علم النفس > المنوعات وعلم النفس الحديث

كيف تغير ملابسنا من طريقة تفكيرنا و إدراكنا؟

كيف تغير ملابسنا من طريقة تفكيرنا و إدراكنا؟

من المعروف أن للملابس تأثيراً قوياً على الطريقة التي ينظر بها الآخرون إلينا، فقد تكون موهوباً و صاحبَ كفاءة إلا أن ارتداءَ بنطال الرياضة لمقابلة عمل مثلاً لن يُوصِل طموحك إلى رئيس العمل.

ولكن الملابس لا تشكّل طريقة رؤية الآخرين لنا فقط، فقد وجد بحثٌ جديد من قِبَل فريق علماء النفس من جامعة ولاية كاليفورنيا- نورث ريدج، وجامعة كولومبيا أن الملابس التي نرتديها بإمكانها أن تؤثر أيضاً على الطريقة التي نفكر بها!

"إن شكليّة الملابس قد لا تؤثر على نظرة الآخرين لشخصٍ ما وعلى نظر الشخص لنفسه فحسب، بل قد تؤثر أيضاً على اتخاذ القرارات في المجالات الهامة من خلال تأثيرها على أسلوب معالجة الأمور"

كان الباحث سليبيان Slepian و زملاؤه مهتمّين بدراسة كيفية تأثير الملابس الرسمية على التواصل بين الأشخاص، فالملابس الرسمية قد يكون لها دور كدور اللغة الرسمية؛ بإمكانها أن تزيد من المسافات الاجتماعية أو النفسية بين الناس أو تقرب من هذه المسافات. على سبيل المثال، يُخاطب الناس عادةً شخصاً غريباً عن طريق لَقَبه بدلاً من اسمه الأول حتى وإنْ كانا من ذات المستوى الاجتماعي.

و قد أظهرت الأبحاث الأخيرة أن وضع الحدود في أسلوب التعامل مع الناس بإمكانه أن يزيد من التفكير المجرد (أي التفكير بالأشياء الذهنية غير الملموسة كمبادئ الوفاء والحرية وغيرها من الأفكار المجردة)، حيث وُجِد -مثلاً- أن الناس يستخدمون لغةً أكثر رسمية عندما يريدون مخاطبة شخصٍ ما بطريقة مؤدّبة.

في سلسلةٍ من التجارب طُلب من الطلاب ارتداء ملابسهم الاعتياديّة، ثم تمّ إجراء مجموعة من الاختبارات الموحّدة لقياس أسلوب المعالجة الإدراكية لديهم، كما أُعطِي للطلاب قائمة من الإجراءات و طُلب منهم الاختيار بين شرحٍ مجرد أو ملموسٍ للمبدأ المُعطى.

فعلى سبيل المثال، كلمة "التصويت" قد تحمل معنَيين أحدهما مجرد و واسع يعني المشاركة في الانتخابات والتأثير على نتائجها، والمعنى الآخر أكثر ماديّةً و واقعيّة وهو وضع علامة "صح" على استمارة التصويت مثلاً. وقد تبيّن أن الطلاب الذين ارتدوا الملابس الرسمية أظهروا ميولاً أكبر للمعالجة المجردة للمواقف التي عُرضت عليهم!

في تجربةٍ أخرى طُلب من 54 طالباً في الكلية إحضار مجموعتين من الملابس إلى المختبر، رسمية أو عادية، لمعرفة كيف يبني الناس انطباعاتهم عن بعضهم على أساس الملابس، و تمّ تكليف المشاركين بالتغيير بين ملابسهم الرسمية و الاعتيادية بشكلٍ عشوائي، ثم أكمل الطلاب اختبار المعالجة المعرفية لتحديد فيما إذا كانوا أكثر تركيزاً على الصورة الكبيرة أم على التفاصيل الأكثر دقة، حيث عُرضت سلسلة من الأحرف الكبيرة المكونة من أحرف أصغر مركبّة فوق بعضها البعض لتشكّل الحرف الكبير (مثلاً حرف كبير L أو H مكوّنة من ثمانية أحرف أصغر L وH مصطفة بمحاذاة بعضها)، وكان على المشاركين تحديد أيّاً من تلك الأحرف أكثر تحفيزاً: الأحرف الكبيرة أم سلسلة الأحرف الصغيرة، و ذلك بالضغط على لوحة مفاتيح الحاسوب.

و كما هو متوقع، فإن المشاركين الذين ارتدوا الملابس الرسمية فضّلوا المعالجة الشاملة المجردة (الأحرف الكبيرة) أكثر من المعالجة المحدودة (الأحرف الصغيرة) مقارنة بالطلاب الذين ارتدوا ملابس الطريق.

إذاً، إن أسلوب المعالجة بإمكانه التأثير على الكثير من العوامل الهامة في مكان العمل وذلك بدءاً من طريقة الناس في اقتراح القرارات إلى طريقتهم في التركيز على المهام الموكلّة إليهم وطريقة معالجتهم لتلك المهام.

رغم ذلك يصرّ الباحثون على أن هناك حاجة إلى أبحاث أكبر و عيّنات أكثر تنوعاً من أجل الوصول لفهم أفضل لمدى تأثير الملابس الرسمية على الإدراك والتفكير.

المصادر:

هنا

Slepian، M. L.، Ferber، S. N.، Gold، J. M.، & Rutchick، A. M. (2015). The Cognitive Consequences of Formal Clothing. Social Psychological and Personality Science. doi: 10.1177/1948550615579462