الطب > مقالات طبية

الصرخات البشرية تتفوق على هدير الطائرات

هذا العالمُ المزعجُ كله لا يُعتَبر شيئاً إذا ما قُورِن بصراخِ الأطفال! قد تُحلِّق طائرة فوق منزلكَ في الوقت الذي تقومُ به بالاحتفالِ الصاخبِ مع أصدقائك، وبنفس اللحظة تكون هناكَ حربُ قططٍ شديدةٌ في الخارج، ومع كلِّ هذا فإن بكاءَ الطفلِ سيبقى هو الحائزَ الأكبرَ على اهتمامك.

• أحدُ التفسيرات المُحتملة والتي نُشرت في 16 من شهر تموز من العام 2015 في مجلّة Current Biology تقول أنّ صراخ الإنسان يمتلك خاصيةً صوتية مميزة لا تُحفِّزُ الجزء الدِّماغي المسؤول عن السمع فحسب، بل تحفّز أيضاً الدوائر الدماغية المسؤولة عن الخوف.

• يقولُ الدكتور ديفيد بويبل David Poeppel كبيرُ المشاركين في هذه الدراسة، والذي يترأس مختبر معالجة اللغة والكلام في جامعة نيويورك: "إذا سألتَ شخصاً في الشارع عن الشيء الذي يميِّز الصرخات فسيخبرك أنها عالية وذات نغمة حادة" ثم أردَف قائلاً: "ولكن هناك الكثير من الأشياء عالية الصوت والكثير ذو نغمة حادة كذلك، فلماذا إذاً قد تحتاجُ أنْ تصرخَ لتكون مؤثِّراً وفعّالاً في التواصل؟!"

• يستطيعُ الإنسانُ أن يصنع أشكالاً مختلفةً من الضّجةِ ذات المعنى. أحد الأشياء التي تجعلنا بشراً هي أن آذانَنا تستطيع تمييز أنماط الكلام المُتكوِّن من أحرف صوتية وساكنة، وهذه الخطوة تُعتبر أرقى من مقدرتنا على التمييز فيما إذا كانَ الصوتُ لذكرٍ أو لأنثى أو لإنسان أو أنواع أخرى من الأصوات. المنطقة الدماغية التي تحلل هذه المعلومات الصوتيةَ معروفةٌ، ولكن هناك منطقة واحدة كان يَعتقد العلماء أنّ لا وظيفةً كبيرةً لها في التواصل البشري. هذه هي المنطقة التي تُعنى بالصراخ.

• بعد ملاحظة نتائج الدِّراسات القليلة التي أُجريت على صراخ البشر، قامَ الدكتور لوك أرنال Luc Arnal وهو باحث دراسات ما بعد الدكتوراه عند الدكتور بويبل بترأُّسِ سلسلةٍ من الدراسات لتحليل خصائصِ الصراخ. بما أنَّه لا يوجد مَخْزنٌ طبيعيٌ للصرخات البشرية، فقد قام الباحثون باستخدام تسجيلاتٍ مأخوذة من مقاطع فيديو على اليوتيوب والأفلام المشهورة، بالإضافة إلى صارخين متطوعين طُلِبَ منهم الصراخُ داخل مختبر الصوت قدْرَ الإمكان. قامَ العلماءُ بتخطيط الموجات الصوتية بأسلوبٍ يعكس تحفيزَ الأعصابِ السمعيةِ، ولاحَظوا أن الصراخ يُنشِّط مجموعةً من المعلوماتِ السمعية التي اعتقدَ العلماءُ سابقاً أنها ليست مهمة للتواصل.

• يقول الدكتور بويبل والذي يرأسُ كذلك قسم علمِ الأعصاب في معهد ماكس بلانك: "وجدنا أن الصراخ يحتلّ منطقةً خاصة من الجهاز السمعي العصبي، لكن أردنا أن نَدرُسَ مجموعةً كاملة من الأصوات لتأكيدِ أنَّ هذه المنطقة مُخصّصةٌ للصراخ. في سلسلةٍ من التجارب قارنّا الصراخِ بالغناء والكلام ورأينا أن هذه النتيجة صحيحةٌ حتى عند استخدام لغات مختلفة. الاستثناء الوحيد لذلك -والذي كان غريباً وممتازاً- هو أن إشارات أجهزة الإنذار (جهاز إنذار السيارة، جهاز إنذار المنزل، إلخ) بإمكانها هي أيضاً أن تُنشِّطَ هذه المنطقة بجانب الصراخ"!

• ما يميز الصراخَ والإنذاراتِ عن باقي الأصوات هو أنها تتمتع بخاصيةٍ تُسمى "الخشونة"، والتي تُشير إلى مدى سرعةِ تغيُّر عُلُوّ الصوت. بالنسبة لأَنماط الكلام العادي فإنَّ هناك اختلافاتٍ بسيطةً فقط في علوّ الصوت (ما بين 4 و5 هرتز)، أمّا بالنسبة للصرخات فإنَّ تغييرَ طبقة الصوت يكون سريعاً جداً والاختلافاتِ قد تكون واسعة (يتراوح بين 30 و150هرتز). لما طَلَبَ الدكتور أرنال وفريقه من الناسِ أن يَحكموا على الصرخات من ناحية الرُّعب والفزع، كانت النتيجة أن الصرخاتِ الأكثرَ خشونةً هي الأكثرُ رعباً. أيضاً، فإنّ تعديلَ موجةِ صوتٍ عادي لتصبح أكثر خشونة جَعَلَها تشبه الصراخ. أكَّد الباحثونَ بعد ذلِك أنَّ زيادةَ الخشونة يترافق مع تحفيزٍ أكثر لاستجابةِ الخوف في اللوزة الدماغية Amygdala.

• أشارت نتائج الدراسة كذلك إلى أن مهندسي الصوت يَضَعون خاصية الخشونة عن طريق الخطأ والمحاولة فقط. صحيحٌ أن الإنذارات والصرخات في الأفلام تؤدي وظيفتها بجذب انتباهنا بشكلٍ كافٍ، ولكنْ قد نستطيعُ جعلَها أفضلَ لاحقاً. قال الدكتور أرنال: "هذه النتائج تشير إلى أنَّه قد يمكن تحسين أجهزة الإنذار لاحقاً. فإضافةُ الخشونة لأصواتِ الإنذارات من الممكن أن يُحسِّن ويُسرِّع عملية الإنذار، تماماً كما نضع رائحةً كريهة في الغاز الطبيعي لنستطيعَ الكشفَ عنه بسهولة وسرعة".

• سَيستَمرُّ الباحثون بفحص ودراسة الصراخ البشري في المختبر، خصوصاً صراخ الأطفال، ليَرَوا ما إذا كانَت صرخاتهم خشنةً. أيضاً قد يُطبِّق الباحثون تحليلاتِهم هذه ونتائَجهم على صراخ الحيوانات ليعرفوا أكثر كيف تمَّ الاحتفاظُ بهذه الصفة عبر الأنواع.

• يقول الدكتور بويبل: "الصرخات فعلاً تعمل، فهي واحدةٌ من الأصواتِ المُبكِّرةِ التي يُطلِقها الجميع وهي توجد في كل الثقافات وفي كلِّ الأعمار، لذلك نرى أنه ربما يكون هذا هو الطريق للوصولِ لبعضِ الرُّؤى المثيرة حول الأدمغة البشرية وما تَشتَرك به بخصوص النطق".

المصدر:

هنا