الفلسفة وعلم الاجتماع > علم الاجتماع

الموت الرحيم الطوعي

جئنا إلى هذه الحياة دون خيار منّا. أليس من حقنا أن نختار موتنا كنهاية لحياتنا بعد ما أُُجبرنا على الولادة كبداية؟ لماذا لا يجوز لنا اختيار إنهاء الحياة وأن نقول كفى لهذا الحد؟ أليس هذا الأمر جزءاً من شخصية وذاتيّة كلّ إنسان، مثلها مثل خياره في مكان عيشه ودراسته وعمله وزوجه أو زوجته؟ ثمّ أليس نضالنا للبقاء ونحن لا نريد ولا نرغب هدراً لإنسانيتنا؟ في مقالنا هذا سنتعرض للموت الرحيم الطوعي ومفهومه، ولماذا أيّد جمعٌ كبير هذا الموت واعتبره جزءاً لا يتجزأ من كينونة الإنسان. إليكم هذا المقال.

عندما يقرر شخص ما قتل شخصٍ آخر وفق ما يعرف بالقتل الرحيم، فهو يتصرف بحياة شخص آخر لأنه يعتقد أن وجود هذا الشخص سيء جداً لذلك من الأفضل أن يموت، فيكون دافعه في هذه الحالة منفعة هذا الشخص الموشك على الموت. سيكون موضوعنا عن القتل الرحيم الطوعي، وهي الحالة التي يقوم فيها شخص مؤهل وبطلب طوعي بمساعدة شخص ما على الموت. وهذا ما يختلف عن القتل الرحيم القسري، ويكون ذلك عندما يكون الشخص غير مؤهل أو غير قادر على التعبير عن رغبة بالقتل الرحيم ولا يوجد شخص مخوّل لاتخاذ قرار بديل.

الجدال حول شرعية وأخلاقية القتل الرحيم كانت ظاهرة النصف الثاني من القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين. اليونانيين القدامى والرومان لم يؤمنوا أن الحياة يجب أن تكون محفوظة مهما كلّف ذلك، فكانوا متسامحين بشأن الانتحار في الحالات التي لا يمكن فيها تقديم أي مساعدة أو راحة لمن يموت أو في حالة فلسفة ال stoics and epicureans حيث لا يعود الشخص مهتماً بحياته. في القرن السادس عشر، توماس مور يتصور مجتمع المدينة الفاضلة كمجتمع يسهل موت الذين أصبحت حياتهم متعبة نتيجة الألم الدائم والشديد.

- عرض لتاريخ إقرار شرعية الموت الرحيم:

في السنوات المئة الأخيرة كان هناك جهد لوضع نص قانوني للموت الرحيم الطوعي. وحتى وقت قريب، لم يحصل نجاح في وضع مثل هذا النص القانوني. وفي السبعينات والثمانينات من القرن الماضي عرضت سلسلة من القضايا في المحاكم في هولندا، توّجت باتفاق بين السلطات الشرعية والطبية وتؤكد أنه لن يحاكم أي طبيب بسبب مساعدته لمريض على الموت طالما يوجد العديد من الخطوط التوجيهية التي يجب التقيد بها بشدة. فتمّ تأسيس هذه الخطوط التوجيهية لتسمح للطبيب أن يمارس القتل الرحيم الطوعي في تلك الحالات حين يتخذ مريض مؤهل قراراً طوعياً بالموت، وذلك عندما تكون معاناة المريض غير محمولة ولا يوجد طريقة لجعل تلك المعاناة محمولة أومقبولة عند المريض، وقرار الطبيب كتشخيص يتم قبوله بعد مشاورة طبيب آخر. وفي التسعينات، تم اتخاذ أول موافقة قانونية للقتل الرحيم الطوعي في برلمان الإقليم الشمالي الأسترالي، ليسمح للطبيب أن يمارس القتل الرحيم عام 1996 وواجه العديد من التحديات القانونية من معارضي الموت الرحيم بعد إعلان الموافقة. عام 1997 تُوِّجت هذه المواجهات في البرلمان الأسترالي العالمي بقلب الشرعية، عندما منعت الأقاليم الأسترالية السماح بالموت الرحيم. وفي ولاية أوريغون في الولايات المتحدة الأمريكية، تم تقديم الشرعية عام 1997 بالسماح بالانتحار بمساعدة الطبيب بعد استفتاء أيّد بشكل واضح هذه الشرعية. وفي عام 1997 قررت المحكمة العليا في الولايات المتحدة الأمريكية، أنه لا يوجد حق دستوري للانتحار بمساعدة الطبيب. وبقيت شرعية ولاية أوريغون معمول بها واستخدمت بنجاح من قبل العديد من الناس. في نوفمبر 2000، أعطت هولندا الشرعية لممارسة القتل الرحيم. ثم مرت هذه الشرعية خلال كل المراحل البرلمانية وأصبحت قانوناً عام 2001 . ووافق البرلمان البلغاري على هذه الشرعية عام 2002.

