الاقتصاد والعلوم الإدارية > اقتصاد

لمحة عن إدارة الموارد البشرية

أصبحت إدارة الموارد البشرية جزءاً أساسيا من الهيكل التنظيمي للشركات الحديثة، حيث تعتبر من أهم الإدارات الداعمة لسلسة القيمة، وتؤثر نشاطاتها بشكل ملحوظ في أداء الشركات وانتاجيتها، فما هي هذه الإدارة وكيف تطورت وما هو الدور الذي تقوم به في الشركة؟

يعد البروفيسور جون كومونز أول من استخدم مصطلح "الموارد البشرية" في كتاب "توزيع الثروة" الذي نشر في عام 1893 في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تطور المصطلح منذ ذلك الحين على يد عدد من الباحثين والأكاديميين مع تطور المؤسسات واهتمامها بإدارة كافة أنواع الموارد المتاحة بالشكل الأمثل، حيث يشمل تعريف الموارد البشرية وفقاً لشولر وجاكسون (2011) كافة الأشخاص الذين يقدمون عمل للمنظمة أياً كان نوعه، بالإضافة إلى الأشخاص الذين من الممكن أن يشاركو في تقديم أي عمل للمنظمة في المستقبل. تُعرّف إدارة الموارد البشرية بأنها مجموعة النظم والضوابط التي تعنى باستقطاب وتطوير وتحفيز والحفاظ على الموظفين بطريقة تضمن عمل المنظمة بالشكل الأمثل وتحقق الاستمرارية والنمو للمنظمة والاشخاص المعنيين بها (شولر وجاكسون، 2011).

تنبع أهمية هذه الإدارة بأنها تُعنى بالفرد في المؤسسة والذي يشكل شريان الحياة الرئيسي في أي مؤسسة ناجحة، كونه المصدر الرئيسي للإنتاج، ولذلك تطورت هذه الإدارة بسرعة من إدارة تقليدية تهتم بملفات وشؤون الموظفين لتصبح إدارة استراتيجية تضمن تحقيق المؤسسة لأهدافها من خلال التخطيط وتنظيم العمليات الإدارية للأفراد. تتقاطع نشاطات هذه الإدارة مع كافة الإدارات الأخرى لضمان تركيز الفرد على القيام بالعمل الموكل إليه وزيادة انتاجيته، وبذلك تقدّم هذه الإدارة قيمة مضافة هامة للمنظمة تضمن لها التفوق في مجال عملها مقارنة بالمنافسين، حيث تتقارب في كثير من الأحيان حدود الموارد أو الاستثمارات المالية للشركات التي تعمل في قطاع اقتصادي معين، وتتميز فيما بينها بطريقة إدارة الموارد البشرية لتحقق الميزة التنافسية التي تعد من أهم عوامل النجاح.

سلسلة القيمة – بورتر

تغطي نشاطات إدارة الموارد البشرية بشكل عام كافة مراحل وجود الفرد في أي مؤسسة كعضو منتج، إذ تبدأ نشاطاتها منذ مرحلة ما قبل التوظيف وتنتهي مع انتهاء علاقة الفرد بالمؤسسة. وبشكل عام يمكن اختصار نشاطات ادارة الموارد البشرية بست محاور رئيسية هي:

1- النشاطات المتعلقة بإدارة الأفراد بطريقة مثلى.

2- تعزيز الانتاجية من خلال تطوير الكفاءات الفردية.

3- تطوير نظم وسياسات عمل فعالة تضبط آلية العمل في المنظمة.

4- تحفيز الموظفين على الإبتكار والابداع وقياس الانتاجية.

5- تعزيز التواصل مع الموظفين وخلق بيئة عمل صحية وسليمة.

6- إدارة التغيير الايجابي في المنظمة.

ومن الناحية العملية، يقدم بيارز ورو في كتاب ادارة الموارد البشرية (2010)، تصنيفهما الذي يقسم نشاطات الادارة الى ثلاث محاور رئيسية مفصّلة بطريقة عملية على الشكل التالي:

1- نشاطات التوظيف والدخول الى العمل: وتتضمن تخطيط القوى العاملة بشكل يضمن تحقيق أهداف المنظمة، تحليل الأعمال والتوصيفات الوظيفية، توظيف القوى العاملة واختيار الموظفين وتحديد أعمالهم، تعريف الموظفين بنشاطات المنظمة.

