجتاز الكرسي الذي يعترض طريقك، وعندما تشرع في اجتياز عتبة باب غرفتك فإن اصطدام إصبع قدمك الصغير في حافة الباب، يكون هو أقصى الحوادث المأساوية التي يمكن أن تحدث لك كشخص يتمتع ببصر جيد.

هل فكرت يوماً في أنَّ تلك الأنشطة الاعتيادية التي تجريها بشكل يومي، قد تمثل تحدياً كبيراً بالنسبة للمكفوفين؟

دخلت فتاة شابة مستشفى "فرانسيس ويلارد" في إلينوي، على أمل أن تجد سبباً لمرضها الغامض، لتجد طبيباً شاباً في انتظارها. لم يكن الأمر المدهش بشأن هذا الطبيب كونه ما زال تحت التدريب أو حتى لأنه تمكن من تشخيص مرضها بعد فشل ثلاثة أطباء على الأقل من قبله، بل لأنه كان أول شخص كفيف يحصل على رخصة لممارسة مهنة الطب!

أجرى الدكتور "جايكوب بولوتين" فحصه على الفتاة، وتمكن من أن يسمع صوتاً مميزاً ينشأ عادةً عن انسداد في صمام القلب. مرر جايكوب أصابعه على جلد الفتاة فوجده متعرقاً ورطباً، وضع أذنه مجدداً على صدرها كي يستمع، وقد أصبح متأكداً من أنَّ أمامه حالة تضيقٍ في الصمام التاجي.

كانت تكمن مهارة الدكتور جايكوب في استخدامه لحواسه بشكل فعال، فقد كان يفتقر إلى حاسة البصر حقاً، غير أنَّ حواسه الأخرى كانت حادة بشكل مدهش. على سبيل المثال، كان يستطيع أن يميز كتابة "برايل" بأصابعه من أعلى ثلاث محارم، بل وكان يتعرف على الناس من حوله عن طريق رائحتهم. كانت رحلة الدكتور جايكوب المدهشة في بداية القرن العشرين، حين لم تكن التكنولوجيا قد تطورت بالشكل الكافي بعد لمساعدة المكفوفين.

أما اليوم فيعمل الباحثون على جعل حياة الشخص الكفيف أسهل، من خلال تطوير تقنيات تستغل حدة الحواس الأخرى مثل اللمس والسمع، والتي تكون أكثر كفاءة لدى المكفوفين عن المبصرين. لكن من ناحية أخرى لا نجد أي من تلك التقنيات تعمل على استغلال الإمكانات البصرية المتبقية لدى الشخص الكفيف!

هل يكون لدى الكفيف أي إمكانات بصرية؟! الإجابة هى نعم!

في الواقع، تكون حالة العمى التام نادرة للغاية. وهنا تلعب شركة " VA-ST " الناشئة دورها لتعزيز تلك الإمكانات من خلال استخدام نظارات تجعل الكفيف يتمتع بحرية أكبر في الحركة وتفادي العوائق.

يُعتبر الشخص كفيفاً بشكل رسمي" Legally Blind "عندما تكون حدة بصره مساوية أو أقل من (60\6) حتى مع استخدام النظارات أو العدسات اللاصقة. ولكي نتخيل مدى صعوبة هذا الأمر، فلنتخيل أن الشخص العادي الذي يتمتع بحدة بصر (6\6) يستطيع أن يرى جسماً ما ويميز تفاصيله بوضوح من على بعد 60 متراً بينما يحتاج الكفيف أن يكون على بعد 6 أمتار كي يتمكن من تبين التفاصيل ذاتها. كما يعتبر الشخص كفيفاً أيضاً إذا كان مصاباً بالرؤية النفقية

" Tunnel Vision" أي أن مجال رؤيته لا يتعدى 20 درجة، حيث تتبقى لدى هؤلاء الأشخاص بعض الإمكانات البصرية وإن كانت كافية بالكاد للحركة وتبين شدة الإضاءة.

توصلَ "ستيفن هيكس" – وهو باحث بعلم الأعصاب والأجهزة التعويضية البصرية بجامعة أكسفورد والمؤسس المشارك لشركة "VA-ST "– لفكرةٍ لتطوير جهاز تعويضي قابل للارتداء يدعى " Smart Specs"، يُمكِن الأشخاص الذين يعانون من عجز بصري على تبين محيطهم واستكشافه بسهولة.