- الحالات التي دعت لشرعية الموت الرحيم:

الحالات التي دعا لأجلها البعض لجعل شرعية الموت الرحيم مسموحة تقتضي التدرج بحيث تعطي أهمية للنقاش الأخلاقي حول الشرعية. وثانياً، يجب أن نحدد الحالات الأخلاقية الإيجابية التي تدعم شرعية الموت الرحيم. وثالثاً، يجب أن نراعي الاعتراضات الأخلاقية الهامة التي قدّمها المعارضون لشرعية الموت الرحيم.

• خمس شروط فردية ضرورية للترشيح للقتل الرحيم الطوعي:

أكدّ دعاة القتل الرحيم الطوعي أنه إذا كان شخص ما:

1- يعاني من مرض عضال.

2- من غير المرجح أن يستفيد من علاج مكتشف لهذا المرض أثناء الفترة المتبقية من حياته.

3- أنه -وكنتيجة مباشرة للمرض- إمّا أنه يعاني من ألم لا يحتمل أو أن أمامه حياة متعبة غير مقبولة (لأن المريض يحتاج للمعالجة بطرق تجعل الشخص بحاجة للاعتماد على الآخرين بشكل غير مقبول أو على وسائل التكنولوجيا لدعم الحياة).

4- لديه رغبة دائمة وطوعية ووافية للموت ( أو أنه قبل أن يفقد الكفاءة لفعل ذلك أعرب عن الرغبة بالموت نتيجة حدوث الحلات السابقة من البند 1 و 3 ).

5- غير قادر أن ينهي حياته من دون مساعدة.

في هذه الحالات يجب أن يكون هناك بنود طبية وقانونية تجعل من المسموح أن يموت هذا الشخص أو أن يتم مساعدته على الموت. وهذه الحالات مقيدة إلى حدٍ بعيد، فواقعيا إنها أكثر تقييداً مما قد يعتقده البعض. فهذه الشروط تأخذ بعين الاعتبار أن القتل الرحيم الطوعي قابل للتطبيق فقط على المرضى الميئوس من شفائهم. في حين أنه غير متاح للحالات الغامضة. وهو لا يتضمن إحداث حالات الوفاة لضحايا الحوادث المشلولين أو ضحايا الزهايمر المبكر. وهذه الحالات تجعل الشرط الأول تقييدي جداً. ومن الممكن إجراء الموت الرحيم عندما تكون الحالة الصحية للإنسان غير قابلة للعلاج. ما يعترض به الكثيرون على شرعية القتل الرحيم الطوعي أنه ليس فقط الألم الذي يقود الناس للرغبة بالمساعدة على الموت. ففي هولندا على سبيل المثال، هناك أسباب أقل لطلب المساعدة على الموت من الأشكال الأخرى من المعاناة والإحباط مع فقد الاستقلالية. المعانون من بعض الحالات المستعصية يمكن أن يخففوا ألمهم ولكن يجب أن يتحملوا الآثار الجانبية التي تجعل حياتهم غير محتملة. والشرط الرابع يتطلب أن يكون خيار الموت ليس فقط طوعياً بل يجب أن يُتخذ بشكل واعٍ، وأن تتم مناقشة الخيار وإعطاء الوقت المناسب للتراجع.

• حالات أخلاقية للموت الرحيم الطوعي:

الموافقة المركزية الأخلاقية للقتل الرحيم – التي تحترم خيارات الشخص طالما أنها لا تؤذي الآخرين – متصلة بشكل مباشر بموضوع الكفاءة لأن الذاتية تتطلب الكفاءة. الأشخاص لديهم الاهتمام في اتخاذ قرارات هامة حول حياتهم وفقاً لتصورهم الذي يريدونه لحياتهم. وبممارسة الذاتية، يأخذ الأشخاص المسؤولية لحياتهم ولما كان الموت جزء من الحياة، فإن الخيارات حول طريقة وزمن الموت هي بالنسبة للعديد من الأشخاص جزء من هذه المسؤولية تجاه حياتهم. وهناك العديد من الأشخاص الذين يقلقون حول كيفية مرور المرحلة الأخيرة من حياتهم، ليس فقط بسبب الخوف أن موتهم سيسبب معاناة كبيرة لهم، بل بسبب الرغبة في الاحتفاظ بكرامتهم والتحكم بهذه المرحلة من حياتهم.

إن التدخل التقني للطب الحديث، كان له أثر في تمديد الوقت الذي يتطلب العديد من الأشخاص للموت. أحياناً هذه الحياة الإضافية تكون فرصة إيجابية يسعد بها الشخص، وأحياناً تطيل فترة الانحدار الجسدي والفكري.

وأخيرا، إذا كانت المساعدة الطبية هي تقديم المساعدة للشخص ليختار قراره الذاتي بموت سهل (لأنه لا يستطيع انهاء حياته بنفسه)، فإن ذاتيّة أي مهني الذي يعطي مساعدته أيضاً يجب احترامها. فإنّ قرار الشخص بإنهاء حياته، لا يعطي المريض الحق في إجبار المهني أن يتصرف بعكس قيمه الأخلاقية إن رفض ذلك.

تعرضنا في هذا المقال لوجهة نظر المؤيدة حول الموت الرحيم الطوعي. وفي مقالنا القادم سنبرز الجانب الآخر من المعارضين له وأسبابهم ومبرراتهم تجاه ذلك.

المراجع:

هنا