2- النشاطات التنموية: وتشمل تحديد المهارات المطلوبة لتحسين الانتاجية، تصميم وتنفيذ برامج التدريب والتطوير، القياس المستمر لكفاءة وانتاجية الافراد واعداد خطط التطور والتتابع الوظيفي.

3- النشاطات المتعلقة بأنظمة وعلاقات العمل: وتضمن إعداد وتنفيذ أنظمة وآليات وضوابط العمل بما يتوافق مع أهداف المنظمة، ادارة الشؤون المتعلقة بالرواتب والأجور والحوافز والفوائد، تقديم حلول للمشاكل التي تواجه الموظفين وتعيق اتمام الأعمال الموكلة إليهم، تنفيذ اجراءات التأديب ومعالجة التظلمات الوظيفية، التأكد من وجود بيئة عمل صحية وسليمة، إدارة علاقات العمل مع الموظفين والجهات الحكومية وشبه الحكومية التي تمثلهم وترعى مصالحهم.

مع نمو الشركات وزيادة التنافسية وحجم العمل، والحاجة الى تنظيم الانتاج وضبط اليات العمل بشكل أكبر، ازداد الاهتمام بإدارة الموارد البشرية بطريقة أكثر شمولية، وبالتالي توسعت مهام هذه الإدارة وأضحت إدارة الموارد البشرية من منظور استراتيجي هي ما يضمن تحقيق أهداف المنظمة طويلة الأجل، وأصبح البعد الاستراتيجي لتخطيط الموارد وتوافق سياسات المنظمة مع أهدافها من أهم أنشطة هذه الإدارة.

يرى رايت ومكماهان (1992) أن إدارة الموارد البشرية الاستراتيجية تتضمن عمليات التخطيط لنشاطات الموارد البشرية بطريقة تضمن للمنظمة تحقيق أهدافها. فمثلاً قد يكون أحد الأهداف الاستراتيجية لشركة معينة أن تكون الأولى عالمياً في انتاج منتج معين، وتحقيق ذلك في وقت قصير نسبياً، وذلك لإغتنام فرصة مناسبة أو تحقيق مكسب سريع، فيتطلب ذلك من إدارة الموارد البشرية توظيف أشخاص ذوي خبرات عالية ومن شركات منافسة حققت نجاحات في نفس المجال، مما قد يحمّل الشركة أعباء مالية ومصاريف توظيف إضافية. وفي الحالة المعاكسة قد تتبنى شركة معينة استراتيجية تعنى بالتدريب وتطوير الموظفين ذوي المؤهلات المتواضعة للوصول بهم إلى مستوى عالي من التحصيل العلمي والعملي والاستثمار بهم على المدى الطويل لتحقيق الاستمرارية والنمو بشكل مستمر، وفي كلتا الحالتين يتوجب التخطيط الصحيح ودراسة الحالة من قبل ادارة الموارد البشرية وتوافقها مع أهداف المنظمة، ويترافق مع ذلك تطوير معايير لقياس أداء الموظفين في كل من الحالتين.

تتنوع مهام إدارات الموارد البشرية وعدد الأفراد الذين يعملون بها مع اختلاف حجم ونشاط المنظمة، و في المؤسسات الصغيرة والمتوسطة قد تقوم الإدارة بالإستعانة بخدمات شركات خارجية في مجال اختصاصي معين من مجالات إدارة الموارد البشرية كالتوظيف مثلاً، حيث نجد شركات متخصصة في البحث عن الموظفين المتخصصين في مجال معين، كشركات التوظيف المتخصصة في توظيف المدراء أو المحاسبين أو العمالة الماهرة. بالإضافة إلى ذلك فقد أصبحت الوسائل والأنظمة التكنولوجية الحديثة تهتم بإدارة الموارد البشرية وإعداد الأنظمة المناسبة لمتطلبات هذه الإدارة، كما أصبح من الممكن للشركات الصغيرة القيام بالمهام التقليدية لإدارة الموارد البشرية بعدد محدود من الموظفين عن طريق برامج أو مواقع متخصصة على شبكة الانترنت.

المراجع

Byars، Lloyd، & Rue، Leslie (2010) Human Resource Management. McGraw-Hill Education; 10 edition، USA.

Jackson، Susan E.، & Schuler، Randall S. (2011) Managing Human Resources. Cengage Learning; 11 edition، USA.

Wright، P.M. & McMahan، G.C. (1992) Theoretical Perspectives for strategic human Resource Management، Journal of Management، 18(2): 298