يُثبت الجهاز على الرأس ويتضمن:

• نظارة يُعرض عليها الصورة التي يراها الشخص الكفيف.

• كاميرا تقيس عمق البيئة المحيطة.

• كاميرا ملونة عادية.

كيف يعمل نظام Smart Specs؟

إنَّ إحدى المتطلبات الرئيسية للحركة هى القدرة على تحديد مواقع الأجسام القريبة بسرعة ودقة كي تسمح بتفادي العوائق بالسرعة العادية للمشي. ومن أجل هذا الغرض فإن الجهاز يكون بحاجة إلى قياس المسافات بين جسم الشخص الكفيف والعوائق الموجودة من حوله، وذلك من أجل رسم خريطة ثلاثية الأبعاد للبيئة المحيطة. ولكي تتم تلك المهمة بنجاح، يستخدم الجهاز تقنية تشبه إلى حد كبير آلية عمل الرادار.

يقوم الرادار بالكشف عن الأجسام عن طريق إرسال الموجات فوق الصوتية، والتي تنعكس من على سطح الجسم وترتد مرة أخرى عائدةً إلى الرادار، فيحدد موقع الجسم من خلال حساب المدة التي استغرقتها الأشعة في رحلة الذهاب والعودة، وهي الآلية ذاتها التي يستخدمها الخفاش لتفادي العوائق.

بالمثل، يعمل جهاز "Smart Specs" على إرسال الأشعة تحت الحمراء إلى الأسطح القريبة ثم تلتقط كاميرا العمق " Depth Camera" الأشعة التي ارتدت من على أسطح الأجسام، ليقوم نظام تحليل الصورة فيما بعد بتحديد بُعد الأجسام وموقعها وبناء خريطة للبيئة المحيطة.

ولكن ما الفائدة من الخريطة إذا كان الشخص الذي يضع الجهاز غير قادر على رؤيتها؟

وللإجابة على هذا السؤال، علينا أن نعرف أولاً أن الإنسان في الأصل يدرك بعده أو قربه من الأجسام المحيطة بِهِ عن طريق ملاحظة تباين إضاءة الجسم من موقع قريب عن موقع آخر بعيد، كما أن حجم الصورة التي تسقط على القرنية وكمية التفاصيل التي يمكن رؤيتها على سطح الجسم تعطى دليلاً آخراً قوياً على بعد الجسم أو قربه في مجال الرؤية.

وللاستفادة من تلك الآلية البديهية لدى الإنسان، يتم ترجمة خريطة البيئة المحيطة إلى صورة مرئية يستطيع الشخص الكفيف تمييزها. تكون الصورة المعروضة على النظارة الملاصقة لعين الشخص كرتونية تتألف من درجات الأبيض والأسود، فتظهر الأجسام القريبة بيضاء مكبرة ومضيئة وهي الأجسام التي يجب تفاديها والابتعاد عنها، أما الأجسام البعيدة فتكون سوداء ومعتمة للدلالة على أن ثمة مسافة آمنة بين الشخص وبينها. أما الكاميرا الملونة المرفقة فتستخدم لتقريب الأجسام أو توقيفها" pause" في مجال الرؤية.

ما زال على "هيكس" وفريقه العمل على تصغير وحدة معالجة الصورة المرافقة لجهاز الرأس وتقليل وزنها وجعل شكلها أفضل.

قال الدكتور "جايكوب بولوتين" ذات مرة:

"إذا كان الرجل لا يملك عينين، فهل يعني هذا الأمر أنه بلا عقل؟ هذه هى مشكلة العالم مع الرجل الكفيف. كل ما يطلبه المكفوفون أن تكون قواعد اللعبة عادلة. فقط امنحوهم فرصاً متساوية من دون تحيز".

تُعطي تقنيات مثل "Smart Specs" وغيرها المكفوفين أملاً جديداً وفرصة عادلة لممارسة حياة طبيعية، فهل تنجح التقنية يوماً ما في أن تعيد إليهم أبصارهم من جديد؟

المصدر:

هنا

هنا

هنا

هنا