الفلسفة وعلم الاجتماع > مصطلحات

الاستشراق

إنّ مصطلحَ الاستشراقِ مشتقّ من كلمةِ (الشّرق)، وعليه يكون الاستشراق هو (علم الشّرق) والّذي يُعنى بالاهتمام بآداب الشّرق وعلومه وقضاياه والغوص في لغاته وثقافاته. يُعرّف قاموس اكسفورد المُستشرِق، بأنّه من تبحّر في لغات الشّرق وآدابه. كما عمل باحثون كثر على تقديم تعريفات عدة للاسشتراق، فمثلاً عرّفه "ادوارد سعيد" على أنّه ليس مجرّد موضوع سياسيّ أو حقل بحثيّ ينعكس سلباً باختلاف الثّقافات والدّراسات، وإنّما هو توزيع للوعي الجّغرافيّ إلى نصوصٍ جماليّة وعلميّة واقتصاديّة واجتماعيّة ولغويّة. كما أنّ له دلالة أكاديميّة تُطلق على كلّ من يقوم بتدريس الشّرق أو الكتابة عنه. فمتى كانت بدايات هذا المفهوم؟ وماهي أهدافه؟ هذا ما نحاول الإجابة عليه في هذا المقال.

بداياته:

يعود تاريخ الاستشراق الفعليّ إلى القرن السّابع عشر، أي بعدما تبنّت أوروبا ثورتها الفكريّة والصّناعية والتي كان لها عظيم الأثر في إنشاء الجّامعات ومراكز البحوث العلميّة. وهناك من يعيد نشأة المصطلح إلى عهد العرب في الأندلس. لكن في جميع الأحوال اتّبع المستشرقون عدّة وسائل لتسليط الضّوء على العالم العربيّ، فمثلاً قاموا بإنشاء المؤسّسات العالميّة لتوجيه التّعليم والتّثقيف الاستشراقيّ، وجمعوا المخطوطات العربيّة، وعقدوا المؤتمرات والنّدوات، وكان من أهم هذه المؤتمرات مؤتمر باريس الدّولي الذي عُقد عام 1973 حيث عمدوا على إلغاء كلمة "استشراق" لارتدائها دلالات سلبيّة، وعليه يصبح تجمّع المستشرقين يحمل اسم: اللجنة الدّولية للدّراسات الآسيويّة والشّمال إفريقيّة. ومؤتمرات اللجنة تُعقد باسم: مؤتمرات العلوم الإنسانيّة الخاصّة بمناطق العالم الإسلامي.

ولعلّ أهمّ ما قاموا به هو إضافة أقسام جامعيّة في جامعات أوروبا وأميركا عُرفتْ باسم "دراسات الشّرق الأوسط والدّراسات الإسلاميّة"، ولقد اهتمّ الاستشراق منذ نشأته بنشر الكتب الّتي تتناول الإسلام والأحوال الاجتماعيّة له. وقد برزعدد من المستشرقين ممن عرفوا بغزارة اهتمامهم بقضايا الشّرق.

حيث كتب "ألف كولسون" في التشريع الإسلامي، و"برنارد لويس" تاريخ العرب. هذا عدا عن اعتبار كتاب "كارل بروكلمان" الذي تحدّث فيه عن تاريخ الشّعوب الإسلاميّة، من المراجع الأساسيّة في دراسة التّاريخ الإسلاميّ.

أهداف الاستشراق:

كان يُعرَف عن الاستشراق في بداياته بمهمّاته الاستكشافية والتّبشيريّة، أمّا في الآونة الأخيرة بدأ يُطلّق على المستشرقين لقب "خبراء شؤون الشّرق الأوسط" الّذين يمدّون صنّاع القرار بمعلوماتٍ وخدماتٍ عن أحوال وأوضاع وقضايا هذا الشّرق بما يناسب أهدافهم ومخططاتهم.

وهنا من الجيّد أن نذكر ما كتبه "حسين مروة" عن الاستشراق فقال بأنّه يُقسم لثلاثة تيارات:

• أوّلها تيار عنصريّ يمجّد التفوق الآري-الغربي الذي يرتبط بالعقل، أمّا الشّرق فيرتبط بالرّوح.

• التّيار الثاني الّذي يقرّ بمركزيّة الفلسفة في الغرب، وهذا التيار كان غطاءً للامبريالية الغربية وسيطرتها على الشرق، ونرى من أتباع هذا التيار "هيغل" الذي دعا إلى حذف الفكر الشرقي من الفلسفة.

• التيار الثالث والأخير الذي اهتمّ بالجوانب المظلمة والغيبية مثل التصوف والدروشة.

ويعود "مروة" ليتحدّث عن الاستشراق الماركسي الذي دعا إلى مركزية العالم بدلاً من مركزيّة أوروبا، وتبنّي الأمميّة بدلاً من العنصريّة.

وعلى أيّة حال، وبالرّغم من ممارسات المستشرقين المتعصّبين في القرون الوسطى الّذين عمدوا على طمس ملامح الشّرق ونبذه، لكن ظهرت في القرن العشرين كتابات عديدة زعمت أنّها تخطّت الممارسات السّلبيّة السّابقة، وكذلك ظهر مفكرون كثر نظروا للشّرق نظرة منصفة وربطوا التعصّب السّابق بجهل المستشرقين وابتعادهم عن الواقع.

ومن الأمثلة على ذلك نلاحظ كتاب "توماس آرنولد" الدّعوة إلى الإسلام، وكذلك جامعة أكسفورد التي نشرت موسوعة عن العالم الإسلامي الحديث مؤلّف من أربع مجلّدات تعتبر من أكثر الموسوعات دقّة ومصداقيّة. وزد على ذلك الدّعوات لتحديد القضايا الّتي يجب أن يُعنى بها الاستشراق ضمن السّياق التّاريخي والإقتصادي والإجتماعي، مثل قضايا الظّلم والاستبداد، حقوق المرأة والطّفل، النّضال ضدّ التّمييز العنصري وغيرها من القضايا التي يعايشها العالم العربيّ.

المصدر:

خيانة المثقفين- ادوارد سعيد- دارنينوى.