الكيمياء والصيدلة > كيمياء غذائية

ما الذي يجعل الطّعام الهندي جذاباً لهذه الدّرجة؟

يُعتبَر الطّعام الهنديّ بالنّسبة للكثيرين حبّاً من القضمة الأولى، فالمزيج الرّائع بين الألوان النّابضة بالحياة والرّوائح المنعشة والتّوابل القويّة المتوازنة كافٍ ليقودك إلى فيض من الأحاسيس.

فما السرُّ وراء كون الطّعام الهندي رغبةً لا يمكن مقاومتها؟

اتّضح مؤخراً أنّ هناك الكثير خلف هذه الخلطات من التّوابل والمكوّنات التي تبدو متناسبةً معاً، واكتشف الباحثون بعد دراسة أكثر من 2500 وصفة نقيض ما يمكن توقعه، فالسرُّ وراء الطّعم الاستثنائي للطّعام الهنديّ هو في الحقيقة مزج المكوّنات التي لا تشترك معاً بالكثير من النّكهات. بل وجدوا أيضاً أنّ بعض هذه التوابل تُظهِر ما يُسمّى بظاهرة المزاوجة السّلبيّة للطّعام، مثل الفلفل الحار الأحمر.

ولكن قبل الغوص في تفاصيل هذه الدّراسة، لنستكشف معاً عالم النّكهات الرّائع. يمكن إرجاع الأطعمة إلى النّكهات التي تحويها، والتي هي ناتج المكوّنات الكيميائيّة المختلفة التي تعطي الطّعم المميز عند مزجها.

توجد نظريّة شائعة في الغرب تقول بأنّ الأطعمة التي تشترك بالكثير من النّكهات تتماشى مع بعضها جيّداً، وهكذا اكتشفوا نجاح المزيج الفريد للكافيار والشّوكولا البيضاء، فعلى الرّغم من أنّ الشّوكولا البيضاء مادة يصعب مزاوجتها، إلّا أنّها تشترك بالنّكهات مع مواد كالواسابي، حبوب الفلفل الوردية و جبن البري. كما تُبرِز نكهات الشّوكولا السّوداء نكهات مكوّناتٍ أخرى غريبة كالبصل المقلي و جبنة البارميزان.

قد اختبر العلماء منذ سنوات نظريّة مزاوجة الطّعام هذه عبر ابتكار خريطة للنّكهات، حيث يتم وضع شبكة للأطعمة ذات المكونات المشتركة. وتوصّلوا لنتائج منها أنّ اللّحم البقريّ المشويّ مثلاً الأكثر اشتراكاً بالمكونات المنكّهة مع غيره من الأطعمة. بينما كان الرّاوند، الحلبة والبنفسج أقلّها تشاركاً.

ومن هنا توصّلوا إلى خلاصةٍ تقول أنّه على الرّغم من ميل المطبخ الغربيّ لاستخدام أزواج المكوّنات التي تشترك بالكثير من المركبات، إلّا أنّ مطبخ الشّرق الآسيوي يعمد إلى تجنّب هذا المبدأ.

وفي سبيل معرفة مدى شيوع المزاوجة في المطبخ الهنديّ، قام باحثون هنود بتحميل 2543 وصفة من قاعدة بيانات على الإنترنت، تضمّنت عدّة مطابخ فرعيّة كالبنجابي و البنغالي وشملت ثقافات ومناخات متنوّعة. ثمَّ سجلوا كلّ المكوّنات المختلفة الموجودة في الوصفات (194 مكون بالمجمل)، وصنّفوها في مجموعات معيّنة، مثل التّوابل، الخضار، الأعشاب. وأخيراً ابتكروا شبكةً من النّكهات التي توضّح عدد مرات تشارك المكوّنات بالمركّبات المنكّهة.

ووضّحت نتائجهم المثيرة للاهتمام أنّ المطبخ الهندي، وعلى عكس المطبخ الغربي، يعمد لمزاوجة سلبيّة قويّة للأطعمة مع القليل من التّشارك بالنّكهات. بكلمات أخرى، كلّما ازداد التّشابه بين النّكهات الموجودة في المكوّنات، قلّ احتمال وجودها في وصفةٍ واحدة.

بل ووجدوا بأنّ بعض هذه الأطعمة تقوّي تأثير المزاوجة السّلبي للأطعمة، مثل الفلفل الحار الأحمر، الغارام ماسالا garam masala، و القرفة. هذا يعني بأنّه عند احتواء طبقٍ ما على هذه المكونات سيتناقص احتمال احتوائها أيضاً على أطعمة أخرى ذات نكهاتٍ متداخلة.

إذاً كيف ظهرت هذه النّزعة؟

وفقاً للباحثين، قد يعود ذلك لكون التّوابل استُخدمت تاريخياً وبشكلٍ رئيسيّ لمنع التّخرب الجرثوميّ للطّعام ولفوائدها الصّحيّة المفترضة. وهناك احتمال كبير بأنّ هذه الاعتقادات الطبيّة تركت أثرها على وصفات المطبخ الهنديّ التّقليدّي.

المصدر:

هنا